عادةً، يأتي المبلّغ عن التجاوزات والمخالفات ليكشف للعالم أمراً صاعقاً لم يكن يعرفه. لكن ما يخبرنا به الموظف السابق في وزارة الخارجية رافاييل مارشال هو أمر نعلم أساساً بأنه صادم- الانسحاب "المضطرب والفوضوي" لبريطانيا وحلفائها من أفغانستان في أغسطس (آب). ذلك لا يعني أبداً أنّ الخبر لم يترك وقعاً كبيراً؛ بل هو يأتي ليضيف تفاصيل كثيرة تضخّم كثيراً حالة العار الوطنية المُدينة بالفعل.
ما فعله مارشال هو أنه فسّر، بشكل محرج للحكومة، سبب تدهور الأمور بهذه السرعة. فقبل الشهادة المكتوبة التي رفعها مارشال إلى لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم، ربما كان ضغط الوقت يعتبر عاملاً تخفيفياً، لا سيما بعد الانهيار السريع المتتالي للحكومة الأفغانية وسهولة زحف عناصر طالبان الملفتة باتّجاه كابول. زعم وزير الخارجية آنذاك، دومينيك راب، بأنّ لا أحد توقّع ذلك- وهو زعم جدليّ حتى في ذلك الحين-ولكن يبدو الآن بأنّ عنصر المفاجأة ذاك فاقمه التراخي، والإهمال وانعدام الكفاءة في تنظيم الانسحاب البريطاني.
ونتيجةً لذلك، كما يقول مارشال بقوّة صادمة، فإنّ عدداً ضئيلاً فقط من آلاف الأفغان الذين لديهم مطالبات مشروعة باللجوء والإجلاء مرّت رسائلهم مرور الكرام من دون أن تُقرأ و"من الواضح أنّ بعض الذين تُركوا لمصيرهم قد اغتيلوا على يد عناصر طالبان منذ ذلك الوقت". ما عاد من الممكن فعل أي شيء من أجلهم. وما زالت الحكومة تجاهد من أجل وضع برنامج إعادة توطين للأفغان.
كان من الجليّ كذلك خلال الخريف بأنّ غياب راب بسبب ذهابه في إجازة لعب دوراً أساسياً في فشل العملية- وراب نفسه أقرّ بأنّه ارتكب خطأ في التقدير. والتفصيل الذي يضيفه مارشال هو أنّ راب لم يفهم ماذا كان يجري وكان صعب المراس وبطيئاً في اتّخاذ قرارات حاسمة- وهذه صورة مختلفة وأسوأ لما كان راب يفعله على أرض الواقع عندما شغل منصب الوزير.
والانطباع السائد إذن هو أنّ راب، خلافاً للصورة المطروحة عنه بأنه شخصية صارمة وقوية، حصل على ترقية لا يستحقها أوصلته إلى وزارة الخارجية بسبب مؤهلاته في موضوع بريكست وأدائه القوي نسبياً في انتخابات قيادة المحافظين في عام 2019- وهي ليست بالضرورة دليلاً جيداً على البراعة في الحكم. لم يرُق للدبلوماسيين، وسرت بعض الإشاعات عن شعوره بالملل في وظيفته. في أي حال، ما قد يكون تبقى من طموح سياسي لدى راب بات عصياً أكثر على التحقيق بسبب المبلّغ. عاد راب الآن، بعد انتقاله إلى منصب وزير العدل، إلى المستوى الذي يناسبه تقريباً، في دراسة حالة معاصرة قوية في تطبيق مبدأ بيتر حول الترقية وانعدام الكفاءة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن راب، الحاصل على الحزام الأسود في الكاراتيه والعدواني بطبعه، لم يتصرف بطريقة تفيده أبداً عندما هاجم مارشال الشاب ملمّحاً إلى أنّه "عُزل" عن موقع اتخاذ القرارات وأنه يجهل "الضغوط العملية" من دون أن يردّ فعلياً على رواية مارشال بشأن الكارثة.
لو أصغى بوريس جونسون إلى ثرثرة راب خلال التشكيلات الوزارية وأبقاه في موقع وزير الخارجية، لكانت الأمور مختلفة. لكن جونسون اضطر لتخفيض رتبته بسبب الغضب الحقيقي على عضو الحزب المحافظ بسبب خيانته للأفغان الذين خدموا القوات البريطانية وغيرها من الفئات بوفاء. لكن راب ما زال نائباً لرئيس الوزراء. ومع أنّ المنصب لا يعدو كونه تسمية فخمة (فلا يكرّسه الدستور بل يأخذ الشكل الذي يريده رئيس الوزراء والشخص الذي يشغله)، طالب راب بالإبقاء جزئياً على مكان إقامته الفخم الرسمي المخصص لوزراء الخارجية في تشيفنينغ (حيث استضاف حفلة للناشطين في حزب المحافظين من دائرته الانتخابية في إيشر بعد يوم واحد من سقوط كابول). سوف يكون راب محظوظاً لو استطاع الاحتفاظ بمقر إقامته الريفي وتسميته الوظيفية الفخمة خلال الأشهر المقبلة. فدوره في إذلال بريطانيا أثناء سقوط أفغانستان يبدو أكبر وأحقر مما كان يُعتقد سابقاً.
كما أعادت شهادة المبلّغ إحياء الكوميديا المأساوية التي تتعلق ببين فارذينغ ومهمته لإنقاذ الحيوانات. وإن تحدثنا بلا تجميل، ما يقوله الاتهام الموجه لرئيس الوزراء هو أنّ أمر بإنقاذ 173 كلباً وقطة من ملجأ للحيوانات في أفغانستان نزولاً عند رغبة زوجته كاري، المدافعة عن الحيوانات. ربما تكون الحيوانات قد أعطيت الأولوية على البشر الذين شاءت الصدف أن تكون بشرتهم سمراء. لا يأتي هذا النبأ ليصب الزيت على نيران رواية الزوجة غير المنتخبة التي تقرر سير السياسة الرسمية بطريقة غريبة الأطوار فحسب، ولكن يزيد عليها أنها تفعل ذلك في خلاف صريح لرغبة وزير الدفاع بين والاس. وهو ما يجعل رئيس الوزراء يبدو أضعف وأكثر حمقاً، في الوقت الذي يتفاقم فيه الاستياء من الإخفاقات داخل الحزب. ولا يمكن لضعف الأداء في الانتخابات الفرعية في دائرة نورث شروبشير بعد النتائج المخيبة الأسبوع الماضي في دائرة أولد بيكسلي وسيدكوب، سوى أن يزيد متاعب جونسون. فـ"مسار الأمور" لا يجري لصالح رئيس الوزراء ولا يساهم في إعادة تجميل صورة دومينيك راب.
© The Independent