تتلاشى شعبية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المعاد انتخابه دونما انقطاع منذ عام 2002، بسبب سياسته الاقتصادية التي كانت في السابق ضمانة لنجاحه، وهو ما تحاول المعارضة التركية الاستفادة منه قبل 18 شهراً من الانتخابات الرئاسية.
وهوى سعر صرف الليرة التركية مجدداً، الثلاثاء 30 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لتقترب من 13.5 ليرة للدولار، بعد ما شهد تحسناً طفيفاً الأسبوع الماضي لفترة وجيزة.
ويوم الأربعاء الماضي، تحسن سعر صرف الليرة التركية بأكثر من 6 في المئة لترتفع دون مستوى 13 ليرة مقابل الدولار بقليل. لكن سعر صرف العملة التركية عاد إلى الهبوط مجدداً بنهاية الأسبوع الماضي، وواصل هبوطه هذا الأسبوع.
ولم تفلح أرقام النمو الاقتصادي الجيدة التي صدرت في تركيا هذا الأسبوع، في دعم وضع الليرة التي فقدت أكثر من 40 في المئة من قيمتها منذ بداية هذا العام. فقد أظهرت البيانات الرسمية التركية أن الناتج المحلي الإجمالي حقق نمواً بنسبة 7.4 في المئة في الربع الثالث من العام، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وهكذا يتوقع أن ينمو الاقتصاد التركي، البالغ حجمه 795 مليار دولار، هذا العام في المتوسط بنسبة نحو 9 في المئة مقارنة بالعام الماضي.
وعلى الرغم من أن معدل النمو الاقتصادي هذا سيعد من بين الأسرع عالمياً، فإنه يقل بنحو نقطة مئوية عن توقعات تركيا الرسمية لنمو اقتصادها بنسبة 10 في المئة هذا العام. وبحسب ما نشرت "فايننشال تايمز" البريطانية، فإن أغلب الاقتصاديين والمعلقين يعتبرون معدل النمو هذا غير مستدام بسبب السياسات النقدية التركية التي تدفع الليرة نحو الهبوط بما يأكل من قيمة النمو.
ويرجع النمو أساساً إلى زيادة الإنفاق الحكومي وارتفاع الصادرات، التي حققت نمواً بنحو 25 في المئة هذا العام مقارنة بالعام الماضي. لكن لجوء البنك المركزي التركي إلى خفض سعر الفائدة بمعل 4 نقاط مئوية منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، على الرغم من ارتفاع معدلات التضخم، يجعل العملة في مسار انحداري ويزيد من أعباء ارتفاع الأسعار على الأتراك. كما يخلق مشكلة لتركيا في مواجهة مستحقات دين خارجي قصير الأجل بقيمة 167 مليار دولار.
سياسات اقتصادية
ولا يرجع سبب هبوط سعر صرف العملة التركية إلى "مؤامرة كبرى" ضد الاقتصاد التركي، كما وصفها أردوغان الشهر الماضي، إنما بالأساس للسياسة النقدية التي تتعارض مع كل القواعد والمفاهيم الاقتصادية. فالرئيس يضغط على البنك المركزي لتخفيض سعر الفائدة في الوقت الذي يتجاوز فيه معدل التضخم 20 في المئة.
ويرى أردوغان، عكس كل الاقتصاديين في العالم، بمن فيهم الاقتصاديون الأتراك، أن خفض سعر الفائدة سيخفض التضخم في زيادة معدلات النمو وتحسين تنافسية الصادرات التركية والجاذبية السياحية. وصحيح أن تراجع عملة أي بلد تزيد من تنافسية صادراته وتزيد أعداد السياح إليه لأنهم يجدونه أرخص من غيره. لكن الزيادة في الصادرات التركية هذا العام، مقارنة بالعام الماضي، بنحو الربع، تعود إلى الإغلاق الاقتصادي العالمي في عام الوباء 2020. وبالتالي يعتبرها محللون كثر زيادة انتقالية مرتبطة بانهيار الطلب العالمي خلال العام الماضي، وقفزته هذا العام مع التعافي الاقتصادي، لكنها ليست مستدامة.
وعلى الرغم من تلك الزيادة في الصادرات، يظل الحساب الجاري للحكومة التركية سلبياً ولم يتحسن كثيراً. ويقول معلق اقتصادي غربي، إن الاقتصاد التركي ككل الآن في "وضع شراء" بسبب مشاكله. وأمام الرئيس أردوغان عام ونصف العام في السلطة، تجرى بعدها الانتخابات العامة في عام 2023، ولا يعرف إن كان حزبه، العدالة والتنمية، سيفوز بها أم لا. وفي حال تغيير السياسات النقدية والاقتصادية سيستفيد من استثمر في اقتصاد متراجع حين يعاود الصعود.
خطة محفوفة بالمخاطر
وأعلن أردوغان، الأربعاء، أن تركيا تسلك طريقاً "محفوفاً بالمخاطر، لكنه صائب" حيال الاقتصاد، يقوم على خفض معدلات الفائدة بالرغم من التدهور الحاد في سعر صرف العملة الوطنية.
وقال أمام نواب حزبه الحاكم في البرلمان في أنقرة، طبقا لما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية "ما نفعله هو الصواب. لقد وضعنا ونضع خطة محفوفة بالمخاطر السياسية، لكنها صائبة".
وقال زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال قلجدار أوغلو، الأسبوع الماضي، إن "أردوغان ومؤيديه لديهم هدف واحد فقط: إفقار تركيا. كلّما خسرت الليرة من قيمتها، كان أردوغان سعيداً، لأن الذين لديهم حسابات بالدولار في المصارف فازوا بالجائزة الكبرى"، متّهماً الرئيس التركي بخدمة مصالح الطبقة الأكثر ثراءً.
انهارت الليرة التركية بأكثر من 40 في المئة مقابل الدولار منذ يناير (كانون الثاني)، نتيجة سياسة مالية صمّمها أردوغان ووصفها مراقبون بأنها "غير عقلانية".
ويسهم تراجع قيمة العملة بزيادة تكلفة الاستيراد، الذي تعتمد عليه تركيا بشدّة. فيما ارتفع التضخم السنوي 20 في المئة، ما يفاقم تكلفة العيش لعدد كبير من العائلات. ويتوقّع اقصاديون ازدياداً في التضخم خلال الأشهر المقبلة.
انتخابات مبكرة
ودعا قلجدار أوغلو وميرال أكشينار في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) إلى انتخابات مبكرة، وهو احتمال رفضه الرئيس أردوغان. وقال قلجدار أوغلو "يجب علينا إخراج مواطنينا من النار".
وردّاً على ذلك، حذّر أردوغان المقترعين من الانجذاب للمعارضة (242 نائباً معارضاً من أصل 600 نائب في البرلمان)، مذكّراً بأن تركيا كانت تخرج من أزمة مالية صعبة عند وصول حزبه إلى السلطة عام 2002.
في ذروة الركود، "كانت أسعار الفائدة 7.500 في المئة"، بحسب أردوغان الذي أطلق على سنواته العشر الأولى في السلطة أحياناً تسمية "العشر المجيدة"، لأنها تميّزت بارتفاع كبير في حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وتطوير البنى التحتية في أنحاء البلاد.
وفي ما عدا حدوث أي تحول، سيكون الاقتصاد موضوعاً أساسياً في الانتخابات الرئاسية المقبلة المفترض حصولها في يونيو (حزيران) 2023، بحسب المحللين.
انقسام داخل "العدالة والتنمية"
وقالت مديرة مركز "أستن بول" سيرين سلفين قرقماز لوكالة الصحافة الفرنسية، "عندما ننظر إلى التاريخ السياسي التركي، فإن الاقتصاد عامل مؤثر دائماً"، معتبرة أن أردوغان والحزب الذي يترأسه أي حزب العدالة والتنمية "يتراجعان" من ناحية جذب المقترعين بسبب الأزمة الحالية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضافت "أحزاب المعارضة وحزب الشعب الجمهوري تحديداً لديها أفضلية رئاسة بلديات كبيرة (منها إسطنبول وأنقرة). من خلال هذه البلديات، تظهر المعارضة قدرتها على إدارة البلد، وهي ساحة لجذب المقترعين من عامة الشعب"، مشيرة إلى أهمية توحيد المعارضة لكي تتمكّن من الفوز.
ولطالما عادت الخلافات داخل المعارضة بالنفع على حزب الرئاسة.
إلّا أن "علامات الانقسام داخل حزب العدالة والتنمية تتزايد. ووجوه القطاع الخاص تعارض بشكل علني أكثر سياسة الرئيس أردوغان"، بحسب المحللة في مركز الأبحاث "ذي إكونومست إنتليجينس يونيت" أدلين فان هوت.
وتشير فان هوت إلى أن "أحزاباً عدة تنافس حالياً أردوغان على أصوات الناخبين في صفوف المقترعين المحافظين ومن اليمين الوسط"، منها حزب الخير (أيي) الذي أُسّس عام 2017، ويشغل 36 مقعداً في البرلمان.
وتوقّعت استطلاعات رأي عدة هزيمة أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة، مبرزةً رئيسَي بلديتي إسطنبول وأنقرة المنتميين إلى حزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو ومنصور يافاس كمرشحين لهما حظوظ في الجولة الثانية.
المعارضة عاجزة
وأظهرت دراسة أجراها معهد "متروبول" للإحصاءات في أكتوبر (تشرين الأول) أن 55 في المئة من الناخبين يعتبرون أن المعارضة عاجزة عن حل الأزمة الاقتصادية، مقابل 64 في المئة يعتقدون أن الحكومة الحالية عاجزة عن ذلك.
وقالت المحاضرة في العلوم السياسية في جامعة "أسيك إسطنبول" سدا دميرالب لوكالة الصحافة الفرنسية، "خسر حزب العدالة والتنمية 40 في المئة من مؤيديه منذ انتخابات عام 2018، وتظهر الدراسات أن معظمهم يعانون اقتصادياً. لكن هؤلاء المقترعين لن يصوّتوا تلقائياً لأحزاب أخرى".
وبحسب قولها، نحو 10 في المئة من الناخبين محتارون وعلى المعارضة أن تبذل جهوداً كبيرة لإقناعهم بجدّية سياستها الاقتصادية.
إضافة إلى ذلك، فإن عدداً من الناخبين المحافظين الذين لطالما احتسبهم حزب العدالة والتنمية في صفّه، يشعرون "بالنفور من المعارضة، خصوصاً حزب الشعب الجمهوري العلماني".
وترى أن "على المعارضة أن تحرص على أنها لا تشكّل تهديداً لأسلوب حياة الناخبين المحافظين" للفوز في صناديق الاقتراع، بعيداً من الاقتصاد واستراتيجية التحالفات.