في ظل تعهد الأجهزة الأمنية السودانية بحماية المواكب الشعبية السلمية من العنف الذي مارسته تلك الأجهزة في المواكب السابقة ضد المتظاهرين السلميين، انطلقت في تمام الساعة الواحدة من ظهر الخميس مواكب مليونية 25 نوفمبر (تشرين الثاني) في العاصمة المثلثة (الخرطوم، الخرطوم بحري، وأم درمان)، ومدن أخرى في البلاد، تحت شعار "الوفاء للشهداء" للمطالبة بمحاسبة المتورطين في قتل المتظاهرين منذ إصدار قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان قرارات 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بإعلان حال الطوارئ وتعطيل العمل بالوثيقة الدستورية، والذين بلغ عددهم 42 قتيلاً.
وخرج آلاف السودانيين إلى الشوارع تلبية لدعوة "تنسيقيات لجان المقاومة" و"تجمع المهنيين السودانيين"، اللذين يقودان الحراك الجماهيري الحالي، وسط هتافات "الشعب شعب أقوى والردة مستحيلة، العسكر إلى الثكنات، ما بنقبل الدية والدم قصاد الدم"، فضلاً عن رفع الأعلام السودانية ولافتات تدعو إلى رحيل العسكر من المشهد السياسي في البلاد، وتسليم السلطة بالكامل إلى المدنيين.
وبينما اعتبرت الأمم المتحدة أن تظاهرات الخميس "اختبار" للجيش الذي أعاد رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الى منصبه الأحد الماضي، أطلقت قوات الأمن القنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين في الخرطوم، بحسب شهود.
استمرار التظاهرات
وقال متظاهرون لـ "اندبندنت عربية"، إنهم غير معنيين بالاتفاق السياسي الذي وقع الأحد الماضي بين رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبدالله حمدوك، ولذا لن يتوقفوا عن تظاهراتهم في الشارع حتى تسلم السلطة بالكامل إلى المدنيين، وأنهم مستعدون لأي تضحية في سبيل تحقيق هدفهم وفاء لضحايا الثورة.
وأوضح المتظاهر محمد يسن، "ظللت أشارك في هذه الثورة منذ اندلاعها في ديسمبر 2018، وكلما يسقط شهيد يزيد انتمائي إلى هذه الثورة حتى أصبح الأمر بالنسبة إلي التزاماً وتعهداً بيني وبين نفسي بأن نصل بهذه الثورة إلى نهاية المطاف بإزالة حكم العسكر نهائياً، وأنا على ثقة تامة بأن بلادنا ستتنسم شمس الحرية قريباً وستمضي قدماً على طريق الحكم الديمقراطي الذي نعرف أن كلفته باهظة، لكن بسبب قربي من كثير من الشباب، أقول إنهم غير مبالين بأي ممارسة وعنف يستخدم ضدهم من قبل الأجهزة الأمنية". وأضاف، "ستكون مواكبنا سلمية وملتزمون بذلك، ونعتقد أن الشارع أقوى من الجيوش، ولدينا تجربة مريرة مع جهاز أمن نظام البشير السابق قبل الإطاحة به في أبريل (نيسان) 2019، إذ استخدم ضدنا عنفاً غير مسبوق، لكننا لم نستسلم على الرغم من سقوط أعداد كبيرة من الضحايا، واليوم تكرر المشهد بانقلاب البرهان على السلطة المدنية، ولولا قوة الشارع وعزيمته لما كان تراجع عن قراراته، ومع ذلك لا نثق في أي اتفاق هو طرف فيه، وبالتالي سنواصل مسيرة النضال السلمي حتى يرحل كما رحل قبله حكام عسكر كثر، سواء في السودان أو بلدان أخرى".
لا للتسوية
في السياق، قالت الناشطة السياسية تهاني عبدالمجيد إن "المدنية هي هدفنا ورسالتنا التي حملناها منذ انطلاق الثورة، ولا نقبل بأي تسوية في ظل وجود المكون العسكري، وبالتالي فإن ثورتنا لم تنته بعد وسنستمر في تنظيم المسيرات والمواكب السلمية إلى حين إعلان البرهان تنحيه ومجموعته عن السلطة، فالمؤسسة العسكرية لا علاقة لها بالشأن السياسي بحسب دستورها المتعارف عليه، ونحن لا نريد أي تجاوز من أي جهة حتى نبني بلادنا ونعبر بها باحترام النظم والعدالة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابعت، "نحن مدركون للتحديات التي تجابه بلادنا، ونعتقد أن النظم العسكرية التي حكمت البلاد لأكثر من 60 عاماً منذ استقلال السودان عام 1956، هي السبب الرئيس في مجمل المشكلات التي ظلت تشكل حجر عثرة أمام تطور البلاد وتقدمها، إذ تعمق الصراع القبلي والعرقي، مما أدى إلى نشوب الحروب والفتن والانقسامات وغيرها، ولذلك لا سبيل أمامنا سوى إكمال مشوار هذه الثورة، بخاصة وأن سلاحها السلمية ولن تنحرف عنها مهما حاول أصحاب الأجندات الخاصة جرها نحو العنف، لكن هيهات هيهات، فشباب الثورة واع واكتسب الخبرة الكافية".
مسارات المواكب
وكان منظمو مليونية "الوفاء للشهداء" حددوا نقاطاً رئيسة للتجمع في كل من تقاطع المؤسسة في الخرطوم بحري وشارع الستين ومحطة سبعة في العاصمة الخرطوم وشارع الأربعين في أم درمان، وميدان الجريف لمناطق شرق النيل.
وهذه هي المرة الأولى التي تنطلق هذه المليونية في ظل وجود خدمة الإنترنت وعدم انتشار للقوات الأمنية في الطرقات والشوارع، إلى جانب عدم إغلاق الجسور التي تربط مدن العاصمة الثلاث.
ودعت لجان المقاومة السودانية في بيان كل المشاركين "إلى الالتزام بالسلمية واحتلال الشوارع وفاء للشهداء، والتأكيد للعسكريين أننا ماضون في درب النضال والإسقاط حتى وإن وجهتم الرصاص نحونا فإننا سنستقبله بصدورنا العارية التي تسع كل شيء لبناء الدولة المدنية لا دولة الميليشيات".
كما دعت "قوى الحرية والتغيير" و"الحزب الشيوعي" جميع السودانيين إلى الخروج في تظاهرات "مليونية 25 نوفمبر" رفضاً للانقلاب.
خطة التأمين
وكان رئيس الوزراء عبدالله حمدوك وجه في وقت سابق خلال لقائه بمكتبه نائب المدير العام لقوات الشرطة الفريق شرطة حقوقي الصادق علي إبراهيم، بتأمين مواكب 25 نوفمبر والشروع في إجراءات إطلاق جميع المعتقلين من لجان المقاومة في العاصمة والولايات.
كما اطلع حمدوك على استعدادات الشرطة والخطة التفصيلية لتأمين التحركات الشعبية في ظل التأكيد على أن التعبير والتظاهر السلمي حق مشروع وفق مبادئ ثورة ديسمبر (كانون الأول).
كما أكدت قيادة الشرطة السودانية التزامها بالعمل وفق القانون بما يحفظ للجميع أمنهم وسلامتهم وممارسة حقهم في التعبير السلمي.