يرتبط عام "الثور" (2021) بحسب السنة القمرية والأبراج الصينية، بحسن الحظ الذي لم يحالف الصين التي ما زالت تعيش موجة من الأزمات، بعد أن غادرت منهكة عام "الفأر" (2020)، الذي شهد ولادة فيروس كورونا الذي سرعان ما تفشى في مختلف مناطق العالم، وما زالت متحوراته تتكاثر يوماً بعد يوم بتداعيات أشد فتكاً تهدد مستقبل الاقتصاد العالمي.
وفي ما خص الأزمات التي شهدتها الصين عام 2021، نتساءل، إن كان "النمر المائي" الذي تطلقه الأبراج الصينية على عام 2022، سينجح في انتشال ثاني أكبر اقتصاد في العالم من أزماته، وبخاصة أنه يرمز للطاقة والقوة والقيادة.
ضغوط عالمية على الصين للكشف عن مصدر كورونا
ما زالت الصين تواجه ضغوطاً عالمية للكشف عن مصدر فيروس كورونا على الرغم من مرور أكثر من 22 شهراً منذ اكتشاف "كوفيد-19" في مدينة "ووهان" الصينية، وما زال السؤال عن كيفية ظهور الفيروس لأول مرة لغزاً حير العالم.
الرئيس السابق دونالد ترمب كان أول من أثار الادعاء المثير للجدل بأن الوباء ربما يكون قد تسرب من مختبر صيني، وهو ادعاء رفضته الصين وكثيرون باعتباره نظرية مؤامرة هامشية، ثم تولى الرئيس الأميركي جو بايدن الرئاسة الأميركية، وتابع حملة ترمب ضد الصين، وطالب بإجراء تحقيق عاجل للنظر في الادعاء بأن الصين هي أصل محتمل للمرض. وفي أكتوبر (تشرين الأول)، أعلنت منظمة الصحة العالمية أنها تستعد لإرسال بعثة "الفرصة الأخيرة" للعثور على منشأ الفيروس، ومعرفة سبب تفشي الوباء العالمي قبل 22 شهراً في الصين. ورشحت المنظمة 26 خبيراً للانضمام إلى المجموعة الاستشارية العلمية لمعرفة أصول مسببات الأمراض الجديدة والتي أطلقت عليها اسم "ساغو"، ولا تزال الصين ترفض الاتهامات الأميركية وتصفها بالمسيسة.
إغلاقات جديدة وتراجع نمو الاقتصاد
بعد ما يقرب من عامين من انتشار كورونا، دخلت آلة الدعاية الصينية في نقاش غير مجد مع العالم الخارجي، ويدور الخلاف حول ما إذا كانت هذه الدولة العملاقة تدفع ثمناً باهظاً لسياستها "الخالية من الوباء". فمحاولات الصين للقضاء على الفيروس، بدلاً من مجرد إدارته، مكلفة بالتأكيد، وتقول الـ"إيكونوميست" إنهم أغلقوا حدود الصين إلى حد كبير لمدة 19 شهراً، في وقت تعاني العشرات من مناطق المدن والبلدات والمحافظات من عمليات إغلاق حيث يتسبب متحور "دلتا" شديد العدوى ونوبات البرد المبكرة في تفجر العدوى، وهناك مئات عدة من حالات المرض على الصعيد الوطني، العديد منها عبارة عن عمليات نقل محلية وليست واردات من الخارج، ما يبرز مخاطر "دلتا"، مع الإشارة إلى أن الصين لم تعلن عن أي حالة من المتحور الجديد الأكثر فتكاً "أوميكرون".
تداعيات الإغلاق بسبب سياسة عنوانها "صين خالية من الوباء" كان لها وقع كبير على اقتصاد البلاد، الذي نما بنسبة 4.9 في المئة عن الربع الثالث من العام الماضي، بحسب مركز الإحصاء الصيني، وهو أقل من توقعات الاقتصاديين، وتباطأ بشكل حاد عن معدل التوسع في الربع السابق البالغ 7.9 في المئة، وارتفع الإنتاج الصناعي بنسبة 3.1 في المئة في سبتمبر (أيلول)، أقل من 4.5 في المئة التي توقعتها "رويترز".
وفي الآونة الأخيرة، تأثر النمو الاقتصادي بمجموعة من العوامل بما في ذلك نقص الطاقة وقضايا سلسلة التوريد وقمع القطاعات الخاصة بما في ذلك التكنولوجيا والعقارات والتعليم، وكانت هيئة الصحة الصينية، قد أعلنت منذ أيام تسجيل 38 حالة إصابة مؤكدة جديدة بمتحورات فيروس كورونا، ارتفاعاً من 17 حالة في وقت مبكر من هذا الشهر.
ركود قطاع التصنيع
الصين كانت قد انتعشت بقوة من الموجة الأولى من جائحة كورونا في أوائل العام الماضي، لكن استراتيجيتها الخاصة بالحد من انتشار المتحورات الجديدة من فيروس كورونا خففت من نمو ثاني أكبر اقتصاد في العالم، حيث أجبرت شركات التصنيع والنقل على الإغلاق بشكل دوري وسط تفشي متحورات كورونا، ومع تقلص طلبات التصنيع الجديدة، وصل التضخم في قطاع التصنيع عند مستويات لم يتم الإبلاغ عنها منذ عام 2016.
وكان قطاع التصنيع في الصين قد تقلص على امتداد الشهرين الماضيين بعد أن ضرب نقص الطاقة والاضطراب في صناعة العقارات ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وفقاً لمسح حديث لمديري المشتريات، في حين أثارت البيانات مخاوف من تزايد حدة التباطؤ في الاقتصاد الصيني مع تراجع وتيرة البناء وارتفاع أسعار السلع الأساسية الذي ضرب المصانع، ونما الإنتاج في البلاد خلال سبتمبر الماضي، بأضعف وتيرة له منذ مارس (آذار) من العام الماضي بسبب القواعد البيئية الجديدة وتقنين الطاقة وارتفاع تكاليف المواد الخام.
عمالقة التكنولوجيا ولوائح بكين المتشددة
وكان عمالقة التكنولوجيا هم الأكثر تأثراً بأزمة التباطؤ الاقتصادي للبلاد، ما أضاف ضغوطاً مالية على صناعة تعاني جراء فرض بكين مجموعة من اللوائح المتشددة هذا العام.
وعزت بعض أكبر شركات التكنولوجيا في الصين ضعف نمو الإيرادات في الفترة من يوليو (تموز) إلى سبتمبر، إلى تدهور أوضاع الاقتصاد الكلي، وكانت المبيعات الفصلية لـ"تينسنت هولدينغز"، عملاق الوسائط وألعاب الفيديو تسير بأبطأ وتيرة لها منذ طرح الشركة للاكتتاب العام في عام 2004، في حين قالت شركة التوصيل عبر الإنترنت "ميتيوان" إن نمو طلبات توصيل الطعام قد تباطأت هي الأخرى، وسجلت شركة محرك البحث "بايدو" تباطؤاً هي الأخرى في الإعلانات، في حين خفضت شركة التجارة الإلكترونية العملاقة "علي بابا هولدينغ غروب"، توقعات النمو للسنة المالية.
وهي نتائج تخالف أداء نظرائها الأميركية، بما في ذلك "غوغل"، و"مايكروسوفت كورب" التابعة لشركة "ألفابت إنك"، والتي دعمها التحول إلى التسوق عبر الإنترنت والعمل عن بعد وسط تفشي الوباء، بينما تباطأ نمو مبيعات "أمازون" ربع السنوية وسط اضطرابات في سلسلة التوريد ونقص العمالة، وقالت كل من الشركة و"غوغل"، إن الطلب على أعمال الإعلانات الرقمية لا يزال قوياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتتعامل منصات الإنترنت الصينية مع تأثير السياسات الجديدة التي تتحكم بشكل أكثر صرامة في مجالات مثل جمع البيانات والخوارزميات والوقت الذي يقضيه القاصرون على الإنترنت، وقال مايكل نوريس، مدير البحوث والاستراتيجيات في شركة الاستشارات "إيجينسي تشاينا"، ومقرها شنغهاي لـ"وول ستريت جورنال"، "ليس هناك كثير من هؤلاء في الوقت الحالي، والسؤال هو ما إذا كانت هذه المنصات معدة لخدمة التجار في ما يمكن أن تصفه بأنها صناعات مقاومة للركود أو مقاومة للقمع".
القيود الصينية دفعت بعض الشركات إلى تنويع محركات النمو كما هو الحال في الاقتصاد الصيني، وقالت "علي بابا"، إن أرباحها من يوليو إلى سبتمبر، عانت من تباطؤ الاستهلاك المحلي إضافة إلى زيادة المنافسة، وتوقعت أن تنمو الإيرادات المالية لعام 2022 بنسبة 20 في المئة إلى 23 في المئة، مقارنة بتوقعاتها البالغة 30 في المئة تقريباً في مايو (أيار)، وقالت الشركة، إنها تتطلع إلى الحوسبة السحابية والتجارة الدولية كمجالات للنمو، على الرغم من أنها لا تمثل سوى جزء بسيط من تجارة الخبز والزبدة الصينية، وفي الوقت نفسه، قالت "بايدو"، إن إيراداتها الأساسية كانت مدفوعة بنسبة 73 في المئة على أساس سنوي في الحوسبة السحابية.
كبح قدرات شركات الإنترنت
عملت الصين على كبح قدرة شركات الإنترنت العملاقة في البلاد على استخدام البيانات الضخمة للإقراض وإدارة الأموال والأعمال المماثلة، ما أنهى حقبة من النمو السريع الذي قالت السلطات، إنه يشكل مخاطر على النظام المالي، وفي أبريل (نيسان) الماضي، أمر البنك المركزي الصيني والجهات التنظيمية الأخرى 13 شركة، بما في ذلك العديد من أكبر الأسماء في قطاع التكنولوجيا، بالالتزام بقواعد تنظيمية أكثر صرامة بشأن البيانات وممارسات الإقراض، وهذه الخطوة كانت الأحدث في جهد أوسع من قبل الحزب الشيوعي الحاكم في الصين لتغيير ما يسمى "اقتصاد المنصة"، أو الشركات القائمة على الإنترنت والتي نمت على مدى العقد الماضي إلى عمالقة مع إشراف تنظيمي خفيف نسبياً.
وفي العام الماضي، تدخل الرئيس شي جينبينغ شخصياً لعرقلة محاولة مؤسس السوق الإلكترونية "علي بابا"، الملياردير جاك ما، للقيام بطرح عام أولي لشركته للتكنولوجيا المالية، "آنت غروب"، وقال بعض المسؤولين الصينيين، إنهم كشفوا خطط "ما"، وما سموه المشاكل العميقة الجذور التي يمكن أن تعرض الأمن المالي للبلاد للخطر.
ويوم الجمعة، نشرت أعلى هيئة تنظيمية في بكين مسودة قواعد لصناعة الإعلان عبر الإنترنت، بما في ذلك حظر إعلانات التدريب بعد المدرسة التي تستهدف الطلاب الشباب، وتحميل المعلنين ومنصات الإنترنت المسؤولية عن محتوى الإعلان.
أزمة الطاقة
تخضع مناطق التصنيع الرئيسة في الصين مثل "قوانغدونغ" و"جيانغسو" و"تشجيانغ" لتدابير تقنين الكهرباء، منذ تاريخ 28 أكتوبر، كما تخضع 20 مقاطعة من أصل 31 في الصين لقيود بدرجات متفاوتة في ظل أزمة طاقة غير مسبوقة تواجهها الصين اليوم.
وتسبب ارتفاع أسعار الفحم في أكثر من الضعف في العام الماضي إلى ارتفاع تكاليف الكهرباء، ووفقاً للجنة الوطنية للإصلاح والتنمية الصينية نقلاً عن موقع عملاق النقل البحري "ميرسك"، قد ترتفع أسعار الطاقة إلى 20 في المئة أعلى من المستويات الحالية أو إلى الأسعار المعيارية المعتمدة مسبقاً التي تحددها الحكومة، إضافة إلى ذلك، قد تستلزم الإصلاحات الجديدة أن يضطر المستخدمون الصناعيون والتجاريون إلى شراء الكهرباء بأسعار السوق، وليس من خلال مخطط شراء الطاقة الحالي الذي أبقى التكاليف منخفضة بشكل مصطنع لكبار المستهلكين، وقد يؤدي هذا إلى زيادة تكلفة الإنتاج.
هناك أيضاً حجم الإنتاج، حيث أدت إجراءات التقنين إلى تقييد عدد أيام الإنتاج في العديد من المصانع، ومع دخول الصين فصل الشتاء، حيث تزداد الحاجة العامة للكهرباء، من المتوقع أن تستمر أزمة الفحم وإمدادات الطاقة، في حين سيعتمد مستوى الاضطراب في التصنيع جزئياً على شدة الشتاء والحاجة المقابلة للكهرباء لأغراض التدفئة، إلى جانب عامل آخر وهو التأخير في التسليم، إذ من المتوقع أن تكون احتياجات المستهلكين عالية خلال موسم التسوق في عطلة نهاية العام، وخطوط الإمداد تتأثر بارتفاع تكاليف المواد الخام وتأخيرات الموانئ ونقص حاويات الشحن، وقد يكون لذلك تأثير سلبي على سلاسل التوريد والتسليم.
ارتفاع أسعار السلع
لجأت الصين في يونيو (حزيران) الماضي، إلى إجراءات لم يتم استخدامها منذ الأزمة المالية العالمية في عامي 2007 و2008 لتخفيف ارتفاع عملتها حيث تكافح البلاد ارتفاع أسعار السلع الأساسية العالمية وتباطؤ النمو الاقتصادي. وتشير الخطوة التي اتخذها بنك الشعب الصيني، التي ستجبر المقرضين على الاحتفاظ بمزيد من العملات الأجنبية إلى أن صانعي السياسة يريدون كبح جماح مكاسب "الرنمينبي" بعد أن لامس أقوى مستوياته مقابل الدولار في ثلاث سنوات. ويمثل ذلك انعكاساً عن سنوات إدارة ترمب، التي وصفت بكين بأنها متلاعب بالعملة في عام 2019 بعد أن ضعف "الرنمينبي" بعد المستوى المهم البالغ 7 رنمينبيات للدولار الواحد، وكانت قوته قد خلقت مزيداً من الصداع لواضعي السياسات في الصين الذين يتصارعون بالفعل مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية والمخاطر الناجمة عن كميات كبيرة من الرافعة المالية عبر الاقتصاد.
منع الأميركيين من الاستثمار في شركات صينية
أصدر الرئيس الأميركي جو بايدن، في يونيو الماضي، أمراً تنفيذياً جديداً، يمنع الأميركيين من الاستثمار في الشركات الصينية المرتبطة بالجيش، أو المشاركة في بيع تكنولوجيا المراقبة، المستخدمة لقمع المعارضة أو الأقليات الدينية، داخل وخارج الصين. الأمر الجديد، الذي يدرج في البداية 59 شركة صينية، تم توسيعه بشكل كبير بعد أمر كان قد أصدره الرئيس السابق دونالد ترمب، لكنه أصبح الآن يشمل الشركات المتورطة في صنع ونشر تكنولوجيا المراقبة، التي يتم استخدامها ضد المنشقين في الشتات.
أزمة "إيفرغراند" وموجة ركود عقاري
تأسست "إيفرغراند" في أواخر التسعينيات كمطور عقاري، قبل التوسع في صناعات مثل مركبات الطاقة الجديدة، والتأمين على الحياة، ومياه الينابيع. وتنحدر الشركة اليوم، والتي تعتبر أحد أكبر مطوري العقارات في الصين، تحت وطأة ديون تتجاوز 300 مليار دولار، في حين أثارت أزمة ديون الشركة المخاوف من انهيار سوق العقارات السكنية والتجارية في الصين، والتي تقود ما يصل إلى ثلث ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وتسبب الذعر من أزمة ديون الشركة الصينية العملاقة، والتي تعتبر الأكبر مديونية في آسيا، في سلسلة من ردود الفعل العالمية في الأسابيع الماضية، حيث دفعت أسواق الأسهم للانخفاض، وتراجعت أسهم شركات بناء المنازل الصينية والشركات الكبيرة متعددة الجنسيات. كما تراجعت أسهم وسندات "إيفرغراند" بعد توقعات يسودها القلق حول مصيرها، وقالت "أس أند بي غلوبال" للتصنيف الائتماني، "نعتقد أن بكين ستكون مضطرة للتدخل فقط في حال تسبب أزمة إيفرغراند في فشل العديد من المطورين الرئيسيين الآخرين وتشكيل مخاطر نظامية على الاقتصاد الصيني"، وعلى الرغم من تداعيات أزمة "إيفرغراند"، لا تزال بكين تقف بصمت تراقب وكأنها تلقن المطورين العقاريين في الصين درساً قاسياً في إدارة الأعمال.
ويتمتع الرئيس الصيني شي جينبينغ بفهم أفضل للتحديات الاقتصادية التي تواجه بلاده أكثر من معظم المستثمرين بحسب ما تقول "رويترز"، ففي السنوات الأخيرة، حذر الزعيم مدى الحياة من المخاطر التي تشكلها فقاعة العقارات، ومستويات الديون المفرطة، والفساد المستشري، وتزايد عدم المساواة، هذه المشاكل ليست مقصورة على الصين وحدها، ففي الماضي، واجهت كل دولة في المنطقة التي تبنت ما يسمى نموذج التنمية الآسيوي مشاكل مماثلة، ومعضلة شي هي أنه لا توجد طريقة سهلة للصين للتغلب عليها.
ويتميز نموذج التنمية الآسيوي بسمات مشتركة عدة، وهي: تقدم البنوك التي تسيطر عليها الدولة قروضاً رخيصة للصناعات المفضلة، ويتم الاحتفاظ بالعملة عند مستوى مقوم بأقل من قيمتها من أجل تعزيز الصادرات، وقمع الاستهلاك المحلي لخلق مدخرات للاستثمار، والتحديث السريع يتم من خلال تبني التقنيات الأجنبية، منذ الحرب العالمية الثانية، وقد أثبت هذا المزيج من السياسات نجاحه الملحوظ في تضييق فجوات التنمية بين آسيا والغرب.