خلال السنوات التسع الأولى من حياته، اعتبر أندرياس موغريدج مشجعاً كبيراً لفريق "باناثينايكوس" في كرة القدم الذي يتخذ من أثينا مقراً له، ويعد أحد أنجح أندية اليونان على الإطلاق. ففي ثمانينيات القرن العشرين، بسط النادي سيطرته على الدوري الوطني لكرة القدم ومثل اليونان في عدة بطولات دولية، محققاً الفوز على "يوفنتوس" وسواه من الفرق التي لا يمكن لنادٍ محلي آخر هزيمتها.
وكذلك شكلت تلك الفترة نقطة البداية في مسيرة انتصارات متتالية للنادي، الذي باتت رسوم شعاره المكون من برسيم ثلاثي الأوراق باللونين الأبيض والأخضر، على كل جدار ورواق في أثينا، وكذلك أصبح نجمه، ديميتريس سارافاكوس، رمزاً لكرة القدم اليونانية ومحط تقدير الخصوم قبل الأنصار.
"كنت أحترمه وأقدره جداً"، يبين موغريدج، وهو من فئة المشجعين الذين يتذكرون مباريات معينة والسنوات التي لعبت فيها هذه المباريات وترتيب تسجيل الأهداف فيها، مستذكراً المباراة التي أثارت حماسته وقلبت كيانه حينما كان في التاسعة من عمره.
واليوم، ينتمي الرجل البالغ من العمر 41 سنة إلى "بانترز"، نادي مشجعي "بانيونيوس"، أقدم فريق كرة قدم في اليونان لكنه أصغر وأقل سطوة من "باناثينايكوس" .وقد شاهد موغريدج مباراة تجمع الفريقين المتمركزين في أثينا في نهائي كأس اليونان 1989. "كانت نوعاً ما صراع ديفيد ضد غوليات" [العملاق الذي صرعه النبي داوود بحجر من مقلاعه]، كون "باناثينايكوس" نادٍ غني ولديه كثير من المشجعين، بينما "بانيونيوس" نادٍ فقير ولديه عشر ما يملكه باناثينايكوس من المعجبين". يومها، جلس موغريدج في مدرجات "بانيونيوس" وكان المؤيد الوحيد لـ"باناثينايكوس" يحيط به من كل جانب مشجعون معارضون، من بينهم والده.
وفي الدقائق الثماني الأولى من عمر المباراة، سجل "باناثينايكوس" هدفاً. لكن مع اقتراب الشوط الأول على نهايته، أدرك "بانيونيوس" التعادل. وعندئذ، "فهمت بشكل غريزي"، يخبر موغريدج وفي عينيه شرارة تألق لم تمحها 30 عاماً، أن "بانيونيوس" يشكل محيطي، "بانيونيوس" هو عائلتي، "بانيونيوس" هو مدرستي، "بانيونيوس" هو كل شيء. ومن غير المنطقي أن أؤيد "باناثينايكوس" وأدعمه".
وصحيح أن "بانيونيوس" خسر تلك المباراة 3-1، لكن موغريدج لم ينزعج من النتيجة. فقد وجد مكانه في كرة القدم، تماماً كجده الأكبر الذي لعب لمصلحة النادي الصغير في أوائل القرن العشرين حينما اتخذ مقراً له في بلده سميرنا، إزمير الحديثة، وهي مدينة على ساحل بحر إيجه في تركيا.
وبصورة عامة، يشتهر نادي "بانيونيوس" أنه أُسس للمرة الأولى على يد اليونانيين الأرثوذكس العام 1890، ثم أعيد تأسيسه في أثينا مع نهاية الحرب اليونانية التركية في 1922، بعدما استولت تركيا على سميرنا، مرغمةً الجيش اليوناني على التراجع وآلاف المواطنين الأرثوذكس على الفرار من ديارهم.
واستناداً إلى ذلك، جاءت "تسمية بانيونيوس بأنه فريق اللاجئين في إزمير وفريق اللاجئين اليونانيين من حرب 1922"، يذكر موغريدج.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي الوقت الحالي، يتمركز النادي الكروي العريق في الضاحية الجنوبية لـ"نيا سميرني"، وهي منطقة في أثينا منحتها الحكومة للاجئين القادمين من سميرنا. توفي جد موغريدج الأكبر في الحرب، لكن جدته الكبرى فرت وهي حامل إلى أثينا بالقارب، واستقرت في نيا سميرني.
وعند انتهاء الحرب، شكل اللاجئون 40 في المئة من مجمل سكان أثينا. وإضافة إلى أولئك الذين تركوا منازلهم بالفعل، اتفقت اليونان وتركيا في 1923 على إجراء تبادل سكاني لمجتمعاتهما الأرثوذكسية والمسلمة على التوالي، الأمر الذي فاقم أزمة اللاجئين المحتدمة على حدود الدولتين. وإجمالاً، وصل نحو 1.2 مليون لاجئ إلى اليونان بحلول العام 1923 وهم يعيشون مذاك في مخيمات جزر بحر إيجه وفي مواني اليونان الرئيسة ومدنها الكبرى.
وبعد مرور قرن على التبادل القسري، تبدأ اليونان رحلة تعافيها من أزمة هجرة أخرى عصفت بها في 2015 وحولتها إلى وجهة رئيسة لأكثر من مليون نسمة. واليوم، تحتضن اليونان نحو 100 ألف لاجئ و60 ألف طالب لجوء، أتوها معظمهم من تركيا سالكين طريق البحر هرباً من الصراع في سوريا وأفغانستان. "التاريخ يعيد نفسه أو بالأحرى يعيد كتابة نفسه"، يقول الناشط والباحث جيورجيوس تيريكوس إرغاس الذي يعيش ويعمل في جزيرة ليسبوس، وكان شاهداً على الخط الأمامي في أزمة اللاجئين الراهنة.
ويؤكد ذلك الأمر نفسه أيضاً، البروفيسور رودريك بيتون من "مركز الدراسات الهيلينية" في "كلية كينج لندن" King’s College London، من خلال تسليطه الضوء على أوجه الشبه بين أزمة اللاجئين اليوم وأزمة 1922. وبحسب رأيه، "في الأزمتين كلتيهما، شهدت ]اليونان[ تدفقاً كثيفاً لأشخاص معظمهم معدمون ويائسون، يأتون من المكان نفسه، ويحطون رحالهم على الشواطئ نفسها، أي جزر بحر إيجه الشرقية".
ووفقاً لبيانات "مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، يقدر عدد اللاجئين وطالبي اللجوء الذين أمّوا الجزر اليونانية ومكثوا فيها منذ 2015، بأكثر من 19 ألف نسمة. في المقابل، وصلت نسبة اللاجئين من إجمالي سكان جزر بحر إيجه إلى 48 في المئة العام 1923. وفي الحالتين، اضطرت اليونان إلى الاعتماد على المساعدات الدولية لإدارة التدفقات تارة، والتعليق المؤقت لقبول اللاجئين تحاشياً لانتشار الأمراض، تارة أخرى.
ومن بين أولئك الذين يقدمون يد العون للاجئين في اليونان اليوم أعضاء نادي "بانترز" وغالبيتهم على غرار موغريدج، ينحدرون من لاجئي آسيا الصغرى. ويتمثل ما يفعلونه حقاً في أنهم يجمعون الملابس والطعام والبطانيات للتبرع بها لمخيمات اللاجئين، ويرفعون يافطات ولافتات عليها شعارات داعمة لقضية المهاجرين أثناء المباريات.
وعلى الرغم من وجود النادي في أثينا طيلة 100 عام وإزمير لمجرد 30 سنة، لا تزال هوية النادي كفريق لاجئ في أوجها، ولا تزال روايات اللاجئين عن الحرب متجذرة في ثقافة اليونان وأدبها وخطابها العام.
فبحسب الزميلة الزائرة للبحوث ضمن "مركز الدراسات الهيلينية" في "كلية كينج لندن"، الدكتورة أناستازيا ليموس، فإن "كارثة العام 1922 هي الشيء الوحيد الباقي في الوعي اليوناني من اضطرابات الحرب اليونانية التركية وبطشها".
ولا شك أن أزمة اللاجئين التي شهدتها اليونان العام 1922 طورت هويتها الوطنية، لكن ليس كل اليونانيين على استعداد لرؤية صدى هذه الهوية في وقتنا الحاضر. وفي هذا الصدد، يشدد إرغاس على انقسام الخطاب المحيط بأزمة اللاجئين الحالية بين مطرقة التضامن وسندان الابتعاد عن 1922، ويشير إلى أنه "نحن نأخذ الذكريات ونعيد بناءها وتشكيلها في كل مرة".
ومن وجهة نظره، يؤدي إدراك أوجه التشابه بين الطريقة التي يعامل بها اللاجئون اليوم والطريقة التي عوملوا بها في الماضي، إلى تقويض الرواية التي بنيت حول الحرب. وصحيح أن "الناس يحتفلون إلى اليوم بتراثهم الآسيوي، لكن هذا لا ينفي محاولتهم الجدية عزله تماماً عن قضية اللاجئين الحديثة".
في سياق متصل يتحدر أكثر من 60 في المئة من سكان ليسبوس (86 ألف نسمة) من لاجئي العام 1922، بحسب مقال نشره "مركز بوليتزر" Pullitzer Centre الإعلامي المستقل في 2016. وفي الوقت الحاضر، تضم الجزيرة زهاء 3500 لاجئ، وتشتهر بكونها موطن أكبر وأشهر مخيم للاجئين في أوروبا، أي مخيم "موريا" الذي تعرض لحريق هائل في سبتمبر (أيلول) 2020.
ووفق إرغاس، "لطالما حاول الجزء الأكبر من سكان ليسبوس تكريس وترسيخ صورة معبرة عن العام 1922 وفق ما رسموها في مخيلتهم، بمعنى كونها صورة مجيدة وصورة خالية من كل أذى".
في المقابل، لا شيء أبعد من ذلك عن هذه الصورة. ففي عشرينيات القرن العشرين، أجبر اللاجئون القادمون إلى الجزيرة على إنشاء مستوطنات على طول الخط الساحلي ضمن مناطق مكروهة من قبل السكان المحليين، والعيش في مخيمات مكتظة في ظل الأمراض والظروف المهينة.
ويوضح بيتون أن "عقوداً طويلة مرت قبل أن يتسنى لمجتمعات اللاجئين الاندماج بشكل صحيح في الداخل اليوناني". ومع مرور الوقت، استبدل بالخشب والطين الحجارة والأسمنت، وتحولت المخيمات إلى مستوطنات دائمة، لا يزال أطفال اللاجئين وأحفادهم يعيشون فيها.
وبالنسبة إلى جورج مافروبولوس، لم تكن نشأته كطفل لاجئ من آسيا الصغرى أمراً سهلاً. ووفق كلماته، "كنا ]بنظر اليونانيين[ مجرد غرباء انتهى بهم المطاف في منطقتهم وديارهم وأرضهم".
وتفصيلاً، لقد ولد ذلك الرجل البالغ من العمر 83 سنة في إحدى قرى شمالي اليونان. هرب والداه من تركيا في 1923، وكانا يعيشان في قرية صغيرة بالقرب من سامسون في منطقة بونتوس شمالي تركيا. واجه والده تجربة سيئة حينما حوصر في مخيم للاجئين في إسطنبول قبل أن يسافر بالقارب إلى البر الرئيس لليونان.
وخلال نشأته في اليونان، تعرض مافروبولوس للمضايقة بسبب تحدثه لهجة البونتيك. وبحسب كلماته، "لم نكن منهم، بل مختلفون عنهم. كانوا يجهلون الكثير عنا ويعانون بسببنا، ويبحثون عن كبش فداء. لقد ظنوا أننا سوف نستولي على منازلهم".
وفي 1958، هاجر مافروبولوس إلى شيكاغو للدراسة. وأسس هناك "مركز آسيا الصغرى وبونتوس للأبحاث الهيلينية" Asia Minor and Pontos Hellenic Research Centre. وفي بداية أزمة 2015، بادر المركز إلى تخصيص مبالغ من المال لدعم اللاجئين في اليونان، إذ إن مأساة هؤلاء المهاجرين تذكر اليونانيين البونتيك بمأساتهم الخاصة.
وبرأي إرغاس، يشكل الربط بين التجربتين أمراً حيوياً، كونه "يعبر عن حقيقة تاريخية عالمية واحدة مفادها أن السكان المحليين لن يتوانوا عن إساءة معاملة اللاجئين من أينما أتوا، وسيكونون على الدوام معادين للأضعف والأشد فقراً والأدنى مرتبةً".
وعلى الرغم من مرور عام على اندلاع حريق "موريا"، لم تبدأ الحكومة اليونانية بعد أعمال بناء مساكن جديدة لطالبي اللجوء في جزيرة ليسبوس، تاركةً إياهم في مخيم "موريا 2" المؤقت والمعروف بظروفه المعيشية المتدنية. وفي ظل عدم وجود مساكن دائمة جديدة وسريان إشاعات عن إمكانية إعادة المهاجرين إلى تركيا، ينتظر سكان "موريا 2" بفارغ الصبر سماع مصيرهم، والأمل بمصير إيجابي بدأ ينفد.
ونذكر من بين هؤلاء المهاجرين، رائد، الذي يفضل عدم الكشف عن اسمه الكامل حفاظاً على سلامته. يعيش رائد في جزيرة ليسبوس منذ مارس (آذار) 2019. ولقد عبر إليها على متن قارب صغير من تركيا حيث لجأ في 2015 هرباً من سوريا. "يمكنك إخبار الجميع أننا في انتظار الموت". "نحن بشر مثلكم، بالله عليكم تقبلونا وانظروا إلى حالنا. لم نأتِ إلى هنا لجمع المال ولم نأتِ إلى هنا للاستيلاء على الأرض ولم نأتِ إلى هنا لأخذ أي شيء، إنما أتينا هنا لسبب وحيد هو البحث عن مكان آمن ننهي فيه حياتنا".
وفي اليونان، يواجه اللاجئون وطالبو اللجوء هذه الأيام سياسة عدائية متنامية، ومن شأن هذه السياسة أن تزيد من صعوبة حصولهم على وضع اللاجئ واندماجهم في المجتمع. ويزيد الطين بلة أن حزب "الديمقراطية الجديدة" اليميني الذي تقلد السلطة العام 2019، أصدر قانوناً يقيد حصول طالبي اللجوء على المساعدة القانونية، ويسهل احتجازهم التعسفي ويوسع أسباب رفض طلباتهم.
"لدى اليونان سياسة تقليدية ]تخص اللاجئين[؛ وهذه السياسة ليست رسمية ولا أحد يتحدث عنها، والهدف منها حث القادمين الجدد على المغادرة، لا على الاندماج"، يشرح ليفتريس باباجياناكيس، رئيس جهود المناصرة في منظمة "سوليداريتي ناو" Solidarity Now غير الحكومية والمعنية بدعم المجتمعات الضعيفة في اليونان.
ويضيف، "هذه السياسة، برأيي، تشكل حلقة مفرغة، كونها تخلق ظروفاً من عدم الاستقرار وتحض اللاجئين على التفكير مرتين في مدى رغبتهم في البقاء في اليونان أو العودة إلى ديارهم، عدا عن أنها تبعث برسالة إلى الخارج من نوع (يا رفاق، الوضع جنوني في اليونان. لا تأتوا إلى هنا)".
وفي الآونة الأخيرة، بدأت الحكومة اليونانية في تشييد جدران خرسانية بارتفاع ثلاثة أمتار حول 24 مخيماً مهماً في البر الرئيس، بحجة الحفاظ على سلامة اللاجئين، مع أنها حصلت من الاتحاد الأوروبي على أموال لبناء خمسة مخيمات جديدة في الجزر الأكثر تضرراً، كي تحل بديلاً من المساكن غير المستوفية المعايير حيث تتكالب الظروف السيئة.
وقد افتتح أول المخيمات الجديدة على جزيرة ليسبوس في سبتمبر الماضي ووصفته منظمة "أطباء بلا حدود" بأنه "أشبه بسجن" بسبب أسواره العسكرية وأنظمته الرقابية المتقدمة. وقد نقل إليه نحو 500 طالب لجوء كانوا يسكنون في المخيم القديم الكائن خارج بلدة فاثي، الذي اكتظ بثمانية آلاف مقيم في ذروة الأزمة في مساحة مخصصة لما لا يزيد على 650 شخصاً.
وعن مخيم فاثي، يروي سيمون، أحد العاملين في مجال الإغاثة الإنسانية على الجزيرة، يفضل عدم ذكر اسمه الكامل لحماية المنظمة التي ينتمي إليها، أن "الوضع (في المخيم) مأساوي جداً. إذ لا تقتصر مساوئه على النواحي المادية كنقص المياه الجارية أو الكهرباء، بل يعيش فيه اللاجئون مع خطر دائم محدق بهم، بالتعرض للغرق جراء الأمطار الغزيرة أو للعض من قبل الجرذان والثعابين والحشرات".
وفي ذلك المنحى، يستحضر سيمون فعاليات الاحتفاء بـ19 مايو (أيار) في ذكرى الإبادة الجماعية لليونانيين البونتيك، أي ذكرى فرار كثيرين من السكان الأرثوذكس من شمال تركيا باتجاه اليونان بين عامي 1913 و1922، وكيف لم يأتِ أحد على الربط بين الحوادث التاريخية والحوادث الراهنة. ووفق كلماته، "لم يكن هناك ولو سطر واحد مكتوب حول هذا الموضوع".
وفي شيكاغو، يتذكر مافروبولوس اليونانيين البونتيك الذين طالما قصدوا متجر الخياطة الخاص بوالده في بلدة كوزاني شمالي اليونان، حيث استقرت عائلته في نهاية المطاف. لقد تحدثوا دوماً عن ديارهم وفكروا كيف استطاع بعضهم العودة إليها والبعض الآخر لم يستطع. "تشكل عدم قدرة الواحد منا على زيارة المكان الذي ولد فيها وترعرع، خسارة كبيرة ونقصاً لا يعوض"، بحسب تعبيره.
يبدو لي أن مافروبولوس متمسك بمشاعر حزن وخسارة ليست أصلاً مشاعره، إنما توارثها أباً عن جد. ففي كل مرة أسأله فيها عما إذا كان قد فكر يوماً في زيارة القرية التي جاء منها والداه، ينفعل ويتأثر ثم يحكي والدموع تنهمر من عينيه، "لا أقوى على ذلك، نفسيتي لا تسمح بهذه التجربة الصعبة". والحقيقة أن مافروبولوس ليس الوحيد الذي يتأثر عند الحديث عن وطنه، بل رائد أيضاً.
وكثيراً ما تستشهد الخطابات والنقاشات حول الهجرة واللجوء بأقوال الكاتب المسرحي اليوناني القديم يوربيديس كونها الأشد تعبيراً عن "شعور الحزن بضياع الوطن، الذي لا يضاهيه حزن آخر على وجه البسيطة".
وفي ما يتعلق بمانوس موسكوبولوس، كبير موظفي البرامج لدى منظمة "أوبن سوسايتي" [حرفياً، المجتمع المفتوح Open Society]، فإنه يدرك تماماً أن الهجرة متأصلة في الهوية اليونانية ولا تقتصر على أحفاد اللاجئين من آسيا الصغرى، بل تتعداهم لتشمل الخمسة ملايين شخص تقريباً من أصل يوناني الذين يعيشون خارج اليونان اليوم.
وفي هذا السياق، تمثل عائلة موسكوبولوس خير مثل عن ذلك. إذ غادر بعض أفرادها آسيا الصغرى خلال الحرب اليونانية التركية وبعضهم الآخر أفلت من براثن الاحتلال الإيطالي للجزر خلال الحرب العالمية الثانية. وقد هاجر والد موسكوبولوس نفسه إلى ألمانيا للمرة الأولى حينما كان مراهقاً في ستينيات القرن العشرين، لكنه انتقل منها إلى أستراليا في سبعينيات ذلك القرن. وفي إطار مشابه، ترك موسكوبولوس اليونان عقب اندلاع الأزمة المالية في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لكنه يعيش الآن في ألمانيا.
ويعتقد موسكوبولوس أن "الشيء المهم عموماً هو أننا أمة من اللاجئين ولدى معظم أسرنا ربما تجربة مع الهجرة أو التهجير القسري. ولو تذكرنا ذلك، ستتغير نظرتنا إلى الآخرين القادمين إلى اليونان".
ويضيف أن مقاومة اليونانيين البحث عن أوجه تشابه بين تاريخهم وحركات الهجرة الحالية، تنبع من خوفهم من اكتشاف عدم انتمائهم للمكان. إنه خوف أمة برمتها، أمة ترقى إلى العصور القديمة، لكنها لم تنعم بسوى 200 عام من الاستقلال في العصر الحديث.
"ففي كل مرة تدب الحياة في إحدى الأمم، سواء دولة اليونان الحديثة في ثلاثينيات القرن التاسع عشر أو أي دولة أخرى، تجدنا نتهافت لإيجاد أسباب لوجودها وأسباب تجعلها استثنائية".
وبالعودة إلى نادي "بانيونيوس" لكرة القدم، فقد علمنا أنه وقع، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عقداً مع لاعب جديد هو عليا كامارا الغيني البالغ من العمر 22 سنة. ويشكل كامارا واحداً من المليون لاجئ الذين توافدوا إلى اليونان منذ 2015 وعبروا بالقارب من تركيا إلى ليسبوس حتى انتهى بهم الأمر في "موريا". لذا، جاءت مباراته الأولى بمثابة مهرجان احتفالي وتكريم لهوية النادي.
يختم موغريدج حديثه بالإعراب عن قناعته بأن "نحن نادٍ يتشاطر أفراده المشاعر نفسها، حتى بفارق 100 عام. وتنطبق عليه مقولة يونانية شهيرة يوصل معناها إلى أنني أرى أسلافي في صور السوريين أو اللاجئين القادمين في القوارب".
© The Independent