في عام 2017، أطل سليم شاهين مزهواً على السجادة الحمراء في مهرجان "كان" السينمائي، لكن بعد أربع سنوات، يضطر المخرج الأفغاني الذي يزخر رصيده بـ125 فيلماً ذات ميزانية متواضعة، إلى ملازمة منزله في كابول في ظل رعب يعتريه بعد استعادة حركة "طالبان" السيطرة على البلاد.
ذكريات "كان"
يحمل سليم شاهين في شخصيته سمات كثيرة للرجل المحب للظهور. فهذا المخرج البالغ 56 عاماً يضحك ويتكلم بصوت عالٍ، ويحرك يديه خلال الحديث. كما يتحدث الرجل عن نفسه بصيغة الغائب، ويتصرف كما لو أنه يمثل في أحد أفلامه التي تشبه أعمال "بوليوود" بنسخة أفغانية مع ميزانية ضعيفة.
ويبدو التأثر جلياً عليه عند سؤاله عن ذكرياته في مهرجان "كان" السينمائي.
ويقول: "لقد كان ذلك أجمل يوم في حياتي. جميع الفرنسيين يعرفونني. كانوا يهتفون: شاهين! شاهين!. لقد فوجئت بأنهم يعرفونني. بعدها فهمت أني فيلمي كان معروضاً في الصالات" الفرنسية.
وقد حظي المخرج والممثل الأفغاني باستقبال حافل مع تصفيق الجمهور وقوفاً لدقائق طويلة إثر عرض فيلمه على الصحافيين، كما ورد في تغطية وكالة الصحافة الفرنسية حينها.
تحت حكم "طالبان"
لكن هذه المشاهد باتت من زمن غابر. فعلى الرغم من عدم تلقي سليم شاهين، السينمائي المشهور في بلده، أي تهديد مباشر من حركة "طالبان"، يعيش في حالة من الجزع من الإسلاميين المتشددين الذين استعادوا السيطرة على أفغانستان منتصف أغسطس (آب) بعد عقدين من التمرد.
ويقول المخرج: "أنا خائف. ألازم المنزل (...) لست شخصاً عادياً لأخرج وأمشي في الشارع. أنا سليم شاهين، وفي رصيدي 125 فيلماً".
وعند تسلم حركة "طالبان" السلطة في 15 أغسطس، أحرق المخرج عشرات الملصقات من أفلامه. ولم يبقَ منها سوى اثنين في قاعة فارغة كان يستقبل فيها على قوله كابول بأسرها لحضور عروض أعماله.
حاول بطبيعة الحال مغادرة أفغانستان في أغسطس، وكان اسمه مدرجاً على قوائم الإجلاء الفرنسية على قوله. ويوضح: "كان مقرراً أن أغادر في اليوم الذي حصل فيه الانفجار في المطار. كنا رابع مركبة تدخل المطار عند وقوع الانفجار. تلقينا رسالة تطلب منا مغادرة المنطقة".
وقد أوقع الهجوم الذي أعلن تنظيم "داعش" المسؤولية عنه، أكثر من مئة قتيل في 26 أغسطس.
ومنذ ذلك، "أنا عالق هنا" مع الأفراد الـ12 في عائلته. ويقول: "جميع الممثلين والممثلات في أفلامي باتوا في فرنسا (...)، أريد الذهاب إلى مكان يتيح لي استئناف عملي السينمائي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
محاكاة "بوليوود"
يقدم سليم شاهين أعمالاً سينمائية لا تشبه الصورة التي تريدها حركة "طالبان" لأفغانستان. فهو يستقي أفكاره من "بوليوود"، ويصنع أعمالاً تلامس مواضيع وأساليب مختلفة، من الحركة إلى الدراما، مروراً بالكوميديا والأفلام البوليسية... كما تزخر أعماله بالغناء (مع نشاز في أحيان كثيرة) والرقص، ضمن أسلوب يشبه شخصية المخرج الاستعراضية، والعفوية أيضاً.
ويوضح شاهين: "أكثرية أفلامي تتطرق إلى مواضيع اجتماعية، من العنف ضد النساء والمخدرات، من دون الخوض بتاتاً في السياسة".
وفي كابول، يثير ذكر اسم سليم شاهين ابتسامة في أكثر الأحيان. فهو معروف بميله إلى المبالغة. كما أن الأعمال السينمائية التي يقدمها لا تروق للطبقة المثقفة في المجتمع الأفغاني، لكنها وجدت جمهوراً لها في الأوساط الشعبية، وبات الناس يرددون الجمل المتداولة في هذه الأعمال.
وفي وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يتردد باستمرار أن "الأفلام التي تتعارض مع الثقافة الأفغانية والإسلامية ممنوعة"، لكن لا شيء محدداً في موضوع سليم شاهين، إذ اكتفى ناطق باسم الوزارة بالقول: "لم أشاهد أفلامه، لذا لست مخولاً التعليق".
لكن في نوفمبر (تشرين الثاني)، دعت الوزارة قنوات التلفزيون الأفغانية إلى التوقف عن بث مسلسلات تُظهر نساءً، في إطار "توصيات دينية" جديدة.
ويوضح المخرج: "من المستحيل صنع أفلام من دون نساء"، مضيفاً: "السينما ماتت في أفغانستان، وسليم شاهين مات معها". وقد أنهى أخيراً توليف أفلامه الثلاثة الأخيرة، من دون معرفة ما إذا كانت ستعرض يوماً ما.