أعلنت مفوضية الانتخابات في ليبيا القائمة الأولية للمرشحين لرئاسة الدولة، الذين استوفت ملفات ترشحهم الشروط القانونية الواردة في التشريعات الانتخابية، وبلغ عددهم 73 اسماً من بين 98 تقدموا للمنافسة على المنصب الرئاسي.
وشملت قائمة المستبعدين أسماء من الوزن الثقيل في مقدمتهم سيف الإسلام القذافي، وجملة من رموز النظام السابق، مثل مدير مكتب الرئيس الراحل معمر القذافي، بشير صالح، والقيادي البارز في نظامه محمد الشريف، إضافة إلى رئيس البرلمان السابق نوري بوسهمين ورئيس الوزراء السابق علي زيدان ووزير الخارجية في فترة الحكومة المؤقتة عبد الهادي الحويج.
وشكّل استبعاد سيف الإسلام القذافي ضربة قوية لطموحه وأنصاره في استعادة الحكم في البلاد، بعد عقد على سقوط النظام، وفرصة ثمينة لمنافسيه البارزين على رأسهم قائد "الجيش الوطني" في الشرق المشير خليفة حفتر ورئيس الحكومة الحالية عبد الحميد الدبيبة، اللذين مرّ ملفا ترشحهما بسلام من المراجعة القانونية الأولية.
وأعلنت الحكومة الليبية المؤقتة أن مجهولين اعتدوا صباح الخميس على المحكمة الابتدائية في سبها (جنوب) مما حال دون انعقادها للنظر في طعن قدمه سيف الإسلام القذافي بقرار منعه من الترشح للانتخابات الرئاسية، مؤكدة أنها أمرت بتعزيز أمن المحاكم المعنية بالنظر في الطعون الانتخابية.
وقالت الحكومة في بيان إنها "ترفض ما حدث بمحكمة سبها الابتدائية من اعتداء طال العاملين نفذته مجموعة تجاوزت القانون"، من دون أن تحدد من هي هذه المجموعة ولا إلى أي فريق تنتمي.
وأكد البيان أنه على الإثر صدرت تعليمات لوزارتي الداخلية والعدل للتحقيق "فوراً" في ملابسات الواقعة، ومضاعفة تأمين كافة المقرات للمحاكم المعنية بالنظر في الطعون المتعلقة بالعملية الانتخابية في شقيها الرئاسي والتشريعي. ودعت الحكومة في بيانها "كافة الأطراف إلى احترام القوانين ورغبة الليبيين في تبني المسار السلمي للعملية السياسية".
بدء قبول الطعون القانونية
واستبعدت المفوضية العليا للانتخابات 25 اسماً من الشخصيات التي ترشحت للتنافس على المنصب الرئاسي، لتعلن القائمة الأولية للمرشحين للانتخابات الرئاسية، متضمنة 73 مترشحاً بينهم سيدتين. ونوّهت المفوضية بأن "فترة الطعون تبدأ كما هو محدد في المادة 48 من القانون رقم 1 بشأن انتخاب الرئيس وتحديد صلاحياته، والتي تسمح بالطعن في إجراءات وقرارات المفوضية بعد مرور 72 ساعة من صدور القائمة الأولية للمرشحين".
ونصت لائحة ودليل الترشح للانتخابات، التي أصدرتها المفوضية الوطنية العليا في العاشر من الشهر الحالي، على تلقي لجنة الطعون الابتدائية تظلمات المرشحين بعد 72 ساعة من نشر القوائم الأولية، على أن تصدر اللجنة قرارها خلال 72 ساعة أخرى. وبعدها تتلقى لجنة الاستئناف الطعون بقرار "لجنة الطعون الابتدائية" خلال 72 ساعة، على أن تفصل في تلك التظلمات خلال ثلاثة أيام، وبعدها تصدر اللائحة النهائية للمرشحين.
لماذا استبعد نجل القذافي؟
واستأثر استبعاد سيف الإسلام القذافي من المنافسة على كرسي الرئاسة، بالاهتمام الأكبر في ليبيا وخارجها، وهو الذي كان مرشحاً للمنافسة بقوة على المنصب، بحسب ما أكدته غالبية الاستطلاعات التي أجريت في البلاد خلال الأيام الماضية، على الرغم من أن عودته إلى الحياة السياسية قوبلت باعتراضات واسعة من أطراف محلية ودولية.
ويأتي استبعاد سيف الإسلام من المنافسة بسبب مخالفة ترشحه للبند السابع من المادة 10، والبند الخامس من المادة 17، في قانون انتخاب الرئيس. وينص البند رقم 7 من المادة 10 في قانون انتخاب رئيس الدولة، على ألا يكون المرشح "محكوماً عليه نهائياً في جناية أو جريمة مخلّة بالشرف أو الأمانة".
أما البند 5 من المادة 17، فينص على ضرورة "تقديم طالب الترشح شهادة تثبت خلوّ سجله الجنائي من السوابق".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشكّل إسقاط اسم نجل الرئيس السابق من قائمة المرشحين صدمة كبيرة له ولأنصاره، وكشفت مصادر مقربة منه عن رغبته باستئناف قرار المفوضية، إذ قال الناطق الرسمي السابق باسم نظام معمر القذافي، موسى إبراهيم، إن "الاستبعاد الذي تم بحق سيف الإسلام هو عثرة شكلية سيتم الطعن فيها، ثم تجاوزها مستقبلاً بجهود الوطنيين، فسيف الإسلام لم يعُد أسيراً ومطارداً، بل هو اليوم قيادة سياسية علنية، ومشروع انتخابي حقيقي، وشريك أساسي في المشهد السياسي المعترف به وطنياً ودولياً، وأول الغيث قطرة".
استبعاد بقرار دولي
من جانبه، استبعد المحامي عبد الحميد بن صريتي أن "ينجح سيف الإسلام القذافي في كسب المعركة القانونية مع المفوضية العليا للانتخابات، عبر استئناف قرار استبعاده، كون المخالفات القانونية التي أدّت إلى إسقاط اسمه من قائمة المرشحين واضحة وصريحة، والمتعلقة بأحكام قضائية صدرت بحقه سابقاً عن القضاء الليبي، ولو كانت غيابية". وتابع "هناك إجماع من القوى الدولية على منعه من العودة إلى الحكم، ظهر جلياً في جلسة مجلس الأمن لمناقشة ملفه لدى المحكمة الجنائية، فعودته إلى السلطة تتضمن مخاطر جمة على مصالح الدول التي أسقطت نظام والده وأسهمت في مقتله، كما هناك خشية من انتهاجه مسلكاً انتقامياً من كل المدن والشخصيات التي ثارت ضد نظام القذافي عام 2011".
اعتراضات على قبول الدبيبة
في المقابل، أبدت شخصيات ليبية اعتراضها على قبول ملف الدبيبة، على الرغم من مخالفته المادة 12 من القانون الانتخابي، التي تشترط استقالة المرشح من أي منصب سيادي قبل 3 أشهر من الانتخابات العامة، وهو ما يتعارض مع حالة الدبيبة. وقالت مصادر ليبية متطابقة إن المفوضية قبلت المسوّغ القانوني الذي استند إليه الدبيبة في ترشحه، وهو أنه يُعتبر متوقفاً عن أداء مهماته كرئيس حكومة بحكم القرار الصادر عن الجهة التشريعية، وهو البرلمان، في سبتمبر (أيلول) الماضي، الذي جمّد أعمال الحكومة وحوّلها إلى حكومة تصريف أعمال.
ولم تقنع هذه الحجة القانونية معارضي ترشح الدبيبة للانتخابات الرئاسية، فردّوا عليها بالقول إنه حتى بعد صدور القرار، استمر في مهماته رئيساً لحكومة تصريف الأعمال، علماً أنه رفض وقتها قرار مجلس النواب علناً. وعلّق عضو البرلمان صالح افحيمة على قبول ملف الدبيبة بقوله، "كل الجدل في الفترة الماضية حول المادة 12 ذهب أدراج الرياح، ولم يتم استبعاد مرشح واحد ممّن تنطبق عليهم".
واعتبر أن استبعاد المرشحين من القائمة الأولية كان لأسباب سياسية وليست قانونية، مضيفاً أن "التطبيق الانتقائي لمواد القانون رقم 1 لعام 2021 وتعديلاته، دليل على أن الإبقاء والاستبعاد كان سياسياً بامتياز ولم يكُن قانونياً، ولا نعلم يقيناً لمصلحة من تسير الأمور، ولكننا على الأقل نعلم أنها ليست في مصلحة العملية الانتخابية واستقرار البلاد".
تمسك دولي بالعملية الانتخابية
الضجة الإعلامية التي أُثيرت حول القائمة الأولية للمرشحين للرئاسة التي أصدرتها المفوضية، غطت على أصداء الاجتماع المهم لمجلس الأمن حول ليبيا في اليوم ذاته، الذي اختُتم ببيان شدد على التمسك بالجدول الزمني للانتخابات الصادر عن المفوضية الليبية، والتأكيد على إدارج كل من يعرقلها على قائمة العقوبات الدولية الخاصة به.
وأكد البيان الختامي للاجتماع، الذي ناقش الملف الليبي على مدار يومين، "أهمية إجراء عملية انتخابية شاملة للجميع، وتشاورية يتقبّلها أصحاب المصلحة الليبيون على نطاق واسع، ويدين مجلس الأمن أي جهود لتقويض العملية، بما في ذلك تقويضها من خلال الجهود الرامية إلى تأجيج العنف أو بث معلومات مضللة أو منع مشاركة الناخبين".
وحضّ البيان "كل الأطراف الليبية المعنية على التزام قبول نتائج الانتخابات، واحترام حقوق خصومها السياسيين قبل الانتخابات وأثناءها وبعدها". وحذر البيان "الأفراد أو الكيانات الذين يهددون السلام أو الاستقرار أو الأمن في ليبيا، أو يعرقلون أو يقوّضون عملية الانتقال السياسي بوسائل، منها عرقلة الانتخابات أو تقويضها، بأنهم قد يصنّفون لغرض إخضاعهم للعقوبات".