قال نائب وزير الخزانة الأميركي والي أدييمو إن الدولار سيبقى العملة المهيمنة في العالم، على الرغم من الاهتمام المتزايد بالعملات المشفرة. وأضاف أدييمو أن "أحد الأمور التي نعرفها هو أن الأصول الرقمية تقدم فرصة من نواح عدة للاقتصاد، لكنها من المحتمل أن تمثل تحديات، ونحن نعلم أن هناك قدرة على استخدام الأصول الرقمية من قبل الذين يريدون نقل الأموال بشكل غير مشروع من خلال النظام بطريقة لا تمس الدولار ولا يمكننا رؤيتها بسهولة.
لكننا نعتقد أنه في نهاية المطاف ومن خلال العمل مع دول العالم يمكننا معالجة هذه الأخطار من خلال دعوة منشئي الأصول الرقمية إلى اتباع القواعد المتعلقة بمكافحة غسل الأموال عن كثب".
تابع أدييمو في تصريحات لشبكة "سي أن بي سي" الأميركية "في النهاية، الأمر الذي سيؤدي إلى دفع مكانة الدولار في العالم هو القرارات التي نتخذها في الولايات المتحدة، بشأن الاستثمار في اقتصادنا.
وسبب انخراط الناس في الاقتصاد القائم على الدولار هو الرغبة بالاستثمار في أميركا"، وذلك بسبب قرارات سياسية، مثل حزمة البنية التحتية البالغة قيمتها تريليون دولار التي باتت قانوناً يوم الإثنين، ومن شأنها أن تساعد في "إطلاق العنان لإمكانات" الاقتصاد الأميركي، وخلق فرص استثمارية للحكومات الأخرى.
وقال "مع نمو اقتصادنا فإنها فرصة لنمو الاقتصاد العالمي، ومع حدوث ذلك سيظل الدولار هو العملة المهيمنة في العالم أيضاً".
وجهة نظر أدييمو ترددت في تعليقات أدلى بها رئيس الاحتياط الفيدرالي في سانت لويس جيروم باول خلال وقت سابق من هذا العام، وهو الذي رفض عملات "بيتكوين" والأصول الرقمية الأخرى باعتبارها تهديداً خطيراً لمكانة الدولار كعملة احتياطية في العالم.
سياسة العقوبات
وقالت محافظ البنك المركزي الروسي إلفيرا نابيولينا الأسبوع الماضي، إنها ستطلق نموذجاً أولياً لمنصة الروبل الرقمية أوائل العام 2022، وفقاً لوكالة "رويترز". وأشارت نابيولينا إلى أن روسيا ستقوم باختبار تجريبي قبل اتخاذ قرار نهائي بشأن إطلاق العملة الرقمية.
وفي أوائل يونيو (حزيران)، قالت نابيولينا لـ "سي أن بي سي"، إنها تتوقع أن تلعب العملات الرقمية دوراً محورياً في مستقبل الأنظمة المالية مع تحرك الاقتصاد عبر الإنترنت.
ويعمل عدد من البنوك المركزية في العالم على تطوير عملات رقمية سيادية، يقول المدافعون عنها إنها يمكن أن تعزز الشمول المالي وتجعل المعاملات عبر الحدود أسهل.
الروبل الرقمي ومستقبل الدولار الأميركي
وعندما سُئل أدييمو عما إذا كان احتمال وجود روبل رقمي يمكن أن يجعل العقوبات الأميركية أقل فعالية، أجاب "نعتقد أنه حتى إذا تم تطبيق الروبل الرقمي أو العملات الرقمية الأخرى، سيبقى هناك مجال لتأثير عقوباتنا، لأن الاقتصاد العالمي لا يزال مترابطاً".
وأضاف، "طالما كان الأمر كذلك، وطالما أننا نقوم بالاستثمارات المطلوبة، فلا يزال لدينا القدرة على استخدام نظام العقوبات الخاص بنا للتأكد من أننا نمنع الأمر الذي تم إنشاؤه، والذي هو تمويل غير مشروع من خلال النظام، ولمحاسبة الأشخاص الذين يتخذون خطوات لا تؤخذ في الاعتبار في أمننا القومي أيضاً".
وكانت واشنطن خلال السنوات الماضية فرضت عقوبات على روسيا لأسباب، من الاشتباه في تسميم سياسيين معارضين إلى التدخل في الانتخابات والهجمات الإلكترونية.
تعليقات أدييمو تضيف إلى تقرير صدر في أكتوبر (تشرين الأول) من وزارة الخزانة الأميركية، تحدث عن إمكان أن يكون هناك بعض التأثير للعملات المشفرة على العقوبات الأميركية، وجاء في التقرير الذي عُرض أمام لجنة في مجلس الشيوخ الشهر الماضي أن "ظهور العملات المشفرة يجعل من الصعب أن تكون العقوبات الأميركية فعالة".
وأشار تقرير الخزانة الأميركية إلى أنه "لا تزال الشركات في روسيا تمارس قدراً كبيراً من الأعمال التجارية حول العالم". وأضاف أن كثيراً من هذه الأعمال تتم بالدولار، ويتم ذلك مع المؤسسات المالية الأميركية، وذلك لأن الاقتصاد الأميركي لا يزال أكبر اقتصاد في العالم.
العملات المشفرة ومستقبل بيع النفط والغاز الروسي
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رحب في أكتوبر الماضي، من حيث المبدأ، بإمكان استخدام العملات المشفرة مثل "بيتكوين" لبيع النفط والغاز، لكنه قال إنه "من المبكر جداً" اعتمادها، مشيراً إلى تقلبات العملات المشفرة.
وكان اهتمام شركات الطاقة الروسية بالعملات المشفرة قد تزايد بشكل ملحوظ منذ مطلع العام 2021، إذ بدأت "غاز بروم نفت" التابعة لشركة الغاز الطبيعي الروسية والطاقة العالمية "غاز بروم"، بعمليات تعدين "بيتكوين" لتشغيل العمليات باستخدام الغاز الزائد للكهرباء، بحسب "نيوز بيتكوين".
وسمحت الشركة الروسية بعملية تعدين صغيرة للاستفادة من فائض الغاز من طريق تعدين "بيتكوين" في الموقع في حقل النفط، ووفقاً لتقارير عدة لموقع "نيوز بيتكوين"، تمنح شركة "غاز بروم نفت" الروسية للتنقيب عن النفط عمال مناجم "بيتكوين" القدرة على استخدام الغاز الفائض من التنقيب عن النفط لتعدين "بيتكوين" العملة المشفرة الأبرز تداولاً.
أميركا وتقويض الدولار
وكان الرئيس الروسي شن هجوماً على واشنطن متهماً إياها بأنها من يُقوض الدولار الأميركي كعملة احتياطية للعالم، من خلال استخدامه أداة للعقوبات في الخارج، بينما ترفع الدين الوطني وتضخم في الداخل.
وأضاف في تصريحات لـ "سي أن بي سي" خلال أسبوع الطاقة الروسي في أكتوبر الماضي، أن الدول التي تواجه عقوبات أميركية مثل روسيا "ليس لديها خيار آخر"، قائلاً "نحن مجبرون ببساطة على التحول إلى التسويات بعملات أخرى".
وأشار بوتين إلى أن روسيا سعيدة باستخدام الدولار في تجارة الطاقة خلال الوقت الحالي، لكن لديها خططاً حالية للتخلي عنه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف "لكن إذا استمرت سياسة السلطات الأميركية فلن نضطر إلى فعل أي شيء، فستفعل الولايات المتحدة ذلك بنفسها وتقوض الثقة في الدولار".
وأشار إلى أنه حتى حلفاء الولايات المتحدة قللوا من حيازاتهم من الدولار واعتمادهم على العملة الأميركية في التجارة المتبادلة، ليس بسبب استخدام الدولار كسلاح للعقوبات وحسب، بل لأن واشنطن تخفض قيمة العملة في الداخل من طريق طباعة النقود ورفع الدين الوطني أيضاً.
وقال بوتين، بحسب "روسيا اليوم"، "للمرة الأولى ربما في التاريخ ينمو التضخم في الولايات المتحدة بمعدل لم يحدث منذ فترة طويلة".
وأضاف أن الولايات المتحدة "تقطع الغصن الذي تجلس عليه من خلال تقويض هيمنة الدولار كعملة احتياطية عالمية، من أجل تحقيق مكاسب سياسية قصيرة الأجل في الداخل، ولكنها تضر بمصالحها الاقتصادية الاستراتيجية على المدى الطويل".
واستغرقت مساعي بوتين سنوات عدة لتقليل تعرض روسيا للدولار، ويعد ذلك إنجازاً، إذ انخفضت حصة الصادرات المباعة بالعملة الأميركية إلى أقل من 50 في المئة للمرة الأولى بحسب "بلومبيرغ".
وجاء معظم التراجع في استخدام الدولار من التجارة الروسية مع الصين، التي تتم الآن أكثر من ثلاثة أرباعها باليورو، وفقاً لبيانات البنك المركزي التي نشرت في أغسطس (آب).
وأظهرت بيانات الربع الرابع للعام 2020 أن حصة العملة المشتركة في إجمالي الصادرات قفزت بأكثر من 10 نقاط مئوية لتصل إلى 36 في المئة.
روسيا والصين تحالف مالي بعيداً من الدولار
وتشترك روسيا والصين في الحد من اعتمادهما على الدولار، وهو تطور يقول بعض الخبراء إنه قد يؤدي إلى "تحالف مالي" بينهما.
وفي الربع الأول من 2020 تراجعت حصة الدولار في التجارة بين روسيا والصين إلى أقل من 50 في المئة للمرة الأولى على الإطلاق، وفقاً لبيانات صادرة عن البنك المركزي الروسي ودائرة الجمارك الفيدرالية.
وتم استخدام الدولار في 46 في المئة فقط في التجارة بين البلدين.
وفي الوقت نفسه، شكل اليورو أعلى مستوى له على الإطلاق بنسبة 30 في المئة، بينما شكلت عملاتهما الوطنية 24 في المئة، وهو ارتفاع جديد أيضاً.
وكانت روسيا والصين قد خفضتا بشكل كبير استخدامهما الدولار في التجارة الثنائية على مدى السنوات الماضية، وفي أواخر 2015 تم إجراء حوالى 90 في المئة من المعاملات الثنائية بالدولار. وبعد اندلاع الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين والضغط المنسق من جانب موسكو وبكين للابتعاد من الدولار، انخفض الرقم إلى 51 في المئة بحلول 2019.
سياسة الدولرة
شكلت سياسة "الدولرة" أولوية بالنسبة إلى روسيا والصين منذ عام 2014، عندما بدأتا توسيع التعاون الاقتصادي بعد انفصال موسكو عن الغرب بسبب ضمها شبه جزيرة القرم، وأصبح استبدال الدولار في التسويات التجارية ضرورة لتجنب العقوبات الأميركية على روسيا.
وأوضح كبير الاقتصاديين لروسيا في بنك "آي إن جي" ديمتري دولجين، أن "أي معاملة تحويل في العالم تتضمن دولارات أميركية تجري في وقت ما تصفية معاملاتها من خلال بنك أميركي، مما يعني أن حكومة الولايات المتحدة يمكنها إخبار ذلك البنك بتجميد معاملات معينة".
واكتسبت العملية مزيداً من الزخم بعد أن فرضت إدارة دونالد ترمب تعريفات جمركية على سلع صينية تبلغ قيمتها مئات المليارات من الدولارات.
وفي حين كانت موسكو امتلكت زمام المبادرة بشأن إزالة الدولار، أصبحت بكين تنظر إليه على أنه أمر بالغ الأهمية.
وقال الباحث في مركز الدراسات الروسية في جامعة شرق الصين للمعلمين في شنغهاي تشانغ شين، لمجلة "نيكاي آسيا"، في أغسطس الماضي، "في الآونة الأخيرة بدأت الدولة الصينية والكيانات الاقتصادية الكبرى تشعر بأنه قد ينتهي بها الأمر في وضع مشابه للروس، كونهم هدفاً للعقوبات وربما يتم استبعادهم من نظام سويفت".
وفي 2014 وقعت روسيا والصين صفقة تبادل عملات لمدة ثلاث سنوات بقيمة 150 مليار يوان (24.5 مليار دولار)، ومكن الاتفاق كل دولة من الوصول إلى عملة الطرف الآخر من دون الحاجة إلى شرائها من سوق الصرف الأجنبي، وتم تمديد الصفقة مدة ثلاث سنوات عام 2017.
وخلال زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ روسيا في يونيو 2019، أبرمت موسكو وبكين صفقة لاستبدال الدولار بالعملتين الوطنيتين للتسويات الدولية بينهما، ودعا الترتيب الجانبين إلى تطوير آليات دفع بديلة لشبكة "سويفت" التي تهيمن عليها الولايات المتحدة لإجراء التجارة في الروبل واليوان.