زار خالد مشعل لبنان أخيراً، للمرة الأولى بصفته رئيس حركة "حماس" في الخارج، (كان زاره آخر مرة عام 2010 حينما كان رئيساً للمكتب السياسي)، إثر الانفجار الذي تعرّض له مخيم البرج الشمالي قرب مدينة صور في جنوب لبنان، وما تبعه من اشتباكات في المخيم، الأمر الذي رأت فيه "حماس" أنه "مؤامرة" تستهدفها وتستهدف مواقفها في الداخل والخارج. وتم طرح اتفاق للتهدئة بين "حماس" و"فتح" على الرغم من كل التوتر السياسي القائم، كما أجرى مشعل سلسلة لقاءات واتصالات رسمية مع عدد من القيادات الدينية في لبنان.
أهداف محددة
وطلب خالد مشعل تسليم المتورطين في أحداث مخيم البرج الشمالي إلى السلطات المحلية المختصة للبدء بمحاكمتهم، وعلّقت الحركة مشاركتها في القوة الأمنية المشتركة في المخيمات الفلسطينية في لبنان، على خلفية مقتل أربعة أشخاص في إطلاق النار الذي جرى أثناء تشييع عضو في "حماس"، لقي حتفه في انفجار مخيم البرج الشمالي، وفق ما أفاد مسؤولان في "حماس" وكالة "رويترز"، محمّلين "فتح" المسؤولية عن الحادثة.
وكان عضو قيادة الحركة في لبنان رأفت المرّة، الذي كان مشاركاً في التشييع، اتهم "عناصر من الأمن الوطني التابع لحركة فتح بإطلاق النار باتجاه المشيّعين".
كما طالب المرّة بوضع قواعد وأسس جدية للمحافظة على العمل الفلسطيني المشترك في لبنان مع دعم "حماس" لوحدة البلد وأمنه واستقراره، وحرصها على المحافظة على الأمن والاستقرار في المخيمات الفلسطينية، ورفض الحركة مشاريع التوطين والوطن البديل والتهجير، فضلاً عن التمسك بدور "أونروا" والعمل مع الدول العربية والمجتمع الدولي لتوفير موازنة كافية لها، مع التأكيد على الوحدة الوطنية للتفرغ لمواجهة الاحتلال والاستيطان والدفاع عن القدس.
توقيت الزيارة
وجاءت الزيارة في أوقات معقدة وصعبة، إذ يعيش لبنان أزمات عدة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وينعكس ذلك سلباً على المجتمع الفلسطيني فيه. وضمّ وفد "حماس" أعضاء المكتب السياسي، موسى أبو مرزوق وفتحي حماد ومحمد نزال وحسام بدران، والقياديَين في الحركة أحمد عبد الهادي وعلي بركة، ما يشير إلى رغبة مشعل بأن يحيل الزيارة إلى بعدها السياسي على مستوى الحركة، وعلى المستوى اللبناني الرسمي، كما عكس تشكيل وفد الحركة الرغبة بإحداث التوازن بين "حماس الداخل" و"حماس الخارج" في هذا التوقيت، ومحاولة مشعل تحقيق أهداف محددة.
محفزات شخصية
ويمكن القول إن مشعل أراد حجز دور سياسي متقدم في مرحلة ما بعد إجراء التغييرات السياسية الداخلية الراهنة في الحركة، ومحاولة التأكيد على وجوده الكبير والفاعل في صنع القرار الراهن داخل "حماس". كما قد تكون محاولة منه لنقل رسالة إلى الرأي العام الفلسطيني والعربي، مفادها بأن خالد مشعل قادر على العودة إلى مراكز القرار العربي والإقليمي في ظل الصراع الراهن بين مستويات الحكم داخل الحركة، والذي لم ينتهِ على الرغم من تأكيداتها على الاستقرار داخلها وأن ما يتردد عن عدم استقرارها غير صحيح.
إن فشل تيار خالد مشعل في دمج بعض المناصب في "حماس" أو العودة إلى موقعه في رئاسة المكتب السياسي، دفعه إلى العمل على محاور جديدة، واستثمار ما يجري للعودة مجدداً إلى سدة الحكم في الحركة بزيارة إلى لبنان وعينه حقيقةً على سوريا، فضلاً عن إمكانية استثمار العلاقات الجيدة التي تربط مشعل ببعض الرموز اللبنانية التي التقاها والتي تربطها بالحركة أواصر وعلاقات ممتدة منذ أعوام.
محفزات جمعية
ويبدو أن هناك محاولات لنقل رسالة رمزية تقول إن حركة "حماس" لا تزال قوية وتمتلك خياراتها، وإن ما يجري في لبنان "جزء من كل" يستهدف ضربها عربياً وإقليمياً، وهو ما يتطلب سرعة التحرك في التعامل، إضافة إلى محاولة التأكيد على أن الحركة واقعية ومصلحية وتريد أن تنتقل من الإطار الأيديولوجي الضيق إلى إطار أوسع وشامل يمكن البناء عليه في الفترة المقبلة، وهو ما ينطبق على علاقات "حماس" مع لبنان وسوريا والأردن بل ومصر، وهو ما يُخطّط له داخل الحركة في الوقت الراهن.
ويمكن القول إن هناك تخوّفاً لدى "حماس" من حدوث ردود فعل داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان ربما تؤدي إلى تداعيات سلبية داخل قطاع غزة، ومن ثم اتهام الحركة بأنها فشلت في مواجهة ما يجري.
وقد تسعى إلى توظيف شبكة علاقاتها واتصالاتها للضغط على "حزب الله" للتعامل معها بعد ردود الفعل السلبية في لبنان، على زيارة رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية في يوليو (تموز) الماضي، حين استقبله والوفد المرافق له، الأمين العام لـ"الحزب" حسن نصر الله، واحتفت بهما وسائل الإعلام التابعة للحزب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما قد تعمل "حماس" على الاقتراب بحذر من سوريا، ما سيدفعها إلى محاولة توظيف علاقات "حزب الله" بالنظام لاستعادة العلاقات مع دمشق، وهو أمر ما زال يواجَه بتحديات وصعوبات عدة ويتطلب بناء إجراءت ثقة جديدة في ظل اتهام الحركة بأنها تسعى إلى تحقيق مصالحها على حساب مصالح الآخرين.
إشكاليات حقيقية
يواجه تحرك خالد مشعل في الوقت الراهن في لبنان وخارجه، صعوبات وإشكاليات على رأسها عدم الثقة، على اعتبار أنه من مؤيدي برنامج جماعة "الإخوان المسلمين"، وأنه ما زال يطالب بالاستمرار في التنظيم الدولي للجماعة وتطوير دور الحركة، وأنه كان من أكبر معارضي فك الارتباط، أو إعادة صياغة الرؤية لـ"حماس" عبر ميثاقها الذي تغيّر منذ أعوام.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن التنظيم الدولي للإخوان سبق أن رشّح مشعل مسؤولاً عن التنظيم تحت ضغط تركي، إلا أن القيادات الوازنة في الحركة رفضت ذلك تماماً، ووقفت بوجه ذلك الترشيح حرصاً على استقرار "حماس"، وعدم دخولها في استقطاب كبير قد يؤدي إلى تفجير الموقف داخلها.
ويمكن القول إن عودة العلاقات بين الحركة و"حزب الله" تمت في سياقات متعلقة بإبعاد مشعل نفسه عن رئاسة المكتب السياسي، وانتخاب هنية خلفاً له في إطار لعبة توازنات قادها رجال "حماس" في الداخل، واستناداً إلى دور الجناح العسكري تحديداً، الذي كانت له اليد الطولى في التغييرات التي تمت في الحركة والإعلان تدريجاً عن انتخابات كانت أشبه بـ"تزكيات قيادية"، وبعد أن أجرت "حماس" مراجعات كبيرة على مستوى علاقاتها بالدول العربية، بخاصة تجاه مصر والأردن وسوريا ولبنان. وقد يكون الهدف غير المعلن لتلك التحركات هو ضرورة إبعاد مشعل عن المسرح السياسي لحسابات محددة. ويُشار إلى أن الجناح العسكري للحركة كان أعلن عن مناورة كبيرة في قطاع غزة، هي الأولى منذ انتهاء المواجهة الأخيرة بين الحركة وإسرائيل.
إلا أن النظام السوري لا يزال متمسكاً بعدم التعامل مع "حماس" ورموزها السياسية الراهنة، بخاصة خالد مشعل وإسماعيل هنية، إضافة إلى صالح العاروري وآخرين. وعلى الرغم من المحاولات التي بذلها "حزب الله" في ذلك المجال، بقيت الأمور في إطارها، وفي ظل مناخ لم يتغيّر بعد، ويحتاج إلى توازنات جديدة وأسس مختلفة.
الخلاصات الأخيرة
جاءت زيارة خالد مشعل، رئيس حركة "حماس" في الخارج، في وقت تشهد الساحة السياسية اللبنانية حالة توتر أمني وانقسام سياسي، بخاصة مع استمرار الضغوط على البلد. ومن الواضح أن هناك تداخلاً بين الحسابات السياسية وتلك الاستراتيجية للحركة، محورها شخص مشعل، الذي ما زال يبحث عن موضع قدم بصرف النظر عن ثقله الراهن في الحركة، وما يمكن أن يمثله من رمانة الميزان بين قيادات المكتب السياسي في الخارج والحركة في الداخل، وفي ظل مسعاه لتحقيق مكاسب من وجوده في ملف المخيمات الفلسطينية بالخارج، وفي لبنان تحديداً، بخاصة أن الزيارة تقع ضمن إطار مهماته التي تقلّصت كثيراً. ولن تنجح زيارته في كسر حالة الاحتقان التي تعاني منها العلاقات بين "حماس" ولبنان بكل مكوناته المعقدة.