يدفعون آلاف الدولارات للسفر ويقطعون مئات الكيلومترات على أمل إيجاد "مستقبل أفضل" لهم ولأبنائهم في أوروبا ويواجهون صعوبات هائلة، لكن غالباً تبدأ رحلة المهاجرين العراقيين إلى الحدود البولندية البيلاروسية بـ "عروض سفر شاملة" تقدمها لهم شركات متخصصة.
يعدّ بكر البالغ 28 عاماً استثناء بين آلاف المهاجرين الذين يخيمون على الجانب البيلاروسي في ظل ظروف مروعة، فهو ليس من أكراد العراق على عكس غالبية زملائه المهاجرين، بل هو عربي ينحدر من محافظة الأنبار غرب البلاد.
ويقول الشاب الذي يريد الوصول إلى المملكة المتحدة من أجل "مستقبل أفضل"، "نحن متعبون ونعاني المرض". وأضاف، "وصلنا إلى هنا بتأشيرة سياحية قبل نحو أسبوع من طريق دبي، إذ لم تعد هناك رحلات جوية مباشرة بين بغداد ومينسك"، مشيراً إلى أن "بعضهم دفع 3 آلاف دولار، ودفع آخرون لغاية 35 ألف دولار لمكاتب تنظم رحلات سياحية من بغداد".
إلى جانبه، يشعر سنكر وهو كردي عراقي، بالتعب الشديد لدرجة أنه يقول إنه مستعد "للذهاب إلى أي بلد يقبل به وأطفاله الثلاثة".
تعليق الرحلات بين بغداد ومينسك
وقبل إغلاقها بناء على طلب الحكومة العراقية منذ ما يقرب من أسبوعين، أصدرت القنصليات البيلاروسية في أربيل بكردستان العراق وبغداد تأشيرات سياحية تسمح للزوار بالسفر إلى مينسك ثم إلى الحدود مع بولندا، إحدى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وكانت رحلات الخطوط الجوية العراقية المباشرة بين بغداد ومينسك علقت بأمر من حكومة بغداد في أغسطس (آب) الماضي.
في ذلك الوقت، كان مئات المهاجرين، ومعظمهم من العراقيين، قد تجمعوا عند الحدود الليتوانية البيلاروسية على أمل العبور إلى ليتوانيا، ومنذ ذلك الحين تحول مركز ثقل الأزمة إلى الحدود مع بولندا.
وتؤكد وارسو أن 3 آلاف إلى 4 آلاف شخص، بينهم كثير من الأكراد العراقيين، يخيمون حالياً على طول الحدود، في هذه الأزمة التي تتواجه فيها الدول الغربية من جهة، وبيلاروس وحليفتها روسيا من جهة أخرى.
"كل شيء عبر روسيا"
وفي بغداد، يقول أحد مديري مكاتب تنظيم الرحلات مفضلاً عدم ذكر اسمه لوكالة الصحافة الفرنسية، "الآن كل شيء يتم عبر روسيا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح أن "التأشيرة السياحية لروسيا تبلغ قيمتها 700 دولار، ويحتاج الراكب لدعوة وكفيل يستغرق الحصول عليها قرابة 10 أيام، وتبلغ كلفة الرحلة 500 دولار".
وتابع، "بمجرد وصولهم إلى روسيا يقوم المهربون بنقلهم براً إلى الحدود مع بيلاروس لقاء 500 دولار".
وهكذا تبلغ قيمة الرحلة حوالى 2000 دولار، وهو مبلغ كبير إذ يبلغ متوسط الراتب في العراق 300 دولار تقريباً.
لكن الرحلات الجوية بدأت تتوقف الواحدة تلو الأخرى، فبعدما حظرت تركيا صعود العراقيين واليمنيين والسوريين إلى رحلاتها المتجهة لبيلاروس الأسبوع الماضي، أعلنت شركة "بيلافيا" البيلاروسية عن إجراء مماثل للرحلات الجوية من دبي.
عروض شاملة
وبحسب الباحثة العراقية المتخصصة في تدفقات هجرة أكراد العراق ميرا جاسم بكر، فقد أصبحت دبي في الفترة الأخيرة إحدى "نقطتي انطلاق أكراد العراق نحو مينسك"، والأخرى هي الدوحة مع الخطوط الجوية القطرية، والمهاجرون "لا يحتاجون إلى تأشيرة قطرية لأنهم يمرون فقط في الدوحة".
وتوضح الباحثة أن أنقرة "أصبحت المنصة" للحصول على التأشيرات، مشيرة إلى أن أكراد العراق يقدمون في كثير من الأحيان جوازات سفرهم لوكلاء السفر الذين يرسلون الوثائق إلى مندوبين لهم في العاصمة التركية، إذ تصدر لهم التأشيرات البيلاروسية.
ويقول بكر "هذه عروض شاملة، وقبل شهرين كانت كلفتها 2500 دولار، أما اليوم فهي تراوح بين 3500 و4000 دولار".
رحلات لإعادة العراقيين
وفي مواجهة هذه الأزمة، أعلن العراق بدء تسيير أول رحلة عودة لمهاجرين عراقيين من بيلاروس الخميس "على أساس طوعي". وقالت وزارة الخارجية العراقية إن 571 مهاجراً قالوا إنهم يريدون العودة لبلدهم.
وتود دانا (اسم مستعار) العودة لوطنها سوريا، ولا تهمها "المبالغ الكبيرة" التي أنفقتها على هذه الرحلة، وهي عادت إلى مينسك بعدما أمضت 20 يوماً في غابة عند الحدود مع بولندا "من دون ماء أو طعام أو تدفئة"، وتعرضت خلالها "للضرب بالهراوات" من قبل جنود بيلاروس.
وتقول دانا إنه "على الرغم من الحرب والمشكلات في سوريا، ولكنها تبقى أكثر أماناً من هذا المكان".