حذرت مؤسسة "موديز" للتصنيف الائتماني في تقرير أصدرته، من مخاطر ارتفاع معدلات الديون وبالتالي الوضع الائتماني للكيانات الاقتصادية المملوكة للحكومة الصينية في غير القطاع المالي. ونوه التقرير بأن سياسات الحكومة الصينية التي تستهدف خفض مخاطر الدين لتلك الكيانات الحكومية في القطاعات المختلفة أحرزت بعض التقدم العام الماضي، لكن إحراز مزيد من التقدم مع تباطؤ النمو الاقتصادي سيكون أمراً صعباً، ما يهدد بزيادة مخاطر الدين فوق السقف مقابل الملاءة المالية لتلك الكيانات.
وخلص التقرير إلى أن استمرار التصنيف الائتماني للصين، حالياً عند "A1 -" مستقر للعام المقبل 2022، ويعتمد على تأثر القوة المالية للحكومة والجودة الائتمانية بشكل عام بالتخلص من أعباء ديون الكيانات المملوكة للدولة في القطاعات غير المالية. ويُعد التقرير تحليلاً أولياً ستستند إليه مؤسسة التصنيف الائتماني في تقديراتها للوضع الاقتصادي في الصين للعام المقبل.
ويشير التقرير إلى أن الشركات والكيانات الكبيرة المملوكة للدولة تُعد في وضع أفضل نسبياً مقارنةً بالشركات والكيانات المملوكة للحكومات الإقليمية والمحلية في الصين. كما يأخذ في الاعتبار ما خلص إليه صندوق النقد الدولي أن التحسن في الإنتاجية بشكل عام في القطاعات غير المالية في الاقتصاد الصيني يتراجع في السنوات الأخيرة. وتزيد الفجوة بين نسبة الدين فوق السقف والملاءة المالية للشركات والكيانات المملوكة للدولة وتلك المملوكة للقطاع الخاص.
حل مشكلة الدين
وبدأت الحكومة الصينية منذ نحو سبع سنوات بتشديد السياسات وطرح برامج لحل مشكلة زيادة المديونية لدى الكيانات المملوكة للحكومة المركزية وحكومات الأقاليم. وكان التباين واضحاً في تطبيق تلك البرامج، إذ تمكنت الكيانات الكبيرة -مثل في قطاع صناعة الصلب في الصين- من تحسين وضع نسبة الدين فوق السقف المسموح، إلى الملاءة المالية. أما الكيانات المملوكة للحكومات المحلية والإقليمية فلم يكن تطبيق السياسات الحكومية فيها على القدر نفسه، وبالتالي لم تحرز تقدماً كبيراً. مثال على ذلك، الكيانات والشركات في قطاع إنتاج الفحم في الصين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وهناك مشكلة لدى المؤسسات الدولية، بما فيها شركات التصنيف الائتماني الكبرى، وهي أن الإفصاحات المالية للكيانات المملوكة للدولة الصينية محدودة جداً. لذا اعتمد التقرير على تحليل نماذج لأداء الكيانات الكبيرة المملوكة للدولة والمسجلة التي يتم تصنيفها من قبل المؤسسات الدولية.
أيضاً، بالنسبة إلى الكيانات التابعة للحكومات المحلية والإقليمية وليس للحكومة المركزية، فهناك ضبابية شديدة لكثرتها (مع صغر حجمها طبعاً) من ناحية، والتشكك التقليدي في الحسابات الحكومية الصينية من قبل المؤسسات الدولية من ناحية أخرى.
وطبقاً للنموذج الذي استخدمته مؤسسة موديز في التحليل، يقدر التقرير أن الأعباء الحرجة (للدين فوق سقف الائتمان) لعشرة في المئة من الكيانات غير المالية المملوكة للدولة، كانت بنسبة 28 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2020. وتُعد تلك النسبة أكبر مما كانت عليه في العام 2015 عند 19 في المئة. لكنها أقل مما وصلت إليه في العام 2018 قبل بدء ظهور نتائج البرامج والسياسات الحكومية للحد من مشكلة الديون في العام 2017، إذ وصلت نسبة الأعباء الحرجة لتلك الكيانات في العام 2018 إلى 34 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
الإنتاجية والاستهلاك
وأوضح التقرير من خلال الأرقام الرسمية المتاحة، وباستخدام نموذج التحليل الذي اعتمده، أن السياسات الحكومية لتقليل معدلات ديون الكيانات الحكومية في القطاعات غير المالية، أدت إلى حدوث تقدم، بخاصة للكيانات والشركات المملوكة للحكومة المركزية. لكن الوضع ما زال غير مشجع بالنسبة إلى الكيانات والشركات التابعة للحكومات المحلية والإقليمية. وتظل مشكلة الإنتاجية عاملاً معوقاً أمام قدرة السياسات الحكومية وبرامج خفض ديون الكيانات الاقتصادية. وما لم تشهد الإنتاجية تحسناً ملحوظاً سيكون من الصعب إحراز تقدم في مواجهة تراكم أعباء الديون وزيادة نسبتها من الناتج المحلي الإجمالي.
ويقدر تقرير مؤسسة موديز أن الدعم الحكومي لتلك الشركات والكيانات التي راكمت أعباء ديون هائلة ليس مضموناً، فالسياسات الجديدة تستهدف أن تقوم تلك الكيانات بعمليات إعادة هيكلة تحسِّن من حساباتها الجارية، وتدفعها إلى عمليات اندماج واستحواذ لتقليل أعباء الديون لزيادة ملاءتها المالية.
لكن تقرير مؤسسة التصنيف الائتماني يشير إلى عامل آخر أكثر أهمية وهو الإنفاق الاستهلاكي في السوق الصينية المحلية. فما لم يزد الصينيون من إنفاقهم الاستهلاكي بشكل واضح لن تتمكن السياسات والبرامج الحكومية من حل مشكلة تراكم أعباء الدين على الكيانات والشركات المملوكة للدولة.
ويشير التقرير إلى أن التراجع الشديد لنمو الاقتصاد الصيني العام الماضي، بسبب أزمة وباء كورونا، لم يعقبه نمو كبير في مرحلة الانتعاش هذا العام. وهناك تقديرات بأن الاقتصاد الصيني قد لا يعود قريباً إلى معدلات النمو العالية السابقة التي شهدها قبل سنوات. ويبدو ذلك متسقاً مع توقعات المؤسسات الدولية، كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لمعدلات نمو الاقتصاد العالمي في السنوات القليلة المقبلة.