تشهد مدينة الصدر الواقعة شرق بغداد، وهي أكبر تجمع سكاني في العاصمة العراقية ذات الغالبية الشيعية، للمرة الأولى منذ عام 2003، حملة لرفع التجاوزات التي أغلقت طرقها الرئيسة وأرصفتها وشوّهتها عمرانياً وحوّلتها إلى مدينة من القرون الوسطى، تسودها الفوضى المرورية وتنتشر النفايات في غالبية مناطقها.
ويبلغ عدد سكان المدينة، التي تُعدّ الضاحية الشرقية للعاصمة، بحسب إحصاءات لوازرة التخطيط العراقية نحو ثلاثة ملايين شخص، يشكلون أكثر من 40 في المئة من سكان بغداد.
فوضى عارمة
ومنذ عام 2003، شهدت المنطقة انتشاراً لفوضى البناء وتجاوزات واسعة من قبل مواطنين وهيئات مرتبطة بجهات سياسية أدت إلى تخريب التصميم الأساس للمدينة والإضرار بالخدمات المقدمة إذ بُنيت أسواق وأحياء عشوائية كاملة، فضلاً عن اختفاء الأرصفة التي تم التعدي عليها من قبل عدد كبير من مالكي المنازل وأصحاب المشاريع الصغيرة مثل المطاعم والمقاهي، إلى جانب انتشار الخيول داخل الأحياء وأسواق بيع الماشية في غالبية مناطقها.
وظهر خلال الأعوام الـ18 الأخيرة، 1000 مجمع عشوائي داخل العاصمة، يقع الجزء الأكبر منها في المدينة والمناطق المحيطة بها من الجهة الشرقية، إضافة إلى التجاوزات على الأرصفة والشوارع الرئيسة.
حملة كبيرة أطلقها الكاظمي
وتشهد المدينة منذ شهر أغسطس (آب) الماضي، حملة بلدية ضخمة لرفع التجاوزات، مدعومة من الحكومة والتيار الصدري الذي يمتلك نفوذاً واسعاً هناك. وأظهرت مئات من مقاطع الفيديو عملية رفع هذه التجاوزات بواسطة آليات، في حين رفضت البلدية تهديدات المتجاوزين، التي وصل بعضها إلى حد إطلاق النار على عمال البلدية خلال الحملة.
وجاءت حملة إزالة التجاوزات في عموم العراق بعد مقتل مديرة بلدية كربلاء عبير الخفاجي في العاشر من أغسطس الماضي، من قبل أحد المتجاوزين خلال حملة لرفع التجاوز على الأراضي الحكومية في كربلاء (جنوب العراق)، الأمر الذي دعا رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي إلى إطلاق حملة مماثلة في عموم البلاد، بهدف إزالة كل التجاوزات.
25 ألف تجاوز
وقال مدير بلدية الصدر الأولى عادل الساعدي إن "البلدية نجحت في إزالة 25 ألف تجاوز خلال مدة بسيطة"، مشيراً إلى "تعاون من قبل المواطنين في العملية". وأضاف أن "كل أزقة مدينة الصدر وشوارعها فيها تجاوزات، إلا أنه بعد الحملة بدى أن هناك تعاوناً من قبل المواطنين وبعضهم رفع التجاوز بنفسه"، مؤكداً أن "البلدية استخدمت القوة بالتنسيق مع الأهالي وسرايا السلام لرفع التجاوزات التي رفض أصحابها القيام بذلك". وسرايا السلام هي الجناح العسكري للتيار الصدري ولها مقار عدة في مدينة الصدر وبقية مناطق العاصمة.
وأكد الساعدي أن العمل مستمر على رفع التجاوزات من كل شوارع مدينة الصدر سواء الرئيسة منها أو الأزقة الداخلية، مضيفاً أنه "ستكون هناك نقلة نوعية في خدمة المدينة".
لا تستهدف المنازل
ولفت مدير بلدية الصدر الأولى إلى أن "الحملة لن تطال الدور السكنية المتجاوزة في مدينة الصدر وذلك بحسب توجيهات رئيس الوزراء بعدم إزالتها إلى حين توافر بدائل".
وكان الكاظمي طلب من الجهات المنفذة لحملة إزالة التجاوزات، وقف هدم تجاوزات الفقراء إلى حين إيجاد البديل المناسب لهم. وأكد في 25 أغسطس الماضي أن "حملة إزالة التجاوزات ستستمر، لأن هذه الأخيرة تشكّل تعدّياً على الحق العام، وهناك عدد كبير من الأشخاص المنتفعين ممن أثّروا من خلال التجاوز في أملاك الدولة، فضلاً عما تسببه تلك التجاوزات من حالات تشويه للأحياء والشوارع".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار الساعدي إلى "إلقاء القبض على بعض المتجاوزين الذين رفضوا إزالة مخالفاتهم".
تجاوزات السكان
وقال هادي حسن، وهو أحد سكان مدينة الصدر، إن "هناك تجاوباً كبيراً مع الحملة التي تقوم بها بلدية الصدر وعلى أثرها تم هدم عدد من الأسواق المتجاوزة في المدينة وكذلك المنازل المخالفة". وأضاف أن هناك حملة إعمار لم تشهدها المدينة منذ أعوام، فهناك فرش للحجر المقرنص وتعبيد بعض الطرق بعد أن أزيلت التجاوزات عنها".
ولم يكُن هادي حسن وحده مؤيداً للحملة، إذ إن كثيرين من أهالي مدينة الصدر، يرون أن الحملة أعادت وجه المدينة الجميل، ويتمنون أن تستمر. ويبدو أن إزالة التجاوزات التي لم تستثنِ أحداً، وهو أحد أهم أسباب نجاحها بحسب مواطنين قالوا إن حملات كثيرة نُفّذت سابقاً، إلا أنها استثنت أناساً متنفذين وطُبّقت على آخرين، ما أدى إلى فشلها.
وأظهرت مقاطع فيديو وصور، شارع الفلاح في مدينة الصدر، وهو أول شارع رئيس يتم تأهيله في المنطقة منذ 18 عاماً، بعد رفع التجاوزات وتخطيطه ليكون الشارع النموذجي الأول في المنطقة، والذي افتتحه الكاظمي شخصياً بعد ساعات من محاولة اغتياله نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
حملة واعدة
وقال الصحافي العراقي باسم الشرع إن "حملة رفع التجاوزات في مدينة الصدر هي الأولى من نوعها التي تتم منذ سقوط نظام صدام حسين بعد أن تحوّلت الحياة فيها إلى فوضى عارمة". وأضاف أن "الدعم الكبير من قبل رئيس الحكومة والتيار الصدري الذي يمتلك نفوذاً كبيراً في المدينة هو الأساس في نجاح الحملة، لأن غالبية المتجاوزين يشيرون بانتمائهم إلى التيار أو فصائل شيعية أخرى"، مبيّناً أن "المشرفين على الحملة لم يرضخوا للتهديدات وكانت نتائج الحملة مؤثرة في إعادة الأمل لسكان المدينة بأن هناك أملاً في الحياة داخلها بعدما فقدوه منذ عام 2003".
وأوضح الشرع أن "الحملة انطلقت مع وجود مشروع حكومي كبير لتطوير واقع الحياة في مدينة الصدر يتضمن إنشاء مدينة جديدة وتأهيل الخدمات والطرق بشكل يغيّر من واقعها"، لافتاً إلى أن "استمرار الحملة مرهون بجدية الحكومة والتيار الصدري في المضي بها حتى النهاية وعدم التراجع تحت حجج مختلفة".
وأعلنت الحكومة العراقية في أغسطس الماضي، خطة جديدة تكلّف نحو خمسة مليارات دولار لبناء مدينة جديدة في مدينة الصدر تتضمن إنشاء 90 ألف منزل مع خدمات متكاملة خلال ثمانية أعوام، يتم تنفيدها من قبل شركة صينية ضمن اتفاقية الإطار بين البلدين.