سعت الحكومة الباكستانية إلى نزع فتيل التوترات المرتبطة بأحد استثمارات "الحزام والطريق" الصينية في البلاد، حيث أبرمت صفقة مع المحتجين الذين تظاهروا لأسابيع في مدينة "جوادر" الساحلية، فخلال الشهر الماضي، احتج الصيادون وغيرهم من سكان المدينة، الواقعة في إقليم بلوشستان الجنوبي الغربي، على الإحباط من أن الموانئ الصينية المثيرة للجدل التي تم بناؤها، وفشل مشاريع أخرى، في تحقيق الازدهار.
ويشتكي السكان المحليون من أن سفن الصيد تتعدى على مياههم وأن السلطات سهلت مليارات الدولارات من الاستثمار في البنية التحتية الصينية مع إهمال الخدمات الأساسية، مثل التعليم وإمدادات مياه الشرب.
تعليق رئيس الوزراء
وجذب رد الفعل انتباه رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، الذي كتب، الأسبوع الماضي، أنه "لاحظ المطالب المشروعة للغاية للصيادين المجتهدين في جوادر"، وأنه سيقمع الصيد غير القانوني. يذكر أن باكستان والصين تستثمران حوالى 500 مليون دولار في الميناء.
وقالت الحكومة الباكستانية، إنها ستحظر الصيد من قبل سفن الصيد الخارجية لحماية حقوق الصيد المحلية، فضلاً عن تسريع المشاريع لتحسين الوصول إلى مياه الشرب النظيفة وتعزيز الخدمات العامة الأخرى للسكان المحليين، في الوقت الذي تسعى فيه إلى إنهاء الاحتجاجات.
التوتر المستمر
وكشفت التظاهرات السلمية عن التوتر المستمر بشأن المشاريع الصينية الضخمة في منطقة شديدة الحساسية في باكستان، وبلوشستان هي موطن لتمرد طويل الأمد من قبل الانفصاليين الذين يعتقدون أن المنطقة، وهي واحدة من أفقر المناطق في البلاد، يتم استغلالها من قبل الدولة للحصول على الموارد بما في ذلك الغاز والمعادن.
مشاريع صينية بتريليون دولار
وتكشف مشكلات المنطقة أيضاً عن الصعوبات التي تواجه الرئيس الصيني شي جين بينغ في تنفيذ مبادرة "الحزام والطريق"، وهو مشروع طموح بقيمة تريليون دولار يسعى إلى بناء الجسور والموانئ والطرق عبر بعض أفقر دول العالم، وظلت شكاوى السكان المحليين هناك لفترة طويلة. وقال أياز أمير، العضو السابق في البرلمان الباكستاني، لصحيفة "فايننشال تايمز"، "لا توجد فرص عمل للسكان المحليين، ومياه الشرب قضية والأمن قضية أخرى".
وتم استهداف مواطنين ومشاريع صينية في بلوشستان وأماكن أخرى في باكستان، وكان آخرها هجوم في يوليو (تموز) أسفر عن مقتل 13 شخصاً، من بينهم تسعة صينيين، في مقاطعة مجاورة.
اهتمام وحذر
وكان الصينيون ينظرون إلى "جوادر" باهتمام وحذر عميقين، وقال بلال جيلاني، المدير التنفيذي لمؤسسة "غالوب" باكستان، "إذا لم تكن الحكومة الباكستانية قادرة على إدارتها، فسوف يعيدون النظر في هذه المصلحة"، وتابع، "إنه احتجاج مقبول للحكومة الفيدرالية، التي تقاتل مقاومة مماثلة بطريقة أكثر تشدداً"، موضحاً أنهم يفضلون توجيه المظالم عبر هذه المنصة بدلاً من منصة أكثر تشدداً.
وتقع "جوادر" بالقرب من الحدود الغربية لباكستان مع إيران، وهي نقطة الدخول في أقصى الجنوب إلى الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الذي تبلغ تكلفته 60 مليار دولار، والممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني هو حجر الزاوية في برنامج "الحزام والطريق" الخاص بالرئيس الصيني.
سكان "جوادر" يهددون بإغلاق الميناء
وتخطط الصين لربط مقاطعة شينجيانغ الغربية بـ "جوادر"، ما يوفر نقطة وصول استراتيجية حيوية إلى بحر العرب والخليج من خلال شبكة من الطرق السريعة وخطوط أنابيب الطاقة، وأقر المسؤولون الحكوميون بأن الاحتجاجات كشفت عن ثغرات في تخطيط وتطوير الممر الاقتصادي، وقال علي شاه، الصحافي التلفزيوني البارز في كويتا، عاصمة بلوشستان، "لم نشهد قط تظاهرة مماثلة في الماضي في جوادر"، والاحتجاجات هي "درس يجب تذكره ويجب تلبية مطالب السكان قبل أن تندلع الاحتجاجات مجدداً".
ومنذ 15 نوفمبر (تشرين الثاني)، احتج آلاف الأشخاص على عتبة ميناء تديره الصين في "جوادر"، ويترأس مولانا هدايت الرحمن، الحركة المسماة "منح الحقوق لجوادر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وخرجت آلاف النساء في مسيرة دعماً، وقال المتظاهرون إنه إذا لم تتم تلبية مطالبهم، فسوف يغلقون العمليات في الميناء والمشاريع الأخرى للممر الاقتصادي الصيني الباكستاني في "جوادر"، وأصبحت المدينة مركز اهتمام وسائل الإعلام في عام 2015 عندما تم اختيارها لتكون مركزاً للممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني.
والممر هو المشروع الرئيس لمبادرة "الحزام والطريق" الصينية، ويحتل ميناء "جوادر" مركز الصدارة في الممر.
أسباب رئيسة
وبحسب "ساوث تشاينا مورننغ بوست"، هناك ثلاثة أسباب رئيسة وراء اندلاع الاحتجاجات، الأول هو الإذلال الذي يشعر به السكان المحليون بشكل يومي وسط الحواجز الأمنية العديدة التي أقيمت لحماية الميناء، كما يتهم المتمردون "البلوش" الصين بأنها مستغلة استعمارية، لذلك تعرضت المصالح الصينية في "جوادر" لهجمات من قبل المتمردين، ووقع أحدثها في أغسطس (آب) الماضي عندما استهدف انتحاري مهندسين صينيين، ولحماية العمال الصينيين في المدينة، بدأت حكومة بلوشستان تسييج "جوادر" بالأسلاك الشائكة، وتم إيقاف هذا المشروع لاحقاً وسط احتجاجات من قبل السكان، وبدلاً من ذلك، أقامت الحكومة نقاط تفتيش في المدينة، حيث يجب على السكان التسجيل قبل السماح لهم بالمرور، ما تسبب في إزعاج كبير للسكان المحليين.
أما السبب الثاني، فتمثل في تأثير الصيد في أعماق البحار بواسطة سفن الصيد على الناس في "جوادر"، حيث يعتمد 65 في المئة من السكان على صيد الأسماك لكسب عيشهم، ويزعم الصيادون المحليون أن أكثر من 2000 سفينة في أعماق البحار، بعضها مملوك لصينيين، تدمر مخزون الأسماك في المنطقة.
وفي يونيو (حزيران)، احتج الصيادون على قيام الحكومة الفيدرالية بمنح تراخيص لشباك الجر الصينية للصيد بالقرب من "جوادر"، وفي يوليو(تموز)، احتجزت وكالة الأمن البحري الباكستانية خمس سفن صيد صينية بالقرب من المدينة بتهمة الصيد غير القانوني، وتم السماح لهذه القوارب في النهاية بالإبحار، ما زاد من تفاقم حال السكان الذين يعتقدون أنهم يتعرضون للخنق اقتصادياً وأن الحكومة لا تفعل شيئاً لحمايتهم.
والسبب الثالث، أن المحتجين يريدون وسائل الراحة الأساسية مثل الماء والكهرباء، وبعد ست سنوات من إنشاء الممر الاقتصادي، لا تزال "جوادر" تواجه نقصاً في مياه الشرب في الصيف وانقطاع التيار الكهربائي على مدار العام، ويريد الناس زيادة التجارة عبر الحدود مع إيران، التي تبعد نحو 90 كيلومتراً عن "جوادر".
دفعت هذه المشكلات السكان المحليين إلى القول إنهم سيعارضون أي تطوير في "جوادر"، سواء كان صينياً أم لا، طالما تم استبعادهم من فوائده، وبلغت المظالم ذروتها في الاحتجاجات الحالية، وهدد السكان بإغلاق الميناء ما لم يتم حل المشكلات على الفور.
ويبدو أن الاحتجاجات أزعجت ليس فقط الحكومة في إسلام أباد ولكن المسؤولين الصينيين أيضاً، ومع ذلك، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان إن التقارير عن الاحتجاجات المناهضة للصين في "جوادر" كانت "أخباراً كاذبة" تهدف إلى تشويه عمل الممر الاقتصادي في المنطقة. فهل يمكن للمتظاهرين إغلاق ميناء "جوادر"؟ سيكون ذلك صعباً نظراً لأن باكستان، بتشجيع من الصين، تبذل قصارى جهدها لإقناع السكان بإنهاء الاحتجاج، وحتى الآن، على الرغم من ذلك، يصر المتظاهرون على أنهم لن يستسلموا.
وأرسلت حكومة بلوشستان 5500 ضابط شرطة مكافحة الشغب إلى المدينة، ويمكن أن تفكر في إنهاء الاحتجاجات بالقوة إذا لزم الأمر، لكن مثل هذه الخطوة يمكن أن تزيد من تأجيج النار، وقد يأخذ المتظاهرون الغاضبون القانون بأيديهم، ويحولون "جوادر" إلى مكان فوضوي وعنيف. هذا هو آخر شيء تريده الصين وباكستان، لأن كلاهما يرغب في رؤية الميناء ينجح ويصبح مركزاً تجارياً إقليمياً مزدهراً.