تختلج لدى السوريين العازمين على هجرة أوطانهم مشاعر حسرة لانقطاع آخر خيوط الأمل لهم بملاذ آمن نحو القارة الأوروبية يعبرون نحوها بأكثر الطرق يسراً وسهولة (الطريق البيلاروسي) ضمن موجة نزوح تعد الثانية من نوعها، يراقب كثير منهم عن كثب ما ستؤول إليه أكثر القضايا الإنسانية الطارئة على الحدود المشتركة البولندية، ويعيشون مرارة الاختيار بين تحدي رحلة الموت برداً بين الغابات أو غرقاً في مراكب الصيد الصغيرة.
أحلى الخيارات مُر
ويرخي الطقس البارد بشدة على الأجواء الساخنة للمحتجين المنتفضين بالقرب من الأسلاك الشائكة يقاومون القنابل المسيلة للدموع التي يطلقها رجال شرطة الحدود والمياه الغزيرة المتدفقة من المضخات لتفرق جموعهم وسط درجة حرارة 45 تتوقعها الأرصاد الجوية مع هطول أمطار غزيرة اليوم الأحد وسط سرعة رياح تصل إلى 18 ميلاً بالساعة.
ويطول ترقب السوريين للحلول الناجعة وتتسارع التطورات بهذا الملف، بعد أن أدت إلى توتر العلاقات بين مينسك، العاصمة البيلاروسية ومن جهة ثانية دول الاتحاد الأوروبي التي عدت موجة المهاجرين غير الشرعيين أزمة مفتعلة لأسباب سياسية وسط اتهامات تنهال على بيلاروس لكسب هذه الأزمة للضغط على أوروبا.
من جهته، نفى السفير الروسي لدة الأمم المتحدة، ديمتري بوليانسكي، "أن تكون بلاده أو حليفتها مينسك تساعدان المهاجرين على الوصول إلى الحدود مع بولندا لإغراق أوروبا بالمهاجرين"، في كلمة له أثناء جلسة طارئة مغلقة عقدها مجلس الأمن بطلب من فرنسا وإستونيا وبولندا لبحث أزمة المهاجرين في وقت سابق عقدت يوم 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.
في المقابل، أفضى الاجتماع الطارئ إلى بيان سداسي من الدول الست الأعضاء في مجلس الأمن (الولايات المتحدة وبريطانيا وإيرلندا وإستونيا والنرويج وفرنسا) اتهمت فيه بيلاروس بممارسة استغلال منظم للبشر على حدودها بهدف زعزعة استقرار الاتحاد الأوروبي.
طريق العودة
وفي حين يلفت النظر المتخصص القانوني في شؤون الهجرة، تيسير المشرف لـ"اندبندنت عربية"، وهو المتابع عن كثب لتطوراتها إلى ضرورة أن تتدخل دمشق كما فعلت بغداد لإجلاء العالقين العراقيين بطائرة استثنائية، وهذا الإجراء لم يكن ليحدث إلا باتفاقات عالية المستوى لحل الأزمة.
ويرجح في الوقت ذاته أن تخطو السلطات السورية بهذا الاتجاه على الرغم من كون العالقين من المهاجرين غير الشرعيين "إن حذت دمشق حذو بغداد لإجلاء رعاياها ستتعامل السلطات قانونياً مع أبناء البلد القادمين بطريقة شرعية إلى مينسك، والمغادرين عبر المطارات السورية لكن من الصعب إجلاء من قدموا بطرق تهريب".
ويرجح القانوني، "أن كل الأطراف تتفق على إيجاد حل للأزمة التي تسير بطريقها لوأدها على الرغم من كل التشابكات السياسية الحاصلة، وإحراج مينسك للأوروبيين". وأضاف، "أعتقد أن الضمانات ستكون حاضرة للمهاجرين غير الشرعيين لنقلهم إلى أي وجهة يختارونها، من قبل الدول أو حتى من قبل روسيا التي تحاول إيجاد تسوية لواقع المهاجرين الذين يعانون مخاطر سلامتهم أو النصب والسرقة والاحتيال، علاوة عن أهوال ومخاطر الإقامة بالقرب من تلك الحدود".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الحد من المهاجرين أول الحلول
في المقابل تحاول السلطات السورية إيجاد حلول من شأنها حل الأزمة، وقدمت الجهات الرسمية الدبلوماسية الحل لأزمتهم قبل شهر تقريباً، وسارعت إلى معالجة أوضاع ما يقارب 400 مهاجر في مطار مينسك تقطعت بهم سبل للخروج منه بسبب انتهاء صلاحيات تأشيرات السفر.
وتسعى سوريا إلى الحد من هذه الهجرة غير الشرعية بعد أن تفاقمت وباتت طريقاً يبحر السوريون المهاجرون فيه جواً بشكل سلس، وجهتهم في الأغلب إلى الأراضي الألمانية بعد أن يقطعوا الحدود البولندية، ويفضل هؤلاء المهاجرون هذا الطريق على غيره الأكثر خطورة عبر قطع البحر بزوارق مطاطية من الشواطئ التركية إلى اليونان، ومنها إلى أوروبا.
وفي الوقت ذاته، ودرءاً لزيادة نسب المقبلين على الهجرة بعد أن تحولت في الأسابيع القليلة الماضية إلى أزمة سياسية واسعة، لا سيما أنها تضم عدة جنسيات، بينهم السوريون والعراقيون والأفغان.
وأعلنت السلطات إلى وقف الطيران إلى مينسك، وبحسب بيان صحافي، تسلمنا نسخة منه حسمت شركة "أجنحة الشام للطيران" أمر السفر بتعليقه ريثما ينجلي الموقف، وجاء في البيان، "نظراً للظروف الحرجة التي تشهدها الحدود البيلاروسية - البولندية، وحيث إن أغلبية المسافرين على رحلات الشركة إلى مطار مينسك من الجنسية السورية، ومن الصعب التمييز بين المسافرين إلى بيلاروس كوجهة نهائية والمسافرين المهاجرين قررت الشركة تعلق رحلاتها".
التخلي عن أحلام الهجرة
إزاء ذلك لا تتوقع أوساط محايدة أن يقبل المهاجرون السوريون على الامتثال إلى قرار ترحيلهم بطائرات خاصة، أو بأي شكل من أشكال العودة إلى بلادهم لأسباب كثيرة منها مخاطر العودة وعدم وجود ضمانات عودة آمنة، فالمسافر بطرق غير شرعية يعد مخالفاً للتعليمات والقوانين ويحتاج إلى تسوية وضعه الأمني.
يقول الناشط في شؤون المهاجرين، وسام جركس المقيم في استوكهولم، "من الصعب إقناع المهاجر بعد كل المخاطر والمشقة التي واجهته في رحلته تلك، بالإضافة إلى تكاليفها التي تصل نحو ما يفوق سبعة آلاف دولار أميركي للوصول إلى أوروبا من الصعب أن تجدي كل الوسائل بعودته إلى بلاده". وأضاف، "أتوقع أن يبقى الناس مرابطة على تلك الحدود. لا حلول دبلوماسية إلا حلاً واحداً يتمثل في استيعاب المهاجرين وإدخالهم بشكل دفعات وبعدها إغلاق الحدود". ويعتقد أن بولندا مع عزمها على بناء جدار فاصل بينها وبين جارتها بيلاروس سيكون من الصعب على المهاجرين الوصول إليها، إلا أن المشكلة تبقى سياسية في المقام الأول".
أوروبا تتحرك لحل الأزمة
وكانت الشرطة البولندية قد أعلنت في 13 من الشهر الحالي عثورها على جثة سوري قرب حدودها ليرتفع عدد الضحايا إلى 11 مهاجراً فارقوا الحياة، بينما سجل فريق الاستجابة السريعة للأزمات الإنسانية في بولندا مفارقة رضيع سوري للحياة، وأعلن أنه أصغر ضحية في هذه الأزمة. في غضون ذلك أخلت بيلاروس عدداً من المخيمات الرئيسة، التي تضم مئات اللاجئين، بعد أزمة سياسية عالقة مع دول الاتحاد الأوروبي، في السياق ذاته، وبعد مداولات عديدة أوضحت المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل "الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو اقترح فتح أوروبا لممر إنساني ينقل خلاله ألفي لاجئ إلى ألمانيا".
مقابل هذا، تعمل مينسك على إعادة من يرغب بالعودة إلى بلدانهم، وتستمر المحادثات بهذا الشأن بعد رفض ألمانيا للممر الإنساني، حيث يوجد ما يقارب خمسة آلاف لاجئ على الحدود بين البلدين ما زالت قضيتهم عالقة بانتظار حلول واضحة المعالم.