كيف يمكن إنقاذ الاتفاق الدولي بشأن النووي الإيراني المحتضر منذ انسحاب الولايات المتحدة منه عام 2018؟ تجري محاولة الإجابة عن هذا السؤال في المفاوضات الشاقة الجارية في فيينا خلف أبواب مغلقة.
عُقدت الجولة الأولى من المحادثات بين أبريل (نيسان) ويونيو (حزيران) بمشاركة الدول التي لا تزال أطرافاً في "خطة العمل الشاملة المشتركة"، وهي: ألمانيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة، والصين، وروسيا، وإيران.
وأفاد دبلوماسي أوروبي أن المحادثات الأولى قادت إلى إنجاز "70 إلى 80 في المئة من العمل" حول نقطتي رفع العقوبات الأميركية وعودة إيران إلى التزاماتها النووية. لكن انتخاب المحافظ المتشدد إبراهيم رئيسي رئيساً لإيران في يونيو (حزيران) أدى إلى تعليق المفاوضات.
واستؤنفت الاجتماعات في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) مع "شعور بأن الأمر ملح أكثر من المعتاد"، بحسب منسق المفاوضات الأوروبي إنريكي مورا.
وتم توسيع الوفود (40 عضواً لإيران وحدها) ونقل مقر المفاوضات إلى قصر كوبورغ المهيب حيث أبرم الاتفاق التاريخي عام 2015.
وتجري الاجتماعات ذات الصيغ المتعددة (ثنائية وثلاثية الأطراف وعلى مستوى الخبراء) حتى وقت متأخر من الليل في جو مثابر، وفق ما تظهر الصور التي نشرتها شخصيات مشاركة على الإنترنت.
ولا يلتقي الأميركيون والإيرانيون أبداً حول طاولة واحدة، وهو ما يبطئ المهمة بشكل كبير لاضطرار الدبلوماسيين الأوروبيين للتنقل بين وفدي البلدين. ويقيم الوفد الأميركي في مبنى منفصل يقع في مكان قريب من قصر كوبورغ.
أوروبا وواشنطن تحذران إيران
بمجرد استئناف المفاوضات، حذرت واشنطن طهران من إطالة النقاشات، لكنها لم توجه لها إنذاراً نهائياً حتى الآن. وأبدى الأوروبيون مواقف مشابهة، وقد حذر مسؤولون أوروبيون كبار، مساء الإثنين، من أن "الوقت ينفد. ومن دون إحراز تقدم سريع، في ضوء التقدم السريع لبرنامج إيران النووي، ستصبح خطة العمل الشاملة المشتركة قريباً إطاراً فارغاً".
منذ بداية العام، اتخذت إيران عدة خطوات في برنامجها النووي، إذ رفعت معدل تخصيب اليورانيوم إلى مستويات غير مسبوقة قريبة من نسبة 90 في المئة اللازمة لصنع قنبلة ذرية.
وأشار الدبلوماسيون الأوروبيون إلى أن المشكلة الرئيسة تتعلق بشروط إيران "الجذرية" ومقترحاتها التي "لا تتماشى مع خطة العمل الشاملة المشتركة أو تتجاوز ما تنص عليه".
من جهته، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الثلاثاء، "قريباً يفوت الأوان، ولم تنخرط إيران بعد في مفاوضات حقيقية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأبدى دبلوماسي في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية امتعاضه من "النقاشات الطويلة". وأضاف "نبحر من دون أشرعة. الأمر مثل رقصة: خطوة إلى الوراء وأخرى إلى الأمام، الوضع يختلف من يوم لآخر"، وأكد مع ذلك أن "النقاشات صعبة، ولكننا نحتاجها".
وتشدد إيران على ضرورة "الرفع الكامل للعقوبات غير العادلة وغير الإنسانية" التي أعاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب (2017-2021) فرضها. والمفاوضات متعثرة أساساً حول طبيعة العقوبات التي سترفعها واشنطن والضمانات التي تطالب بها إيران.
"باقري" يعلن إحراز تقدم
لكن كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري أكد، الأحد، إحراز تقدم في تحديد جدول أعمال الموضوعات التي ستناقش في المحادثات.
وباقري الذي يشغل منصب نائب وزير الخارجية ينتمي إلى معسكر المحافظين المتشددين وعارض الاتفاق عام 2015.
واعتبر المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي بهادري جهرني، الثلاثاء، أنه "لو توفرت لدى الأطراف الغربيين إرادة جدية بشأن إلغاء الحظر فإنه سيتم التوصل إلى اتفاق قطعاً"، وفق ما نقلت عنه وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء (إرنا) بالعربية.
ودان جهرني ما وصفه بأنه "حرف للحقائق في ما يخص وقائع المفاوضات"، وأكد أنه يتم "الترويج لتصريحات مغلوطة في هذا الخصوص".
روسيا والصين تتحفظان
وتبقى روسيا والصين متحفظتين، ونقلت وكالة "تاس" الروسية عن السفير ميخائيل أوليانوف تأكيده تسجيل تقدم مع استمرار العديد من المسائل عالقة، مثل مصير أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في تخصيب اليورانيوم.
واعتبر دبلوماسي مشكك في إمكانية التوصل إلى اتفاق أن "كل ما يتطلبه الأمر هو قرار سياسي" من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي لتحريك النقاشات.
وأضاف، "أنه علاوة على الجانب الاقتصادي للعقوبات التي تخنق الاقتصاد الإيراني، تعرف طهران أن "أزمة انتشار (أسلحة نووية) في هذه المنطقة يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة".
من جهته، أكد بلينكن أن الولايات المتحدة تعمل "بشكل نشط" على إعداد "بدائل" في حال فشل المفاوضات.
يمكن لواشنطن أن تطلب عقد اجتماع استثنائي لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بحلول نهاية ديسمبر (كانون الأول) لإدانة عدم تعاون إيران، كما يشير علي فائز المتخصص في الملف في منظمة "إنترناشيونال كرايسس غروب".
وتواصل الوكالة التابعة للأمم المتحدة المسؤولة عن مراقبة الطبيعة السلمية للبرنامج النووي الإيراني، إدانة العراقيل التي تعترض عمليات التفتيش التي تقوم بها الجمهورية الإسلامية.
أما المعارضون لاتفاق 2015، فيحضون واشنطن على مضاعفة الضغط الاقتصادي والدبلوماسي على إيران، قبل اللجوء إلى خيار عسكري محتمل.