تأخذ زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الجزائر حيزاً واسعاً من الاهتمام الدولي، ليس في حد ذاتها وإنما لتوقيتها الذي يتزامن مع التوتر الذي تعرفه العلاقات الجزائرية المغربية جراء التقارب العسكري بين الرباط وتل أبيب.
أهمية الزيارة في هذا الوقت
وعلى الرغم من أن الزيارة كانت مبرمجة منذ فترة في سياق جولة تشمل دولاً عدة، إلا أن الإعلان عنها استنفر المتابعين الذين راحوا يعطونها قراءات وتأويلات مختلفة، بخاصة بعد الكشف عن أنها تأتي بدعوة من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.
وقال وزير الخارجية والمغتربين الفلسطيني رياض المالكي إن تبون شدد على أهمية زيارة نظيره الفلسطيني إلى الجزائر في هذا الوقت، موضحاً أن الأول ينوي التحدث إلى عباس حول القمة العربية التي ستعقد في الجزائر في مارس (آذار) المقبل، والتنسيق على أن تكون القضية الفلسطينية هي الأولى على جدول أعمال القمة.
التنسيق والتشاور... في عودة بعد 7 أعوام
من جانبه، كشف سفير دولة فلسطين لدى الجزائر فايز أبو عيطة أن عباس سيلتقي نظيره ورئيسَي مجلس الأمة ومجلس الشعب ورئيس الوزراء، كما سيجتمع والوفد المرافق له مع عدد من المسؤولين الجزائريين.
كما اعتبر أن الزيارة تكتسب أهمية كونها تأتي قبيل انعقاد القمة العربية، مبرزاً أنه سيجري التأكيد خلالها على العلاقات المتينة بين البلدين وأهمية تطويرها وتعزيزها، ومشدّداً على اهتمام عباس بالتنسيق والتشاور مع الجزائر قبيل احتضانها وترأسها القمة العربية المقبلة. وأشار إلى موقف الجزائر الثابت تجاه القضية الفلسطينية التي هي القضية المركزية الأولى بالنسبة إلى الشعب والقيادة، وكذلك الدعم الجزائري السياسي اللامحدود لدولة فلسطين.
الرد على زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي
في المقابل، يرى أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر الجزائري عثمان منادي أن زيارة عباس تأتي في ظروف دولية إقليمية حساسة جداً، ما زال يطبعها شد الحبل من الطرفين الجزائر والمغرب.
ويقول "هذه الزيارة في اعتقادي هي تأكيد على أن موقف الجزائر مع المغرب ثابت لم يتغيّر، إنها قضية مبدأ وليس تحركاً ظرفياً"، مضيفاً أنه بالرغم من الفتور الذي يطبع العلاقات الرسمية بين الفلسطينيين ودول العالم وليس العربية فقط، إلا أن الجزائر وجّهت دعوة زيارة رسمية وكأنها تقول إن مواقفها راسخة لا تتغير من القضايا العادلة، بخاصة فلسطين والصحراء الغربية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتابع منادي أن زيارة عباس إلى الجزائر وإن كانت عادية، لكن ظروفها جعلتها غير ذلك، وسيسيل كثير من الحبر، معتبراً أنها تأتي للرد على زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي إلى الرباط. وأوضح أن سياسة الجزائر مرتبطة بحماية حدودها وليس بفتح جبهات خارجية بعيدة.
الزيارة لها سياقها
من جانبه، يرى الباحث المغربي في الشؤون المغاربية يحيى بن الطاهر، أنه لا يمكن تلبيس زيارة الرئيس الفلسطيني بغير لباسها كونها تدخل في سياق جولات يقوم بها عباس إلى عدد من العواصم في أفق مؤتمر القمة العربية المتوقع انعقاده في الجزائر.
ويوضح أنه بحسب ما رشح من معلومات، ووفق ما صرّح به وزير الخارجية الفلسطيني، فإن الجزائر ترغب بالاطلاع من عباس، عما تريده رام الله من القمة العربية، على اعتبارها المحدد الأول والأخير في التعاطي مع القضية ومآلها، و"هنا يدخل جانب الاستشارات مع الدول في أفق إعادة فتح مفاوضات مع إسرائيل".
ويستبعد بن الطاهر ربط الزيارة بالسلام المغربي مع إسرائيل، "إذ إن الفلسطينيين بغنى عن إشعال مزيد التوتر بما قد لا يخدم مصلحتهم"، موضحاً أن الزيارة لها سياقها ولا يمكن إخراجها عنه، وإلا بات الأمر تعسفاً، خصوصاً أن الطبيعي في حالات الإعداد لمؤتمر بحجم القمة العربية، العمل على تبديد كل ما من شأنه توتير الخلافات أكثر"، وختم أن السلطة الفلسطينية كانت أحجمت عن إصدار أي بيان أو تعليق غداة الاتفاقات مع إسرائيل، عدا ما صدر عن حكومة "حماس" التي وصفت السلام مع تل أبيب بـ"الخطيئة".
تكوين موقف عربي قوي موحد
وبعيداً من التوتر الجزائري المغربي، يقول الباحث المصري المهتم بالشؤون العربية، رئيس مركز "الجمهورية الجديدة" للدراسات السياسية والاستراتيجية حامد فارس، إن الزيارة لها دلالاتها كونها تأتي في توقيت دقيق وحساس قبيل انعقاد القمة العربية في الجزائر، وهي تندرج في إطار العمل على توحيد الجهود العربية وتكوين موقف عربي قوي موحد ضد المحاولات الدائمة لطمس القضية الفلسطينية في ظل الصعوبات التي تواجهها في الأعوام الفائتة، بخاصة أن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية متوقفة منذ 2014، وتنصّل تل أبيب من خيار حل الدولتين المستند إلي إقامة دولة فلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية.
ويضيف "كما أنها تأتي بعد اعتماد قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن القدس بغالبية 129 صوتاً، يرفض أي إجراءات أو قوانين تقوم إسرائيل بسنّها لتغيير طابع المدينة والوضع القانوني والتاريخ القائم".
ويعتبر فارس أن الجزائر تلعب دوراً ريادياً ومحورياً في القضايا العربية كافة.
زيارة دولة
من جهة ثانية، يشدد الباحث العراقي المهتم بالشؤون الدولية عبد الرحمن جعفر الكناني على أن وصف الزيارة في البيان الرسمي الجزائري بأنها زيارة دولة، يبرز المعنى الدبلوماسي الأكبر على مستوى العلاقات الثنائية، في اللقاء مع رئيس شرعي لدولة فلسطين، من دون الخوض في اعتبارات شخصية لمواقف الرئيس محمود عباس، وما علق فيها من انعكاسات خلاف أخفتها وسائل إعلام البلدين في ما مضى.
ويقول "كان الرئيس الراحل ياسر عرفات، مثل رجل طائر لا تمرّ أشهر إلا ويطأ أرض الجزائر في ضيافة كبار قادتها، أما محمود عباس، فقد بدا كأنه تخلّى عن سنّة سلفه، واستبدل خريطة علاقاته الإقليمية جرياً وراء مصالح سياسية آنية، من دون اعتبار لعمق العلاقات الجزائرية الفلسطينية".
ويواصل الكناني أن متغيرات طرأت على المشهد الإقليمي في منطقة المغرب العربي فتحت أبواب تواصل رئيس السلطة الفلسطينية مع الجزائر مجدداً، تتمثل في أن سلام الرباط مع تل أبيب تخطى العلاقات السياسية أو الاقتصادية، ليصل إلى شراكة عسكرية، مبرزاً أن محمود عباس لعله يرى في الجزائر عنصر قوة في إدارة القضية الفلسطينية في ظل الاستراتيجية الجديدة التي أعلنها الرئيس عبد المجيد تبون بهدف إحياء الدور الجزائري إقليمياً ودولياً.