عاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى سياسة الإقالات، في إطار حربه على السوق السوداء للصرف ومواجهة ما سماه بـ"المؤامرة الخارجية" التي تتعرض لها البلاد وتسببت في انهيار الليرة التركية.
وفي وقت مبكر من اليوم الخميس، عين الرئيس التركي، نور الدين النبطي، وزيراً للخزانة والمالية بعد أن قبل استقالة لطفي إلفان، آخر مسؤول كبير كان يُعد ملتزماً بتشديد السياسة النقدية في حكومة تعاني انهيار العملة.
يأتي التعيين، الذي أعلنته الجريدة الرسمية، في أعقاب تهاوي الليرة وهبوطها بأكثر من 27 في المئة خلال الشهر الماضي فقط.
وتراجعت العملة التركية إلى مستويات تاريخية بسبب منحى السياسة الاقتصادية، معززة خسائرها إلى ما يقرب من 50 في المئة منذ بداية العام الحالي، لتتصدر أسوأ عملات الأسواق الناشئة.
في المقابل، تزامنت الخسائر الأخيرة للعملة التركية مع تصريحات متكررة للرئيس أردوغان بخفض سعر الفائدة، إذ خفض البنك المركزي الفائدة بمقدار أربعة في المئة، لتصبح عند مستوى 15 في المئة بعد أن كانت 19 في المئة في بداية سبتمبر (أيلول) الماضي.
كيف يبرر "أردوغان" سلسلة الانهيارات؟
لكن أردوغان الذي يحاول ابتكار نظريات اقتصادية جديدة، برر موجة الانهيارات التي تتعرض لها العملة التركية بأنها ترجع إلى "مؤامرات خارجية" وليس لها علاقة بالأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
وقال إن "تركيا تسلك طريقاً محفوفاً بالمخاطر لكنه صائب حيال الاقتصاد، ويقوم على خفض معدلات الفائدة على الرغم من تدهور العملة الوطنية بشكل حاد". وأضاف أمام نواب حزبه الحاكم في البرلمان "ما نفعله هو الصواب... لقد وضعنا ونضع خطة محفوفة بالمخاطر سياسياً لكنها صائبة".
ولا يتفق الرئيس التركي مع التدابير الاقتصادية التقليدية، معتبراً أن معدلات الفائدة المرتفعة تتسبب في زيادة التضخم، وتعهد مجدداً الحفاظ على معدل فائدة أساسية منخفض، معتبراً ذلك أنه يدعم الإنتاج والصادرات. وقال "العالم يعرف مدى عدم ارتياحي لمعدلات الفائدة المرتفعة... لم أكن أبداً من المؤيدين للفوائد، لا اليوم ولا غداً".
وأوضح "تخلينا عن السياسات النقدية القائمة على معدلات فائدة مرتفعة، وتحولنا إلى استراتيجية نمو تقوم على الاستثمارات، والتوظيف، والإنتاج والصادرات... لن يعود بلدنا إلى نظام الاستغلال... القائم على معدلات فائدة مرتفعة".
وقلّل أردوغان، على ما يبدو من المخاوف إزاء أسعار الصرف "ما تقولونه عن ارتفاع سعر الصرف اليوم سينخفض غداً... يرتفع التضخم اليوم وينخفض غداً". وأكد أن الحكومة "تتفهم المخاوف الصادقة" إزاء الغموض الناجم عن ارتفاع الأسعار وتقلبات العملة، وبأنها "تراقب من كثب" الوضع.
متى بدأت خسائر العملة التركية؟
تشير البيانات التي أعدتها "اندبندنت عربية" إلى أن موجة انهيار الليرة التركية بدأت عام 2018، إذ قفز سعر صرف الدولار الأميركي من 4.72 ليرة في بداية أغسطس (آب) 2018 إلى نحو 7.24 ليرة منتصف الشهر، وكان ذلك بسبب خلافات دبلوماسية بين أنقرة وواشنطن، على خلفية احتجاز الأولى "قساً أميركياً" تتهمه بالتجسس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع استمرار التوترات السياسية بين واشنطن وأنقرة، استوعبت الليرة صدمة خسائر أغسطس لتتماسك خلال شهر سبتمبر 2018 عند مستوى 6.75 لكل دولار. وتحسن سعر صرف الليرة التركية آنذاك، بعد تنفيذ البنك المركزي التركي قيوداً على أسواق الصرف، وتشدداً في سياسته النقدية، وزيادة ضخ النقد الأجنبي في الأسواق المحلية، لتلبية الطلب المتنامي على الدولار.
وخلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2018 وعلى خلفية حل الخلافات الدبلوماسية بين تركيا والولايات المتحدة، والإفراج عن القس الأميركي، صعدت الليرة التركية قليلاً إلى متوسط 5.7 ليرة لكل دولار واحد، لكنها ظلت من دون أسعارها قبل الأزمة. وأنهت العملة التركية عام 2018 عند مستوى 5.7 ليرة لكل دولار.
وطيلة عام 2019، بلغ متوسط سعر الدولار الأميركي في السوق التركية ضمن نطاق 5.2 إلى 5.9 ليرة، في تذبذب مرتبط بشكل كبير بمحاولات البنك المركزي ضخ النقد الأجنبي في الأسواق لتلبية الطلب المتزايد.
لكن مع بداية عام 2020 شهدت الليرة رحلة هبوط متسارعة تجاوز فيها سعر الصرف حاجز ستة ليرات لكل دولار مجدداً لأول مرة منذ أغسطس 2018، عند 6.1 ثم إلى 6.97 ليرة بنهاية النصف الأول 2020.
ومع نهاية 2020، بلغ سعر صرف الدولار سبعة ليرات ومن ثم وصل إلى 8.43 ليرة بنهاية النصف الأول من عام 2020، ثم واصلت رحلة النزيف لتسجل في تعاملاتها الأخيرة مستوى 13.87 ليرة لكل دولار لتخسر ما يقرب من 50 في المئة من قيمتها مقابل الدولار منذ بداية 2021.
تلاعب ومضاربات في سوق الصرف
في سياق متصل، أمر الرئيس التركي بفتح تحقيق في تلاعب محتمل في العملة بعد أن هبطت الليرة بشدة إلى مستويات قياسية منخفضة أمام الدولار خلال الأسبوع الماضي.
وذكرت وكالة أنباء "الأناضول" أن أردوغان كلف مجلس الرقابة الحكومي، وهو جهاز تدقيق يرفع تقاريره للرئاسة، بتحديد المؤسسات التي اشترت كميات كبيرة من العملات الأجنبية وتحديد ما إذا كان قد حدث أي تلاعب.
فيما أعلن البنك المركزي التركي تدخله المباشر في سعر النقد الأجنبي، مبرراً ذلك بأنه يحاول السيطرة على تشكلات أسعار الصرف غير الصحية.
وأورد "المركزي التركي" في بيان، أنه تدخل بشكل مباشر في السوق دعماً للاتجاه البيعي لعملات النقد الأجنبية، لمنح المزيد من القوة لليرة التركية أمام الدولار الأميركي واليورو.
وعلى الرغم من المؤشرات السلبية الخاصة بالوضع الاقتصادي في تركيا، فإن أردوغان، توقع في وقت سابق، أن يبلغ نمو اقتصاد بلاده بنسبة عشرة في المئة كحد أدنى، خلال العام الحالي، لافتاً إلى أن التضخم سيهبط أيضاً مع تراجع أسعار الفائدة. وأوضح أنه "لن نسمح لأحد بأن يجعل النمو الاقتصادي غير مستقر وسنخرج من هذه الدوامة، ولن نتسامح مع من يسعون لإرباك السوق ويتلاعبون بالأسعار".
وذكر أن الفائدة سبب والتضخم نتيجة، "ونقوم حالياً بتخفيض الفائدة، وسنرى معاً انخفاض التضخم"، مردفاً "تركيا ستخفض أسعار الفائدة، وستعزِّز الاستثمارات والتوظيف والإنتاج". وتابع "سنشهد لغاية الانتخابات المقبلة تعافي الليرة"، مشيراً إلى أن "الاقتصاد التركي يتمتع بقوة وقدرات تمكِّنه من التصدي للتهديدات الاقتصادية".
وقال "أردوغان" مخاطباً المستثمرين الأجانب "حان وقت الاستثمارات الطويلة الأجل، ومن ينفذ استثمارات كهذه في تركيا يربح دائماً، فهي مضمونة الربح".