وكأنه مزاد فريد من نوعه، كلما أغرقت الدموع الاستديو كلما كان البرنامج ناجحاً، سواء كان "توك شو" يومياً أو برنامج منوعات أسبوعي، الهدف واحد والحيلة ذاتها، الضغط على موضوع إنساني أو عاطفي بأسئلة مباشرة لاستدرار الدموع من المشاهدين والضيف والمذيع أيضاً. لماذا إذاً تسبح البرامج الفنية العربية في هذا البحر الواسع من الدموع، خصوصاً البرامج الكبيرة منها وذات الإنتاج الضخم، هل هي علامة التميز أم هي وسيلة تصدر الـ "ترند" الأكثر يسراً؟
دموع لا تتوقف
تدريجياً أصبح الجمهور مرتبطاً ببرامج المنوعات التي تحمل كماً من "البكائيات والصعبانيات" ويكشف من خلالها الفنان عن أسرار عائلية أو لحظات ضعفه سواء المرضية أو المرتبطة بمواقف حياتية أو خلافات عاصفة، إذ تتفنن المقاطع الترويجية للحلقات في التركيز على تلك اللفتات مهما كان وجودها طفيفاً في اللقاء، وهكذا أصبح هناك ما يشبه العدوى، حتى إن بعض برامج الـ "توك شو" أصبحت تعتمد تلك الثيمة، فيما كانت تعتمد في توقيت سابق على تفجير الصراعات والأسئلة القوية التي ينتج منها تصريحات ومعلومات تصدم الجمهور وتعلن للمرة الأولى، ولكن على ما يبدو أن إعادة تدوير الدموع بات أمراً يدر مشاهدات أكثر، وبالتالي مزيداً من الإعلانات وجدلاً مستمراً من خلال تعليقات منصات التواصل الاجتماعي.
أسئلة تظهر نقاط ضعف الفنان
ظهر الفنان رشوان توفيق أخيراً وانهار باكياً بعد حديثه عن خلافه الشديد مع ابنته التي قامت برفع دعوى قضائية ضده، إذ كان محور الحديث مشكلاته الأسرية، وبالطبع تصدر اسمه الـ "ترند"، وأيضاً ياسمين عبدالعزيز كانت ضيفة برنامج تلفزيوني جماهيري وتركز كلامها حول أزمتها الصحية التي مرت بها، وبكت ياسمين التي عُرف عنها مرحها وقوتها وهي تتذكر أصعب أيامها، إذ أجرت جراحة نجمت عنها مضاعفات شديدة وتعرضت لثقب في القولون، مؤكدة أن أسرتها كان تجهز لها المقبرة توقعاً منهم أنها ستفارق الحياة بسبب تدهور حالها على مدى أسابيع. أيضاً الفنانة السورية كاريس بشار بكت كثيراً في أحدث لقاء تلفزيوني لها بسبب تذكرها أزماتها العائلية حينما كانت صغيرة، وكان والدها يغيب عن المنزل وكانت تفتقد وجوده في حياتها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المداخلات الهاتفية أيضاً أصبحت عنواناً أساساً للبكاء، وهو ما حدث في مداخلة قامت بها الفنانة ميرفت أمين لأحد البرامج وبكت مطولاً وهي تتحدث عن رفيقة عمرها الفنانة الراحلة دلال عبدالعزيز، وكذلك بكت شيرين عبدالوهاب قبل أسابيع في مكالمة هاتفية لبرنامج معروف بعد نشر تسريبات عائلية نالت من شخصها، وأكدت أنها تعيش أياماً صعبة للغاية.
ووصل الأمر كذلك إلى برامج المنوعات التي تبث عبر الإنترنت حيث البكاء سيد الموقف، وعلى ما يبدو معيار الانتشار أيضاً، فالفنانة صبا مبارك بكت في برنامج عبر "يوتيوب"، إذ تطرق الحديث إلى طفولتها مؤكدة أنها تعيش بندبة لا تختفي وهي كونها من "أبناء الطلاق"، إذ عاشت في تشتت أسري بسبب انفصال الأبوين.
وخلال الفترة الأخيرة يمكن بسهولة تعداد أسماء نجوم كثر انهاروا بالبكاء بسبب تركيز أسئلة المحاورين على حياتهم الشخصية ونقاط ضعفهم وأزماتهم، وبينهم هاني شاكر وأروى جودة ووفاء مكي وعبدالمنعم عمايري وهيثم شاكر وإيهاب توفيق.
هل الجمهور السبب؟
يرى الناقد الفني محمد عبدالرحمن "أن التغير الذي حدث جاء بسبب ارتباك مفهوم الهدف من تلك البرامج، إذ غابت فكرة مناقشة الشؤون اليومية والقضايا الكبرى بسبب ملل الجمهور من تكرارها، ونظراً إلى عدم التركيز على زوايا وأفكار مختلفة أصبح القائمون على تلك البرامج يحاولون الانتشار بأي طريقة، إذ يفكرون في العنوان الذي سيضعونه على مقطع الفيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل التفكير في المحتوى نفسه".
ويضيف عبدالرحمن، "بالطبع عناوين مثل بكاء وتأثر وانهيار معروف أن رد الفعل تجاهها كبير، وهكذا أصبحت تتكرر ألفاظ مثل (هتجيب) و(هيلقط) التي تعني الرواج بالعامية المصرية وسط صناع البرامج، وهي كلمات تطلق على أي مقطع فيديو أو تصريح لضيف يحوي مقومات مثل البكاء والانهيار التي تجذب متابعي السوشيال ميديا فيكون لديهم توقع مسبق لصدى تلك اللقاءات، وبالتالي حتى البرامج التي كانت تسبح أولاً ضد التيار وتقدم محتوى مختلفاً، أصبحت تكرر ما يوجد لدى المنافسين لتحقيق النجاح من وجهة نظرهم وتدخل سباق البكائيات، وهكذا تتسع الدائرة".