حذر قادة عسكريون أكراد من مخاطر اتساع رقعة هجمات تنظيم "داعش" نتيجة استمرار الفراغ الأمني بين قوات البيشمركة والقوات الاتحادية في ظل "غياب التنسيق المشترك"، في وقت يسود القلق من تزايد عمليات تسلل عناصر التنظيم من سوريا نحو الأراضي العراقية. وقُتل أخيراً في غضون 72 ساعة فقط، ثمانية من البيشمركة وأُصيب ستة آخرون في ثلاث هجمات مختلفة استهدفت نقاطاً لقواتها في أطراف إدارة منطقة "كفري" ذات الغالبية الكردية والواقعة شمال شرقي محافظة ديالى، ضمن مناطق موضع نزاع بين حكومتَي أربيل وبغداد، ما دعا السلطات الكردية إلى إعلان حالة التأهب وشن حملة تمشيط وملاحقة لعناصر التنظيم المتشدد. ودخلت القوات الاتحادية العراقية و"الحشد الشعبي" بالتنسيق مع البيشمركة منذ، الأربعاء، الأول من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حالة استنفار، مع نشر قطعات في محيط قضاء خانقين، بمحافظة ديالى ومنطقة "كلار" الكردية، إثر مخاوف من هجمات جديدة محتملة قد يشنها التنظيم.
ثغرات أمنية
ودعا مجلس وزراء الإقليم في اجتماع، حكومة بغداد إلى "تعزيز التنسيق العسكري والأمني مع القوات الاتحادية والتحالف الدولي". وقدّم وزير البيشمركة شورش إسماعيل، تقريراً حول نتائج تفقده لمنطقة "كرميان"، أكد فيه "وجود ثغرات أمنية"، وطرح ورقة مقترحات لتحصين مواقع البيشمركة وحل الإشكالات التي تواجهها تلك القوات.
وخلّف انسحاب قوات البيشمركة من كركوك في 16 أكتوبر (تشرين الأول) 2017، عقب اجتياح القوات الاتحادية لمناطق موضع خلاف بين أربيل وبغداد، رداً على إجراء الأكراد استفتاء للانفصال، فراغاً أمنياً وسّع المساحات المفتوحة على الخط الفاصل بين الجيش والبيشمركة، ما منح مسلحي "داعش" حرية الحركة في الفراغ الممتد من قضاء خانقين شمال شرقي محافظة ديالى المحاذية للحدود الإيرانية، إلى أطراف منطقة "سحيلا" الحدودية مع سوريا، وأصبحت ملاذاً لنحو 2000 إلى ثلاثة آلاف عنصر "يتلقّون دعماً من مصادر عدة ومنها خارجية"، وفق قادة عسكريين أكراد.
هجمات مباغتة
ووفقاً لقائمقام قضاء "كفري"، شمال نامق، فإن "ستة من عناصر "داعش" هاجموا ليل الإثنين، 29 نوفمبر (تشرين الثاني)، خمسة مواقع للبيشمركة مستخدمين دراجات نارية، ما أدى إلى مقتل عنصرين وإصابة آخرين، قبل أن ترد قواتنا على الهجوم"، مشيراً إلى "عملية أخرى تم صدها في وقت سابق".
ويأتي ذلك بعد يومين من اعتداء مماثل شنّته عناصر من "داعش" في منقطة "كولجو" بأطراف منطقة "كرميان"، وعقب وصول تعزيزات من البيشمركة، انفجرت عبوة ناسفة في إحدى العربات، ما أسفر عن مقتل ستة من القوات وإصابة أربعة آخرين في الهجوم الذي استخدم خلاله عناصر التنظيم سلاح القناصة.
وحذر نامق من أن "المنطقة مترامية الأطراف، ما يستدعي تعزيز التنسيق مع الجيش الاتحادي لتطهيرها، فضلاً عن مساعدة من التحالف الدولي لاستخدام تكنولوجيا متطورة وسلاح الجو، نظراً إلى صعوبة تضاريسها".
إلى ذلك، شنت البيشمركة عملية تمشيط من ثلاثة محاور استهدفت المناطق والقرى المحيطة بمحور "كرمسير" و"كولجو" عقب الإعلان عن حالة تأهب.
غياب التنسيق
وعزا وزير البيشمركة شورش إسماعيل التصعيد إلى "ضعف التنسيق بيننا والجيش الاتحادي الذي منح فرصة ذهبية لإرهابيي "داعش"، إذا ما أخذنا جنوب كفري، فإن هناك مسافة 35 كيلومتراً طولاً، وبعرض ثمانية كيلومترات من الفراغ الأمني، وهذا سبب رئيس للهجمات الأخيرة للتنظيم، لا بل إنه يقوم بعمليات تدريب في هذا الفراغ وبناء سجون وخطف مواطنين".
وانتقد إسماعيل أداء الجيش الاتحادي قائلاً إن "بطئه الشديد في اتخاذ الإجراءات منح داعش فرصة لإعادة تنظيم نفسه، والجيش غير قادر على الدخول إلى هذا الفراغ، والبيشمركة لوحدها غير قادرة على اقتلاع التنظيم، فهي لا تمتلك رصداً جوياً لمراقبة تحركاته. لا الدولة الاتحادية تمنحنا طائرات الدرون التي نطالب بها منذ مدة طويلة، ولا الولايات المتحدة بسبب رفض الحكومة الاتحادية".
ودعا في اجتماع مع قادة البيشمركة إلى "التعامل بحذر وفق خطط وأساليب حربية حديثة، مع أهمية استعداد القوات وحماية المواقع بعدما عاد داعش إلى الظهور عبر خلاياه النائمة، وسيتم تنفيذ مطالب الألوية ومعالجة النواقص"، متوعّداً "بأخذ الثأر لدماء لشهداء".
عمليات تسلل
في السياق، كشف القائد في البيشمركة مردان جاوشين عن "معلومات استخبارية تفيد بتسلل نحو 200 عنصر من داعش ضمن قوة أُطلق عليها اسم حراس الدين، من سوريا إلى داخل الأراضي العراقية"، محذراً من أن "هذه القوة تشكل خطراً كبيراً على المنطقة، بعدما تمكّنت من الانتشار في محافظات كركوك وصلاح الدين وديالى"، متوقعاً أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من الهجمات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فراغ أمني
ونوّه جاوشين في مقابلة مع محطة "روداو" المقربة من رئاسة الإقليم، إلى "وجود فراغ أمني واسع في مناطق سلسلة جبال حمرين وقرب مناطق بلكانة ونوجول"، ويرجح أن "داعش شيّد قواعد وساحات تدريب هناك، وتمكّن من إعادة تنظيم صفوفه"، في وقت لم يستبعد أن يكون تلقى "دعماً خارجياً على المستويين المالي واللوجستي، وهناك معلومات أنه يدفع رواتب لعناصره، ولأسر قتلاه أيضاً".
وتزامنت تصريحات جاوشين مع إعلان "خلية الإعلام الأمني العراقية" القبض على "13 متسللاً يحملون الجنسية العراقية كانوا غادروا البلاد في الأعوام الماضية، أثناء محاولتهم دخول العراق آتين سوريا عبر قرية الأبطخ التابعة لبلدة ربيعة والمحاذية للشريط الحدودي غرب نينوى".
وبحسب وزارة البيشمركة، فإن غالبية هجمات التنظيم "تأتي من مناطق يسيطر عليها الجيش الاتحادي، الذي لا يحمي غير مواقعه"، وتعزو التأخير في تنفيذ بنود التفاهمات المبرمة بشأن التنسيق بين الطرفين لتشكيل ألوية مشتركة كان مقرراً إعلانها في شهر يوليو (تموز) الماضي، إلى "تأخير صدور قرار من بغداد وعدم تأمين المرتبات والدعم اللوجستي". وأكدت "نقل لواء من البيشمركة إلى ملاك وزارة الدفاع العراقية، على أن يُدمَج ضمن لواء في الجيش الاتحادي في ديسمبر لتلقّي التدريب، قبل نشر عناصره لاحقاً في مناطق المهمات، على أن يلحق به لواء ثانٍ في وقت آخر".
وفي مؤشر إلى اتساع تحركات التنظيم، أطلقت قوات "الحشد الشعبي" الشيعية حملة تمشيط بحثاً عن فلول "داعش" في جبال مكحول الواقعة بين محافظتي صلاح الدين وكركوك، معلنة في الوقت ذاته عن إحباط تسلّل لعناصره شرق تكريت.
اختراق الأوامر
وقال قائد محور "كرمسير" في قوات البيشمركة محمود سنكاوي إن "خسائر الهجوم الأول ناتجة من إهمالنا"، وصرح للصحافين أثناء تفقده الموقع الذي تعرّض للهجوم، "إذا كانت مواقعنا قوية لا يستطيع داعش أن يشن مثل هذه الهجمات، ومنذ نحو شهر، حذرت قوات البيشمركة من هذا الهجوم. ما حصل هو أن حماسة أفراد القوة التي جاءت للمساعدة اخترقت أوامر سابقة أكدت عدم خروج أو استخدام العربات"، ونفى سنكاوي وجود فراغ أمني، قائلاً، "قوات الإقليم والجيش الاتحادي موجودة هنا، لكن بما أن التنظيم لا يستطيع زجّ عناصر ومخبرين في صفوف قوات البيشمركة، فإنه يحتمي ليلاً في مناطق قرب الجيش الاتحادي، ليشنّ الهجمات".
وأعلنت القنصلية الأميركية في أربيل في بيان إدانة الهجمات، واستمرار الولايات المتحدة في "دعم قوات البيشمركة والقوات العراقية، والجهود المبذولة لضمان هزيمة تنظيم داعش بشكل نهائي"، إلا أن واشنطن التي تقود تحالفاً دولياً ضد التنظيم، وتدعم من خلاله القوات الكردية بشكل محدود على الصعيدين المادي واللوجستي، تواجه عقبات في دمج قوات الحزبين الحاكمَين في الإقليم "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني، و"الاتحاد الوطني" الذي أسسه رئيس الجمهورية الأسبق جلال طالباني.
رسالة خطيرة
واعتبر نيجيرفان بارزاني التصعيد الأمني بأنه "رسالة جدية وخطيرة، وتشكّل تهديداً حقيقياً على المنطقة"، وأكد أن "التعاون بين البيشمركة والقوات الاتحادية يُعدّ حاجة ماسة وضرورة ملحة"، في وقت ذكّر رئيس الحكومة مسرور بارزاني بأنه "حذر مراراً من إعادة إرهابيي داعش لتنظيم صفوفهم، خصوصاً في المناطق الكردية خارج إدارة الإقليم، مستغلين الثغرات الأمنية فيها، وأصبحوا يشكلون تهديداً جدياً على أمن المنطقة وسكانها".
وكان مسؤول محور منطقة "التون كوبري" الواقعة بين محافظتي أربيل وكركوك، نوري حمه علي، اتهم عقب هجوم على البيشمركة في وقت سابق، القوات الاتحادية "بالتسويف والمماطلة في التعاون مع القوات الكردية لملء الفراغات الأمنية ولم تلتزم التفاهمات المبرمة، إذ لا يوجد بالأساس تنسيق في هذه المناطق".
وفي منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، بث "مجلس أمن الإقليم" اعترافات لما وصفها بـ "خلية لداعش" تتألف من سبعة عناصر من سكان محافظتي الأنبار وديالى، قال إنها كانت تخطط لتنفيذ عمليات "إرهابية" في أربيل، بموازاة هجمات غير مسبوقة شنها التنظيم في مناطق بمحافظتَي كركوك وديالى.