تجري في أروقة لجان المقاومة في السودان ترتيبات نشطة لإعلان تنظيم جديد باسم "ديسمبريون"، يحمل هموم ومطالب الثورة السودانية التي انطلقت في نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2018 ضد نظام الرئيس السابق عمر البشير، الذي أطاحته في 11 أبريل (نيسان) 2019، لكن سرعان ما واصلت الثورة عنفوانها بعد الإجراءات التي أصدرها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بإعلان حالة الطوارئ، وتعطيل الشراكة مع المكون المدني في الوثيقة الدستورية، وحل مؤسسات الحكم المدني في البلاد، باعتبارها انقلاباً عسكرياً كامل الأركان.
10 أهداف
وضع التنظيم الجديد عشرة أهداف ومبادئ يسعى لتحقيقها، هي دعم المدنية والتحول الديمقراطي، ورفض كل أشكال الانقلابات العسكرية، ورفض تغول المدنيين على النصوص الدستورية، وهيكلة القوات النظامية بجيش موحد ذي عقيدة وطنية، وتشكيل هياكل السلطة المدنية، وهي المجلس التشريعي والسلطة القضائية والنيابة العامة والمحكمة الدستورية.
وكذلك التحقيق الدولي في كل الجرائم المرتكبة منذ 30 يونيو (حزيران) 1989 وحتى تاريخه، بما في ذلك مجزرة فض الاعتصام وما تلاها والمتورطين فيها، والتأمين والإبقاء على قانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989، ومعالجة القصور في التطبيق والقانون، والوصول إلى اتفاق سلام شامل مع أصحاب القضية الحقيقية، وإعادة النازحين والمهجرين إلى أراضيهم وحواكيرهم التاريخية والتعويضات الفردية والجماعية، والعمل على محاسبة ومحاكمة رموز نظام الثلاثين من يونيو، وكل من خان أهداف ومبادئ ثورة ديسمبر المجيدة وفق الشرعية الثورية، وتطبيق مبدأ الشرعية الثورية لتحقيق الأهداف والمبادئ الواردة في ميثاق شرف هذا التنظيم.
انعدام الثقة
وبحسب عضو لجنة مقاومة أم درمان الكبرى إيمان حسن عبد الرحيم، فإن فكرة تنظيم "ديسمبريون" جاءت نتيجة نقاشات واسعة عقب سقوط نظام البشير، وتلكؤ القوى السياسية في تحقيق أهم شعارات الثورة قرابة الثلاثة أعوام، بخاصة ملف الشهداء، خصوصاً مجزرة اعتصام القيادة العامة للجيش التي وقعت في الثالث من يوليو (تموز) 2019، وراح ضحيتها نحو 200 قتيل، غير الجرحى والمفقودين، فضلاً عن قضايا حرية التعبير السلمي، والعدالة والسلام، فكل هذه القضايا تسير ببطء، ولا أحد يعلم متى ستُحسم، وما الكيفية التي سيتم بها إنهاء هذه الملفات المهمة.
ونوهت عبد الرحيم إلى أن غالبية شباب الثورة ليس لديهم ثقة في أي جهة سياسية، ويعتقدون أن تطلعاتهم لن تتحقق، وما يرسمون إليه من أجل وطنهم لن يكون إلا من خلال أيديهم، لذلك قرروا أن يكونوا داخل المشهد السياسي، ودهاليز القرارات المصيرية التي تتخذ بالإنابة عنهم، وهو ما جرى تجريبه منذ استقلال السودان في 1956، حيث ظللنا ندور في الفلك ذاته، دون حل لقضايانا الأساسية، بل زادت تعقيداً وتشعباً. مبينة أنهم فرغوا الآن من مسودة ميثاق الشرف، وستتوالى الخطوات التالية لذلك في غضون الأيام المقبلة.
قافلة الثورة
يقول الكاتب السوداني عبدالله آدم خاطر، "ظلت الثورة السودانية بتراكماتها ووصلت إلى قمتها في ديسمبر 2018، وأصبحت بعد ذلك بالنظر إلى منهجيتها السلمية تجربة شعب وأمة، كما هي تجربة للجيل الجديد ولجيل المستقبل، لذلك ظللنا نتوقع إضافات يومية من إبداعات الثورة التي بدأت تتدفق وترسم ملامح جديدة في حياة الشعب السوداني سياسياً واقتصادياً وثقافياً ورياضياً واجتماعياً، ومن المؤكد أن هذه التجربة ستكون العنوان الجديد لنهضة السودان لما تحويه من طموح وآمال عريضة، تحملها الشعارات المرسومة على لافتات المواكب، يرددها الجيل الجديد داخل المنازل والشوارع كمطالب لا مفر من تحقيقها بهذه العزيمة والإرادة القويتين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف خاطر، "الآن، عرف الجميع أن الثورة محروسة بالشباب، وأن طاقاتهم لن تتبدد، وأن هذه الثورة في طور تطوير، وأنها كتجربة تجاوزت فترة التكوين، وقد تظهر في أي لحظة بشكل قوي، لذلك يجب أن تجد السند والمساندة من الجميع، بخاصة قوى الاستنارة في البلد، مثل أساتذة الجامعات والناشطين ورجال الصحافة والإعلام البارزين، الذين يمكن أن يكون لهم تأثير في ربط هذا الكيان الجديد بقافلة الثورة بقوة، والانطلاق بها إلى الأمام وفقاً لأهداف ثورة ديسمبر وشعاراتها، وبكل تأكيد (حرية، وسلام، وعدالة) هي قمة الشعارات، وحتماً ستكون المدنية هي المنتج النهائي لهذه الثورة العظيمة".
وأشار الكاتب السوداني إلى أن تنظيم "ديسمبريون" "لن يكون خصماً على الأحزاب السياسية، بقدر ما يكون إضافة إلى المشهد السياسي في ظل الاستقطاب الحاد، لكن يجب على القائمين على هذا التنظيم أن يحافظوا على إرث وأدبيات الواقع السوداني، والتركيز على كل ما من شأنه بناء وتنمية الوطن، بعيداً عن الأجندة والمصالح الضيقة".
المال والإعلام
في المقابل، يقول أستاذ العلاقات العامة والإعلام في الجامعات السودانية النور عبدالله جادين، "من الطبيعي، أن تفرز ثورة مثل ديسمبر في السودان تكوينات وكيانات وأحزاباً جديدة، لكن قوة هذه الأحزاب والكيانات ومستقبلها يتوقف على مطلوبات عدة، تتمثل في الطرح والبناء الفكري (فلسفة التنظيم)، وقوة القيادة الجديدة وقبول الشارع لها، والدعم الإقليمي والدولي، والتمويل المالي المستقل عن أي جهات داخلية أو خارجية". مشيراً إلى أن تنظيم (ديسمبريون) "يمكن أن يخلق ثورة في الواقع السياسي السوداني إذا توافرت له الظروف آنفة الذكر، لأن تاريخ الثورات السودانية لم يشهد بعدها تغيير في الخريطة السياسية في البلاد، فقد كانت دائماً تعود بعدها الأحزاب والكيانات السياسية التقليدية والعقائدية إلى تسيد الواقع السياسي على ضوء نتائج الاستحقاق الانتخابي، على الرغم من عجزها السابق وتسببها في الانقلابات العسكرية".
وأضاف جادين، "الآن، الأحزاب السياسية في أضعف حالاتها الفكرية والسياسية وطرحها السياسي، فضلاً عن ضعف قياداتها وانفصالها عن واقع الشباب الذين صنعوا الثورة، وهذا واقع إيجابي ومشجع لأي تنظيم جديد، بخاصة إذا كان يمثل الثورة تمثيلاً حقيقياً، مثل لجان المقاومة والثوار والشباب الذي ضحّى وأزال النظام السابق، على الرغم من عنفه وقوته من حيث السلاح والتنظيم، لكن في اعتقادي أن أخطر منافس سيواجه هذا التنظيم الجديد هو المؤتمر الوطني بأسمائه وتحالفاته الجديدة مع الإدارات الأهلية والطرق الصوفية وبعض الفصائل العسكرية".
ونوه أستاذ العلاقات العامة والإعلام إلى أن تنظيم "ديسمبريون" الجديد إذا أراد أن يثبت أقدامه ويصبح واقعاً حقيقياً في الساحة السياسية سيكون محتاجاً إلى "استمرارية زخم الثورة والثوار وكذلك المال والإعلام والطرح الفكري الواضح المستند إلى حقائق الثورة ومخرجاتها، بالتالي على قيادة هذا التنظيم أن يحلل بدقة لماذا لم تغير كل الثورات في السودان واقع التركيبة السياسية في السودان". مبيناً أن "هناك فرصة كبيرة لدى هذا التنظيم الجديد وهي غياب وانتهاء دور كل القيادات الكارزمية التاريخية التي قادت الأحزاب منذ الاستقلال وبعده، لكن لا بد من بروز كيانات وقيادات جديدة تلبي طموحات وأحلام الشباب والثوار في المرحلة المقبلة".
100 حزب
يصل عدد الأحزاب في السودان إلى نحو 100 حزب، غير أن أهم محركين سياسيين في المشهد السياسي السوداني هي أحزاب الأمة القومي، والشيوعي السوداني، والمؤتمر السوداني، والمؤتمر الشعبي، والاتحادي الديمقراطي.
وخلال فترة حكم الرئيس السابق عمر البشير (1989 - 2019) كانت الخريطة السياسية للقوى الفاعلة في السودان تتشكل من الأحزاب التقليدية، مثل الاتحادي الديمقراطي بقيادة محمد عثمان الميرغني (انقسم إلى عدة أحزاب صغيرة)، والأمة القومي بقيادة الصادق المهدي (اشتقت منه عدة أحزاب)، والمؤتمر الشعبي بقيادة حسن الترابي، والمؤتمر الوطني (الحزب الحاكم آنذاك)، والحزب الشيوعي.
أما بعد 2019 فظهرت قوى سياسية وتنظيمات جديدة، على رأسها حزب المؤتمر السوداني، ونداء السودان، وهو تحالف من الأحزاب السياسية والحركات المسلحة، ضم حزب الأمة مع الحركات المسلحة في دارفور النيل الأزرق وجنوب كردفان، فضلاً عن الجبهة الثورية التي تضم عديداً من الحركات المسلحة.