أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد في خطاب إلى الشعب، الاثنين الماضي، تنظيم استفتاء وطني حول الإصلاحات الدستورية يوم 25 يوليو (تموز) 2022، وانتخابات تشريعية في 17 ديسمبر (كانون الأول) 2022. وأضاف أن البرلمان سيبقى معلقاً، وأنه لا "رجوع إلى الوراء"، مضيفاً، "أنه سيتم تنظيم استشارة شبابية إلكترونية، وسيتم عرض الإصلاحات الدستورية، على الاستفتاء الشعبي يوم 25 يوليو 2022".
وقرر سعيد هذه المواعيد الانتخابية دون التشاور مع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، التي خولها دستور 2014 إعلان المواعيد الانتخابية، وهو ما أثار جدلاً في المشهد السياسي في تونس حول الجهة التي ستشرف على هذه الانتخابات، وإمكانية الالتزام بالرزنامة التي وضعها رئيس الدولة، ومصير الهيئة التي راكمت تجربة في إدارة الانتخابات في تونس.
هيئة الانتخابات هي من تحدد المواعيد الانتخابية
يؤكد عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عادل البرينصي لـ"اندبندنت عربية"، "أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات منبثقة عن دستور 2014، وباعتبار أن رئيس الجمهورية، يشدد في كل مناسبة أنه يتحرك في إطار الدستور، فإن الهيئة هي المخولة قانوناً ودستوراً، بتحديد رزنامة الانتخابات، بعد دراستها داخل مجلس الهيئة، من حيث التوقيت والإمكانات"، مشيراً إلى "أنه في 2019 اضطرت الهيئة لتأجيل موعد الانتخابات أسبوعاً، بسبب تزامنها مع الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف، وطالبت أهالي القيروان بذلك".
يضيف البرينصي، أن "تونس اليوم تعيش في ظل الإجراءات الاستثنائية، وفاجأت المواعيد الانتخابية التي أعلنها رئيس الجمهورية بتحديد يوم 17 ديسمبر 2022 لإجراء الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها الهيئة العليا المستقلة، بينما يصادف هذا التاريخ يوم اثنين، وقد تعود التونسيون على أن يكون الاقتراع يوم عطلة (الأحد)"، لافتاً إلى "ضرورة توفير ضمانات مشاركة عالية في الانتخابات"، مشيراً إلى أن هذا "الموعد يتزامن مع فصل الشتاء بما يحمله من صعوبات في التنقل، بخاصة في الأرياف وداخل الجمهورية".
هيئة الانتخابات ما زالت قائمة رغم الغموض
ويرجح عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أن "الوضع الاستثنائي الذي تعيشه تونس، وتنامي المطالب بتسقيف هذه الفترة الاستثنائية، دفعت رئيس الدولة إلى إعلان الرزنامة الانتخابية التي اعتبرها قابلة للتنفيذ، شريطة أن يتم التشاور بشأنها مع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات".
ويوضح أن "هيئة الانتخابات ما زالت قائمة، وأعلنت منذ فترة نتائج الانتخابات البلدية الجزئية في عدد من البلديات، على الرغم مما يتم تداوله من أحاديث جانبية عن أن رئيس الجمهورية سيقوم بحلها شأنها في ذلك شأن بقية الهيئات المنبثقة عن دستور 2014"، مشيراً إلى أنها "راكمت تجربة لا يستهان بها في إدارة الانتخابات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الأثناء، يؤكد عضو هيئة الانتخابات، أن الغموض يلف المشهد السياسي والانتخابي في تونس، متسائلاً عمن سيشارك في هذه الانتخابات، هل جميع الأحزاب أم بعضها؟".
وخلُص البرينصي إلى أن "تنظيم الانتخابات هو أكبر عملية لوجيستية زمن السلم، وعليه لا بد من توضيح الرؤية من أجل الاستعداد الجيد لمواعيدها المبرمجة والطارئة منها، كانتخابات المجلس الأعلى للقضاء في 22 يونيو (حزيران) 2022، والانتخابات البلدية في 2023، والانتخابات التشريعية السابقة لأوانها التي أعلنها رئيس الدولة في 17 ديسمبر 2022".
هيئة الانتخابات فقدت استقلاليتها
في المقابل، يؤكد رابح الخرايفي، أستاذ القانون العام، النائب السابق في المجلس الوطني التأسيسي، في تصريح خاص، "أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، غير قادرة على تنظيم انتخابات 17 ديسمبر 2022، لأنه لم يتم تجديد ثلث أعضائها، حسب ما ينص عليه القانون، كما أنها فقدت حيادها واستقلاليتها بعد أن صرح رئيسها نبيل بفون، بأن ما اتخذه رئيس الجمهورية قيس سعيد، من إجراءات يوم 25 يوليو 2021، هو انقلاب، وخروج عن الدستور"، مضيفاً أن "الهيئة مطعون في نزاهتها وحيادها واستقلاليتها".
ورجح أستاذ القانون أن "يتم تنظيم الانتخابات 17 ديسمبر 2022 من قِبل وزارة الداخلية، على الرغم مما عرف به تاريخ هذه المؤسسة خلال فترة حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، مقترحاً إدارة الانتخابات بين الهيئة ووزارة الداخلية".
قانون انتخابي جديد
ويقر النائب السابق بوجود إشكالية في الجهة التي ستنظم الانتخابات، معتبراً أن "الهيئة العليا المستقلة للانتخابات هي نتاج محاصصة حزبية"، داعياً إلى "فتح نقاش وطني حول هذا الموضوع". كما دعا إلى "ضرورة وضع قانون انتخابي جديد، يتم فيه تشديد شروط الترشح إلى البرلمان، ليشارك فيه نواب من أصحاب الكفاءة والنزاهة والقدرة على الإدارة والتمثيل النيابي".
اعتصام مفتوح رفضا لقرارات سعيد
يذكر أن القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية حول الإصلاحات الدستورية وتاريخ الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها، قوبلت برفض عدد من الأحزاب والشخصيات السياسية والنواب، ما دفعهم لتأسيس مبادرة جديدة تحمل اسم "اللقاء الوطني للإنقاذ".
وشددت المبادرة على أن أي "إصلاح للنظام السياسي أو للقانون الانتخابي أو للمؤسسات الشرعية، لا يكون إلا من خلال حوار وطني جامع وشامل يبلور الخيارات، ويحدد آليات العودة إلى الشرعية الدستورية". وحذرت، من "استحواذ رئيس الجمهورية على جميع السلطات، وإلغاء الحياة السياسية، ومصادرة الحقوق والحريات، ما يدفع بالبلاد إلى المجهول".
ودخل عدد من معارضي الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية، في اعتصام مفتوح في شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة، للمطالبة بعودة الشرعية والمؤسسات وإبطال الإجراءات الاستثنائية.
في الأثناء، أكد قيس سعيد، في بيان صادر عن رئاسة الجمهورية أمس الأول، بمناسبة الذكرى الحادية عشرة للثورة، "أن المسار لا بد أن يتواصل داخل مؤسسات الدولة، في ظل تشريعات جديدة، يستعيد بها الشعب حقوقه كاملة في الشغل والحرية والكرامة الوطنية".