وقع الانفجار. وتماماً في الوقت الذي تجرأ فيه الغرب على الأمل بأنه تمكن من السيطرة على "كوفيد- 19"، ظهرت متحورة "أوميكرون" الجديدة. وبالنسبة إلى عالم المال، شكل ذلك ضربة مدمرة. وتراجع مؤشر "داو جونز" للأسهم 905 نقاط، الجمعة الماضي، في أسوأ تراجع له منذ أكثر من سنة. وتعرضت أسواق الأسهم الأخرى حول العالم إلى أضرار فادحة أيضاً. فقد هبط مؤشر "أف تي أس إي 100" بواقع 266 نقطة أو 3.6 في المئة. لقد كانت جمعة سوداء بالفعل للأسواق، مثلما كانت للبائعين بالتجزئة ولو في شكل مختلف تماماً.
والآن؟ في الأجل القريب، المهم هو أداء "وول ستريت" هذا الأسبوع. إذ سيراقب الجميع افتتاح بورصة نيويورك مطلع الأسبوع لأن الأسهم الأميركية تساوي أكثر من نصف قيمة الأسهم حول العالم. وسيأخذ سائر العالم زمام المبادرة وفق مستجدات هذه البورصة. إنّ الصغير لا يتحكم بالكبير.
وفي الأجل البعيد، سيحصل شد حبال. فمن ناحية، ستحافظ المصارف المركزية على التدفق النقدي. ومجدداً، يتمثّل الأمر المهم في ما يفعله "مجلس الاحتياطي الفيدرالي". ومن الناحية الأخرى، سيستمر تعطل النشاط الاقتصادي بطرق غير قابلة للتوقع. وإلى الآن، اقتصرت الضربات الرئيسة على قطاعي السفر والضيافة. وسيتواصل الوهن في القطاعين. في المقابل، سيحصل ضرر ثانوي آخر، لكنه ليس واضحاً بعد.
بداية، أنظروا إلى ما يطرأ على معدل التضخم الأميركي الصيف المقبل. إن الشي الوحيد الذي سيجبر "مجلس الاحتياطي الفيدرالي" على وقف التدفق المالي سيكون دليلاً قوياً على أن القفزة الحالية في الأسعار الأميركية لا تحدث لمرة واحدة سببها تعطل سلاسل الإمداد، بل إنها أصبحت متضمنة في الاقتصاد. وقد بلغت أحدث زيادة سنوية في الأسعار الخاصة بالمستهلكين في الولايات المتحدة، حوالي 6.2 في المئة، ما يمثل واحداً من أعلى الأرقام التي عرفها العالم. وإذا بقي معدل التضخم في الولايات المتحدة قريباً من هذا المستوى الصيف المقبل، سيتعرض "مجلس الاحتياطي الفيدرالي" إلى ضغط كبير بهدف تشديد سياسته النقدية. ولن يتمثّل التشديد في رفع منضبط وتدريجي لمعدل الفوائد الذي لا تزال تتوقعه الأسواق. بالأحرى، سيكون الرفع أكثر حدّة. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى تداعيات كبرى على الأسواق، بمعنى أن يكون شيئاً يحدث على نطاق مختلف تماماً عن الضربة التي حصلت الجمعة الماضي.
ثانياً، أنظروا إلى البطالة الأميركية. يتلخص الشق الثاني من المهمات المزدوجة التي يتولاها "مجلس الاحتياطي الفيدرالي" في محاولة ضمان التشغيل الكامل للعمالة، إلى جانب التحكم بالتضخم. وثمة نقاش محموم حول ماهية التشغيل الكامل للعمالة في ضوء قرار عمّال أميركيين كُثُر مغادرة القوة العاملة في ما يُسمَّى موجة "الاستقالة الكبرى". وهناك أيضاً، على غرار أمكنة أخرى، سوء تناغم بين الوظائف الشاغرة وبين العاطلين من العمل الذين لا يستطيعون تولي الوظائف المعروضة. لكن، في مرحلة ما، سيتضح أن الولايات المتحدة هي في الواقع في حال من التشغيل الكامل للعمالة، ما سيعطي "مجلس الاحتياطي الفيدرالي" حرية تشديد السياسة النقدية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ننتقل الآن إلى الجانب الآخر من شد الحبال.
يبرز سؤال كبير حول مقدار الضرر الذي سيواصل التعطل التسبب فيه. ويتلخص الافتراض العملي ضمن مجتمع الأعمال العالمي (بمقدار ما يتوافر افتراض واحد على الإطلاق) في أن الأمور ستعود إلى طبيعتها تقريباً السنة المقبلة. وتشعر شركة الطيران التجاري "ريان إير" بالتفاؤل. وستطلق 250 خطاً جديداً هذا الشتاء، وتتوقع أن تنقل 225 مليون راكب في 2026.
وتبدي شركات أخرى حذراً أكبر، لكن الأمر الأبرز أن معظمها يعتقد بأن الوضع الطبيعي الجديد لن يختلف كثيراً عن الوضع الطبيعي القديم. ولو صح الأمر وواصل الاقتصاد العالمي تعافيه، سيكون النصف الأول من العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين مملوءاً بالفرص للشركات العالمية الناجحة. وقد يبرر ذلك ظهور التقييمات المرتفعة جداً للشركات الأميركية حالياً.
في المقابل، إذا ثبت خطأ هذا الافتراض، واستمر التشوش لثلاث أو أربع سنوات، ستكون الأمور مختلفة تماماً. صحيح أن الدورة الاقتصادية العالمية موجودة، وإنها بعدما عانت ركوداً استثنائياً، ستشهد فترة طويلة من التوسع. وقد تستمر فترة النمو هذه، من يعرف؟، ست أو سبع أو ثماني سنوات أخرى. لكن السنوات الثلاث التالية من هذا التوسع قد تكون صعبة. إذ قد تحصل بطريقة ثلاث خطوات إلى الأمام وخطوتين إلى الخلف.
لننتظر ما سيحصل هذا الأسبوع. لقد بدت أسواق الأسهم الأميركية موشكة على المرور بمرحلة تصحيح وانخفاض في أسعارها، بعدما سجلت مستويات قياسية مرتفعة في وقت سابق من الشهر الجاري. وقد يتبين أن هذه النكسة تستحق بالضرورة النظر فيها. في المقابل، إن هذا الشتاء سيكون وعراً.
© The Independent