على وقع تراجع اقتصادي وسياسي يشهده الأردن منذ سنوات، وفي مُوازاة تصنيف المملكة من قبل مؤسسات دولية بأنها باتت دولة قمعية، وتراجعت فيها حقوق الإنسان والحريات، أطلق عدد من رجالات الدولة ورؤساء الحكومات السابقين تحذيرات من أن القادم أسوأ، إن استمر نهج إدارة البلاد على ما هو عليه حالياً.
ويرى مراقبون، أن هذه التحذيرات قد تعبّر عن رفض مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، من قبل التيار المحافظ، بخاصة أن الانتقادات في الشارع ما عادت تطاول الحكومة وحدها، وأصبحت تمسّ الملك الأردني عبدالله الثاني، مع قرب إجراء تعديلات دستورية مقترحة من قبل الحكومة، تهدف إلى توسيع صلاحياته.
"الإخوان" إلى الشارع مجدداً
في الأثناء، وجدت جماعة "الإخوان المسلمين" الفرصة مُواتية للعودة إلى الشارع بعد غياب قسري لسنوات، بفعل قانون الدفاع الذي حظر التجمعات، طوال الأشهر الماضية، بالإضافة إلى تراجع شعبية الجماعة لدى الأردنيين، وعدم جدوى خطابها السياسي في إقناع شريحة كبيرة منهم.
ويقول مراقبون، إن الجماعة التي حُلّت قانونياً في عام 2020، بقرار من محكمة التمييز، وجدت في اتفاقية "الطاقة مقابل الماء" مع إسرائيل ضالّتها للعودة مجدداً إلى الشارع، وممارسة لعبة التجاذبات السياسية مع الحكومة الأردنية، وتقود الجماعة منذ أسابيع مسيرات وتظاهرات في وسط العاصمة الأردنية، احتجاجاً على اتفاقية "حسن النوايا" مع إسرائيل، بالإضافة إلى التعديلات الدستورية المقترحة التي تمنح صلاحيات إضافية للعاهل الأردني. وتكفّل نواب حزب "جبهة العمل الإسلامي" في البرلمان، وهو الذراع السياسية للجماعة، بممارسة الشغب ضد الحكومة في الجلسة التي خصصت لمناقشة الاتفاقية التي أثارت جدلاً لم يتوقف.
وتنظر السلطات الأردنية بعين القلق إلى محاولة "الإخوان" إنعاش التظاهرات مجدداً في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في المملكة، والتي تشكل قاعدة جماهيرية لهم، بعد سنوات من توافق غير مكتوب مع السلطات الأردنية بعدم تحويلها الى بؤرة للاحتجاجات.
وتقود تيارات سياسية أخرى مناوئة للجماعة حملة تشكيك في نواياها، وتثير تساؤلات عدّة، منها: لماذا لم تتحرك الجماعة ومناصروها حين يتعلق الأمر بالاحتجاجات المعيشية، ولا سيما ارتفاع الأسعار أو زيادة الضرائب.
قلق نخبوي
وكان ثلاثة من رؤساء الحكومات السابقين، ومن الأسماء المعروفة بولائها المطلق للنظام، قد أطلقوا تحذيرات، وعبّروا عن قلقهم من تداعيات المرحلة المقبلة على المملكة، ومن بين هؤلاء رئيس الوزراء السابق عبدالكريم الكباريتي، الذي قال إن من حق الأردنيين أن يقلقوا قلقاً مُولعاً بحب الوطن، وإنه لا بد من صحوة أساسها العمل، لا التغني بالأمل. وأكد الكباريتي الذي تولى رئاسة الحكومة الأردنية عام 1996، أن جيله لا يخشى التغيير، ولكنه قلق من القدرة على الإمساك بالمستقبل، رافضاً التعصب وصعود العنف واليأس، أو دخول المملكة مئويتها الثانية في مركب هائم على وجهه، على حد تعبيره.
الجو محتقن
بدوره، اعتبر رئيس الوزراء الأسبق عبدالرؤوف الروابدة، أن الإصلاح لا يتم بالطريقة التي يتم طرحه بها، وسط جو عام محتقن ومُحبط في الأردن. ورأى الروابدة، وهو أول رئيس وزراء في عهد الملك عبدالله الثاني، أن الشعب الأردني يخضع للإشاعات، ولا أحد من السياسيين يستطيع أن يقول رأيه بلا خوف من ردة فعل الشعب الأردني. وأكد أن هناك تغييراً للنظام السياسي الأردني، وأن الحكومة مغيبة عن كل ما يجري في البلد، وأنه لا وجود لحياة حزبية في الأردن. وقال الروابدة إن الأردن كان مُرغماً على الذهاب إلى اتفاقية "وادي عربة" لـ"تعترف إسرائيل بنا، لا لنعترف نحن بها". وشدد على أن حل القضية الفلسطينية سيكون على حساب الأردن، فالوطن البديل قائم منذ عام 1949 من خلال منح الجنسية للفلسطينيين، ووحدة الضفتين عام 1950.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما فيصل الفايز، رئيس مجلس الأعيان الحالي، الذي شغل منصب رئيس الوزراء عام 2003، فيقول إنه لم يكن قلقاً على الأردن خلال فترة "الربيع العربي"، كما هو الأمر اليوم، واعتبر أن هموم الأردنيين اقتصادية ومعيشية، وليست سياسية، وهو ما يدعو إلى القلق، منتقداً عدم تبرير الحكومة لتوقيعها على إعلان النوايا مع إسرائيل، في إشارة إلى غياب السياسيين والمسؤولين عن المشهد تماماً.
دولة قمعية
ويصف الكاتب ورئيس مركز حماية الصحافيين، نضال منصور، تصنيف مؤشر "سيفيكوس" للأردن، بأنه بات دولة قمعية بالمستفز، بخاصة أنه لم يُثر أي تحرك لدى الحكومة الأردنية. ويستذكر منصور التاريخ الذي كان فيه الأردن يتباهى فيه بأنه دولة مختلفة في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما هوامش الحرية التي تميزه عن الأنظمة في المنطقة، فكان ذلك يُثير إعجاب وتقدير المجتمع الدولي، ويدفع الدول المانحة لتُكافئه. ويرفض المركز الوطني لحقوق الإنسان، إطلاق وصف دولة قمعية على الأردن، مشيراً إلى أن المملكة لا تشهد انتهاكات جسيمة وخطيرة، ولا تعرف التعذيب أو تصفية الخصوم السياسيين.
يشار إلى أنه في العام الماضي، صنّف مؤشر "فريدم هاوس"، الأردن، بأنها "دولة غير حرة"، بعد أن كانت حرة جزئياً، بمُوازاة تقارير ناقدة صدرت عن "هيومن رايتس ووتش"، و"مراسلون بلا حدود". ويرى "سيفيكوس" أن تراجع الأردن في مؤشره العالمي الذي يغطي 197 دولة يعود إلى ممارسات غير ديمقراطية من قبيل إغلاق نقابة المعلمين، واعتقال مجلسها، وحجب الإنترنت، والقيود المفروضة على الصحافيين والمجتمع المدني.