حاول آلاف المحتجين السودانيين، مساء الأحد، الاعتصام في محيط القصر الرئاسي في وسط الخرطوم، تزامناً مع الذكرى الثالثة لـ"ثورة ديسمبر"، التي أطاحت الرئيس السابق عمر البشير، لكن قوات الأمن تصدّت لهم.
وأفادت وكالة الصحافة الفرنسية، بأن المتظاهرين أعلنوا الاعتصام أمام البوابة الجنوبية للقصر الجمهوري، وبادروا في هذا السياق إلى تعليق مكبر للصوت، لكن قوات الأمن سارعت إلى تفريقهم، ومنعهم بإطلاق القنابل الصوتية وقنابل الغاز المسيل للدموع. وأضافت أن الكرّ والفرّ كانا لا يزالان مستمرين مساءً بين الجانبين.
وذكرت وكالة "رويترز"، أن بعض المحتجين تمكنوا من الوصول إلى بوابات القصر، ودعا منظمو الاحتجاج مزيداً من الناس إلى الانضمام إلى اعتصام مزمع مساء الأحد. وأظهرت لقطات مصورة على الهواء تعرّض من بقي هناك لإطلاق الغاز المسيل للدموع.
وقالت وزارة الصحة السودانية على صفحتها بـ"فيسبوك"، إن عدد المصابين في احتجاجات الأحد، بلغ 123.
وأضافت أن تقرير متابعة الأحداث حتى السابعة والنصف مساءً (بالتوقيت المحلي) أوضح "وجود 123 حالة إصابة بالبلاد، اليوم، منها 121 إصابة بولاية الخرطوم، وإصابتان بولاية كسلا". وأكدت الوزارة، "عدم تسجيل أي حالة وفاة في كل ولايات السودان حتى كتابة التقرير".
وأطلقت الشرطة السودانية، بعد ظهر الأحد، قنابل الغاز المسيل للدموع على آلاف المتظاهرين الذين وصلوا إلى القرب من القصر الجمهوري للمطالبة بإسقاط قائد الجيش عبدالفتاح البرهان. وبعد ثلاث سنوات على "الثورة" التي أطاحت عمر البشير، هتف المتظاهرون الذين نزلوا إلى شوارع الخرطوم للمطالبة بحكم مدني ديمقراطي، "الشعب يريد إسقاط البرهان".
وكانت السلطات السودانية أغلقت، الأحد، جسوراً تربط وسط الخرطوم بضاحيتي أم درمان وبحري غرب وشمال العاصمة، تحسباً لتظاهرات بدعوة من منظمات سياسية ونقابية ضد انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول)، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
وحذر عبدالله حمدوك، رئيس الوزراء، من "انزلاق البلاد نحو الهاوية" في الذكرى الثالثة لـ"الثورة" التي أسقطت عمر البشير بعد أربعة أشهر من اندلاعها. وقال في كلمة وجهها إلى السودانيين، مساء السبت، وأرسل نصها إلى وسائل الإعلام، "نواجه اليوم تراجعاً كبيراً في مسيرة ثورتنا يهدد أمن البلاد ووحدتها واستقرارها، وينذر ببداية الانزلاق نحو هاوية لا تبقي لنا وطناً ولا ثورة".
وشاهد أحد صحافيي وكالة الصحافة الفرنسية قوات من الجيش تضع كتلاً أسمنتيىة في عدد من الجسور التي تربط وسط الخرطوم بأم درمان وبحري. كما تمركزت بجانب الجسور سيارات بجانبها جنود مسلحون ووضع على بعضها مدافع رشاشة.
وأغلق الجيش كل الطرق المحيطة بمقر قيادته في وسط المدينة بسيارات مسلحة وأسلاك شائكة وحواجز أسمنتية. وأغلق شارع المطار أهم شوارع المدينة بسيارات عسكرية مسلحة. وبدا وسط الخرطوم شبه خالٍ من المارّة والسيارات إلا من حركة قليلة، وأقفلت المحلات التجارية أبوابها، وانتشر جنود من شرطة مكافحة الشغب في التقاطعات الرئيسة، وهم يحملون قاذفات القنابل المسيلة للدموع.
حشد جماهيري
وشهدت الخرطوم احتجاجات شعبية واسعة استجابة لدعوة تنسيقيات لجان المقاومة وتجمع المهنيين السودانيين للمشاركة في مسيرات "تحرير الخرطوم"، التي يأتي تنظيمها بمناسبة الذكرى الثالثة لاندلاع الثورة السودانية، التي أطاحت نظام الرئيس السابق عمر البشير في أبريل (نيسان) 2019، للمطالبة بإنهاء وجود العسكر في الحكم، وإفساح المشهد السياسي في البلاد للمدنيين.
وأقامت معظم أحياء العاصمة خلال اليومين الماضيين تظاهرات ليلية للترويج لتظاهرات الأحد، التي ستكون وجهتها النهائية القصر الجمهوري (الرئاسي)، للتنديد بقرارات قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان، بإعلانه في 25 أكتوبر (تشرين الأول)، حالة الطوارئ في البلاد، وتعطيل الشراكة مع المكون المدني، والمطالبة بتسليم السلطة كاملة للمدنيين، وعودة الجيش للثكنات، في وقت يتوقع فيه أن يتجه المحتجون إلى إقامة اعتصام مفتوح أمام القصر الرئاسي وعصيان مدني شامل، لتعطيل عجلة الدولة نهائياً، فضلاً عن إجبار المكون العسكري على التنحي عن الحكم.
واستبقت السلطات السودانية هذه الاحتجاجات، بإعلانها إغلاق الجسور التي تربط بين الخرطوم ومدينتي الخرطوم بحري وأم درمان طيلة اليوم، ما عدا جسري الحلفاية وسوبا، في خطوة لعرقلة حركة دخول المتظاهرين مدينة الخرطوم باتجاه القصر الرئاسي، الواقع وسط العاصمة، ويتوقع أن تشهد المناطق المحيطة بالقصر الرئاسي والقيادة العامة للجيش تعزيزات عسكرية وطوقاً أمنياً كثيفاً منعاً لوصول المتظاهرين إليها.
حشود من الأقاليم
ووصلت إلى الخرطوم، مساء السبت، حشود كبيرة من المواطنين الآتين من مدن الأقاليم المختلفة للمشاركة في هذه المليونية، بينما جاء آخرون من المدن القريبة من العاصمة في مواكب سيراً على الأقدام، وهيّأت لهم لجان المقاومة منازل ومدارس ومقار أحزاب لاستضافتهم.
ودعت لجان المقاومة السودانية، وأجسام مهنية ونقابية، في بيانات، إلى المشاركة في هذه المسيرة التي تعد العاشرة من نوعها منذ إجراءات البرهان الأخيرة، وأكدت تنسيقية لجان مقاومة ولاية الخرطوم، أن مليونية 19 ديسمبر ستخرج لطعن الجلادين، وتحرير الخرطوم من براثنهم الانقلابية، معلنة ترحيبها بمن سمتهم الثوار الشرفاء القادمين من مختلف مدن السودان قاصدين مدينة الخرطوم للمشاركة في معركة التحرير.
كما حذر "تجمع المهنيين السودانيين"، من إقدام السلطات السودانية على إغلاق الطرق والجسور قبل المليونية، ومما يتوارد من أنباء عن عزم قادة الانقلاب قطع خدمات الإنترنت والاتصالات الهاتفية، كما حدث في الأيام الأولى من انقلاب البرهان في 25 أكتوبر، مشيراً في بيان، إلى أن "الشعب السوداني عرف تلك التكتيكات السلطوية الفاشية، وهو قادر وجاهز لهزيمتها بالتنظيم والأدوات المبتكرة التي ظل يبدعها طوال ثلاثة أعوام".
مواكب دعائية
كذلك، أعلن تحالف "قوى إعلان الحرية والتغيير" دعمه مليونية 19 ديسمبر، داعياً قاعدته التي تشمل المكونات المنضوية تحته، وأيضاً كل أبناء وبنات الشعب السوداني إلى المشاركة بفاعلية في هذه المسيرة التي ترفع شعار اللاءات الثلاث (لا شراكة، لا تفاوض، لا مساومة مع العسكر)، من أجل بسط الحريات والعدالة وسيادة القانون عبر حكم مدني كامل الأركان.
وفي مدينة عطبرة، مهد الثورة، نظمت لجان المقاومة السودانية، السبت، موكباً دعائياً تمثل في ركوب دراجات هوائية، وانطلق من مباني سكة الحديد ليطوف في المدينة، استعداداً لهذه المسيرة المخطط انطلاقها في أكثر من 20 مدينة سودانية.
وقبل أيام، أعلنت سلطات ولاية الخرطوم، إغلاق كبري النيل الأزرق الرابط بين الخرطوم، والخرطوم بحري بحجة الصيانة، كما أعلن مجلس الوزراء السوداني، الأحد، عطلة رسمية بمناسبة ذكرى الثورة، وهي إجراءات فسرها البعض بأنها تأتي ضمن خطة لتقليل نسبة المشاركة في "مليونية تحرير الخرطوم".
حرية التعبير
من جهته، حث رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان "يونيتامس"، فولكر بيرتس، قوات الأمن السودانية مجدداً على احترام الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي، قائلاً في تغريدة له عشيةَ ذكرى ثورة ديسمبر 2018، "أتوجه بالتهنئة للشعب السوداني لما أظهره من شجاعة وما بذله من تضحيات لتحقيق تطلعاته نحو الديمقراطية".
برهان وحمدوك
وحيا كل من رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان، ورئيس الوزراء عبدالله حمدوك، الذكرى الثالثة لثورة ديسمبر، معربين عن أملهما بالوصول في نهاية المرحلة الانتقالية إلى تشكيل حكومة منتخبة تقود إلى تجاوز الخلافات ووحدة الصف. ولفت البرهان في خطاب له بهذه المناسبة، إلى أن تحقيق غايات الشعب السوداني وطموحاته يتلخص في قدرة وعزم أبنائهم على تجاوز الخلافات والتسامي والتسامح، والقدرة على وحدة الصف واستنهاض الهمم، وإعلاء القيم الوطنية، حتى نستكمل تأسيس الدولة السودانية على أسس المواطنة والحرية والعدالة. وتابع، "سنمضي بالروح ذاتها، والعزم ذاته لاستكمال مطالب ثورة ديسمبر المجيدة والعمل مع أبناء الوطن المخلصين، في الوصول إلى غايات الانتقال التي يحلم بها أبناؤنا وبناتنا في إقامة الدولة المدنية المنتخبة، لتتولى إدارة الدولة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد حمدوك، من جهته، أن توقيعه على الاتفاق السياسي كان بهدف حقن الدماء، والعودة إلى المسار الديمقراطي، داعياً قوى الثورة إلى التوافق على ميثاق سياسي لإنجاز ما تبقى من أهدافها، في وقت جدد فيه مجلس السيادة تعهده إجراء انتخابات حرة ونزيهة، العام المقبل، وقال في بيان، "توقيعي على الاتفاق السياسي جاء عن قناعة تامة مني بأنه سيؤدي إلى حقن الدماء". وحذر من تراجع مسيرة الثورة، مجدداً تعهده محاسبة مرتكبي الجرائم والانتهاكات في حق الشعب. وشدد على أن الاتفاق السياسي هو أكثر الطرق فاعلية للعودة لمسار التحول المدني الديمقراطي.
برنامج تصعيدي
وتأتي هذه المسيرة مواصلةً لبرنامج التصعيد الثوري، الذي أعدته تنسيقيات لجان المقاومة وتجمع المهنيين السودانيين، اللذان يقودان هذا الحراك لشهر ديسمبر الحالي، ضد إجراءات قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان التي أعلنها في 25 أكتوبر، وما تلاها من الاتفاق الذي أبرمه الأخير مع حمدوك، والذي عاد بموجبه إلى منصبه رئيساً للوزراء شرط تشكيل حكومة جديدة من الكفاءات (التكنوقراط).
وتضمن البرنامج التصعيدي لشهر ديسمبر تنظيم خمس مسيرات، بدأ أولها في السادس من ديسمبر، والثانية في 13 ديسمبر، والثالثة اليوم، والأخريان سيكونان يومي 25 و30 من هذا الشهر، للتنديد بالانقلاب العسكري والمطالبة بإزالة المكون العسكري من الحكم، وتسليم السلطة كاملة للمدنيين، فضلاً عن المطالبة بالقصاص لشهداء الثورة، إذ سقط حتى الآن منذ تفجّر الأوضاع بعد قرارات البرهان الأخيرة 45 قتيلاً، بحسب اللجنة المركزية لنقابة أطباء السودان.
إعلان سياسي
وتنخرط هذه الأيام بعض القوى السياسية في مناقشة مسودة مبدئية للإعلان السياسي الجديد الذي ينص على الشراكة بين المكونين المدني والعسكري وشركاء السلام، والذي اعتبر الوثيقة الدستورية الموقعة في 17 أغسطس (آب) 2019 المرجعية الأساسية له.
ويهدف هذا الإعلان، الذي يتضمن 12 بنداً، إلى دعم الحكومة الانتقالية التي من المنتظر أن يشكلها رئيس الوزراء عبدالله حمدوك من الكفاءات الوطنية المستقلة للاضطلاع بالمهام المتبقية من عمر الفترة الانتقالية المقرر انتهاؤها في يوليو (تموز) 2023، وهي تنفيذ اتفاق جوبا للسلام، ومعالجة الاختلالات المصاحبة للمسارات والعمل على استكماله بالوصول إلى اتفاق مع باقي قوى الكفاح المسلح، مما لم توقع مع السلطة الانتقالية على اتفاق سلام بعد، والعمل على مخاطبة جذور المشكلة السودانية التي أدت للحروب الأهلية ومعالجة آثارها بما في ذلك إعادة النازحين واللاجئين طوعاً إلى مواطنهم الأصلية ضماناً لمشاركتهم في المؤتمر الدستوري والعملية الانتخابية، فضلاً عن تعويض المتضررين بشكل عادل وناجز، والقيام بترتيبات أمنية نهائية من شأنها ترسيخ سلام عادل وشامل.