دعا الناشطون السودانيون المعارضون للحكم العسكري إلى تظاهرات، اليوم الأحد، 21 نوفمبر (تشرين الثاني)، في وقت أعلن الأطباء المؤيدون للحكم المدني ارتفاع عدد القتلى المدنيين في حملة قمع التظاهرات منذ انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) إلى 40 بعد وفاة فتى، اليوم السبت، متأثراً بجروح خطيرة أصيب بها الأربعاء.
وكان قائد الجيش اللواء عبد الفتاح البرهان قاد انقلاباً في 25 أكتوبر خلال مرحلة انتقال هشة في السودان، واعتقل كل المدنيين في السلطة تقريباً وأنهى الاتحاد الذي شكله المدنيون والعسكريون وأعلن حالة الطوارئ. ومنذ ذلك الحين، تنظم احتجاجات ضد الجيش تطالب بعودة السلطة المدنية، خصوصاً في العاصمة الخرطوم وتقمعها قوات الأمن.
وقالت لجنة أطباء السودان المركزية في بيان "توفي صباح اليوم السبت محمد آدم هارون (16 سنة) متأثراً بجراحه البالغة جراء إصابته برصاص حي بالرأس والرجل في مليونية 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي".
وشهد الأربعاء 17 نوفمبر سقوط أكبر عدد من القتلى، بلغ 16 شخصاً، معظمهم في ضاحية شمال الخرطوم التي يربطها جسر بالعاصمة السودانية، بحسب نقابة الأطباء المؤيدة للديمقراطية، وبذلك يرتفع عدد القتلى منذ بدء التظاهرات في 25 أكتوبر إلى 40، معظمهم من المتظاهرين.
وتؤكد الشرطة أنها لا تفتح النار على المتظاهرين وتبلغ حصيلتها وفاة واحدة فقط وثلاثين جريحاً في صفوف المحتجين بسبب الغاز المسيل للدموع، في مقابل إصابة 89 شرطياً.
ودعا الناشطون المطالبون بالديمقراطية على شبكات التواصل الاجتماعي، السبت، إلى تظاهرة "مليونية" الأحد.
وفي تغريدة على "تويتر"، دعا تجمع المهنيين السودانيين، الذي لعب دوراً محورياً خلال الانتفاضة التي أدت الى إسقاط عمر البشير في أبريل (نيسان) 2019، إلى مجموعة من التجمعات طوال الأسبوع، بينها تظاهرة "مليونية" حاشدة الأحد وتظاهرات مماثلة الخميس.
وكانت مجموعات صغيرة من المحتجين تجمعت الجمعة بعد الصلاة في أحياء عدة، خصوصا في ضاحية خرطوم بحري (شمال شرقي العاصمة)، حيث سقط العدد الأكبر من الضحايا الأربعاء.
وأقام المحتجون متاريس في الشوارع لكن قوات الأمن أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريقهم. وقال تجمع المهنيين إن قوات الأمن "داهمت منازل ومساجد".
إدانة القمع
ودانت الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي حملة القمع الدامية ضد المحتجين، ودَعَوَا قادة السودان إلى عدم "استخدام مفرط للقوة".
وطالب الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية بـ"محاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات بما في ذلك الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين السلميين". وأضاف "قبل التظاهرات المقبلة، ندعو السلطات السودانية إلى ضبط النفس والسماح بالتظاهرات السلمية".
من جهته، قال الاتحاد الأفريقي الذي علّق عضوية السودان بعد الانقلاب، في بيان السبت إنه "يدين بأشد العبارات" العنف الذي وقع الأربعاء.
وطالب موسى فكي محمد، رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي السلطات بـ"إعاده النظام الدستوري والانتقال الديمقراطي"، في إشارة الى اتفاق تقاسم السلطة المبرم بين المدنيين والعسكريين في 2019.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ودعت لجنة حماية الصحافيين الى إطلاق سراح من احتُجز منهم أثناء تغطية التظاهرات بمن فيهم علي فرساب، الذي قالت إنه تعرّض للضرب كما أُطلقت عليه النيران واحتجز من قبل قوات الأمن الأربعاء.
وقال شريف منصور، منسق برنامج لجنة حماية الصحافيين في الشرق الأوسط الجمعة، إن "تعرّض فرساب للضرب ولإطلاق النار من قبل قوات الأمن يتعارض مع ادعاء حكومة الانقلاب التزامها الانتقال الديمقراطي". ويؤكد قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان الذي قاد الانقلاب على شركائه المدنيين أنه لم يفعل سوى "تصحيح مسار الثورة".
وللسودان تاريخ طويل من الانقلابات العسكرية وقد تمتع بفترات نادرة فقط من الحكم الديمقراطي منذ استقلاله عام 1956. وشكّل البرهان مجلس سيادة انتقالياً جديداً استبعد منه أربعة ممثلين لـ"قوى الحرية والتغيير" (ائتلاف القوى المعارضة للعسكر)، واحتفظ بمنصبه رئيساً للمجلس.
كما احتفظ الفريق أول محمد حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع المتهمة بارتكاب تجاوزات إبان الحرب في إقليم دارفور خلال عهد البشير وأثناء الانتفاضة ضد هذا الأخير، بموقعه نائباً لرئيس المجلس.
النرويج تدخل على خط الإدانة
ودانت تيريز لوكين غيزيل، سفيرة النرويج، إحدى دول "الترويكا"، في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية، القمع "الذي لا يُحتمل" ضد المعارضين للانقلاب في هذا البلد الذي كان يبني عليه العالم "آمالاً كبيرة".
ومنذ أعوام، تواكب بريطانيا والولايات المتحدة والنرويج السودان في طريقه المتعثر نحو الديمقراطية. ووصلت غيزيل إلى السودان في خريف 2020 عندما كانت الخرطوم تصنع السلام مع متمردين سابقين وتنهي نزاعات دموية.
لكن الانقلاب الذي قاده عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر وحملات التطهير واعتقال مئات والقمع الذي خلف 40 قتيلاً ومئات الجرحى، أوقفت هذه الفترة الانتقالية التي بدأت مع إطاحة الرئيس عمر البشير بعد حكم استبدادي دام 30 عاماً، تحت ضغط الشارع.
وروى أطباء أن قوات الأمن بعدما قطعت الاتصالات، أطلقت مجدداً النار على المتظاهرين الأربعاء وطاردتهم داخل المستشفيات والمنازل.
وقالت الدبلوماسية النرويجية إن "عرقلة الوصول إلى المستشفيات أمر غير مقبول وغير قانوني مثل قطع الاتصالات"، مؤكدة أن "كل هذه الأعمال لا تؤدي إلى أي حوار بناء".
وأوضحت انها أبلغت العسكريين باعتراضها على "الاستخدام غير المتكافئ للقوة".
ويبدو الفريق أول البرهان ثابتاً في موقفه. وهو يقسم بأنه تحرك واعتقل معظم المدنيين الذين تقاسم معهم السلطة منذ 2019 من أجل "تصحيح مسار الثورة" فقط.
لكن غيزيل ترى في ذلك "إجراء أحادي الجانب من قبل أحد الشركاء في المرحلة الانتقالية، الشريك العسكري". وقالت إن الحكومة النرويجية "تعتبره انقلاباً" لهذا السبب.
وحصل الانقلاب بسلاسة فجر 25 أكتوبر في بلد تهزه أزمة منذ أسابيع، وكانت الكتلة المدنية تتصدع ومئات المتظاهرين معتصمين للمطالبة بـ"حكومة عسكرية"، بينما أعلن البرهان نفسه أنه أحبط انقلاباً في نهاية سبتمبر (أيلول).
وقالت غيزيل "كنا نعرف أن هناك مشاكل لكن كان يمكن مناقشتها وحلها من قبل الشركاء أنفسهم"، وتلتقي بانتظام منذ الانقلاب رئيس الوزراء عبدالله حمدوك الذي يخضع لإقامة جبرية والفريق أول البرهان رئيس مجلس السيادة، أعلى المؤسسات المؤقتة.
وقالت سفيرة النرويج أن كلاً منهما يريد مثل القادة الآخرين "إعادة رسم الشراكة بين العسكريين والمدنيين" التي تشكل حجر الأساس لما بعد البشير وتحوّلت بسرعة إلى "شراكة دم" بين القادة المدنيين غير القادرين على فرض أنفسهم والعسكريين الذين يعتقدون أنه لا يمكن عزلهم ومتمردين سابقين سارعوا للانضمام إلى الجيش.
وقالت غيزيل "في كل لقاءاتنا، أسمع غضب وإحباط الجانبين".
كان الجميع يريدون إعادة خلط الأوراق، لكن البرهان هو من قام بذلك في نهاية المطاف عبر إرسال جنود لاعتقال حمدوك الذي يخضع حالياً للإقامة الجبرية.
وأوردت غيزيل "فوجئنا لأننا كانت لدينا آمال كبيرة" بالنسبة إلى السودان الذي كان بدأ خفض معدلات التضخم إلى حوالى 400 في المئة وعاد إلى الأسرة الدولية مع شطبه من "لائحة الإرهاب" الأميركية ووعد بانتخابات حرة في 2023، إلى درجة أن أوسلو رفعت مساعداتها ثلاثة أضعاف في 2020 لتبلغ 27 مليون يورو. وأوضحت الدبلوماسية أن التحويلات المالية معلقة الآن مثل مساعدات الولايات المتحدة أو البنك الدولي "لأننا نريد أولاً خطة لإنهاء الأزمة".
وهذه الخطة بحسب سفيرة النرويج ونظرائها الأميركي والأوروبيين في الخرطوم، تمر بعودة حمدوك إلى منصبه، لكن يبدو أن الفريق أول البرهان مصمم على ترسيخ الأمر الواقع الجديد. ففي 11 نوفمبر، أعاد تعيين نفسه في منصب رئيس مجلس السيادة الذي أقال منه آخر الأعضاء المؤيدين لسلطة مدنية بالكامل. وشددت "الترويكا" على أن هذه الخطوة "تعقّد الجهود لإعادة الانتقال إلى مساره الصحيح". وقالت السفيرة النرويجية إن "الضغوط الدولية مستمرة"، مشيرة إلى أن "هناك أيضاً ضغطاً قوياً من الداخل". وأضافت أنه "لا يزال هناك أمل" في الانتقال في السودان، الذي ظل في شكل شبه منقطع تحت حكم الجيش منذ استقلاله.