كشفت دراسة أنجزتها شركة "إدارتي"، أن 90 في المئة من المواقع الإلكترونية للإدارات التونسية غير مؤمّنة، بينما تحمل 10 في المئة فقط من الإدارات التونسية شهادات الأمان.
وشملت الدراسة التي تهدف إلى تقييم واقع الرقمنة في تونس، 500 إدارة تابعة لوزارات وبلديات وجامعات، وأبرزت أيضاً أن 150 إدارة من أصل 500 لديها نجاعة في النفاذ إلى مواقعها من قبل المواطنين، ما خلق أزمة ثقة بين المواطن والإدارة على غرار عدم توافر ضمانات تأمين المعطيات الشخصية.
فهل أن مواقع الإدارات التونسية مؤمنة بالشكل المطلوب؟ والى أي مدى رقمنت الإدارة التونسية خدماتها؟
برامج واستراتيجيات طموحة
وضعت الحكومة التونسية برنامجاً للتنمية الإدارية يشمل عصرنة الإدارة من أجل تقديم خدمات عمومية من دون تعقيدات وذات جودة عالية للمساهمة الفاعلة في التنمية.
كما صدر في أكتوبر (تشرين الثاني) 2020، في المجلة الرسمية للجمهورية التونسية، أمر حكومي يتعلق بضبط شروط وصيغ وإجراءات تطبيق أحكام المرسوم المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات بين الهياكل والمتعاملين معها، لضمان السرعة والنجاعة وتخفيف الأعباء على المتعاملين مع الهياكل والمؤسسات العمومية بما يحقق التحول الرقمي للدولة.
ويؤسس هذا النص القانوني إلى إحداث تحول كبير في ثقافة الإدارة وطريقة تعاملها مع المواطن والمؤسسة.
كما تضمنت استراتيجية تونس الرقمية "تونس 2025"، محوراً خاصاً برقمنة الإدارة وتبسيط الإجراءات الإدارية لفائدة المواطن، علاوة على وضع خطة عمل لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني وحماية المعطيات.
إدارة تونسية "متخلفة"
واقع الإدارة التونسية المثقلة بالبيروقراطية والتعقيدات الإدارية، لا ينسجم مع كل هذه البرامج والاستراتيجيات، ويؤكد هيثم نمير، المهندس والخبير في السلامة المعلوماتية في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن "الإدارة التونسية ما زالت تعاني تخلّفاً كبيراً على مستوى استخدامات التكنولوجيا الحديثة"، لافتاً إلى "اصطفاف عشرات المواطنين يومياً أمام الإدارات العمومية من أجل شؤون إدارية يمكن قضاؤها بالولوج إلى الشبكة العنكبوتية أو منصات يتم وضعها للغرض".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وخلص إلى أن "مفهوم الإدارة الإلكترونية لا وجود له في الواقع، على الرغم من توافر الإمكانات البشرية واللوجيستية من تجهيزات ومنصات إلكترونية"، داعياً إلى "ضرورة إيجاد إرادة سياسية قوية لفرض سياسات عمومية حازمة في الإدارة الذكية".
من جهة أخرى، يضيف نمير أن "تأمين مواقع الإنترنت يشمل مستويات عدة، ولا يمكن الجزم بأن المواقع التابعة للإدارات التونسية غير مؤمنة بشكل كامل"، مشيراً إلى أن "الدراسة اعتمدت أساساً على توافر شهادة الأمان، وهي شهادة إلكترونية تقدم معطيات حول الموقع إلا أن عدم توافرها لا يعني أن الموقع غير مؤمن، بل يعني وجود بعض الثغرات الفنية التي لا يخلو منها أي موقع".
ويوضح المهندس الخبير في السلامة المعلوماتية أن "تأمين موقع الويب يشمل جوانب عدة، بينما تناولت الدراسة جانباً واحداً من منظومة السلامة المعلوماتية"، ملاحظاً أن "عدد المواقع التابعة للإدارات العمومية في تونس، تتطلب مزيداً من التدقيق على الرغم من أن المؤسسات ملزمة بالقانون تأمين مواقعها على الشبكة العنكبوتية".
التخفيض من نفقات الدولة
من جهته، يؤكد كمال العيادي، الوزير السابق للوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد ورئيس المركز العالمي لمحاربة الفساد، في تصريح خاص أن "تونس فوّتت على نفسها فرصة تحويل أزمة كورونا، إلى فرص للاستثمار في الذكاء من خلال تفعيل الإدارة الإلكترونية، ومزيد من التشجيع على العمل عن بعد والدراسة عن بعد"، داعياً إلى "إضفاء الطابع المؤسسي على هذه الصيغة من العمل والدراسة، ومضاعفة الخدمات الإدارية عبر الإنترنت لجميع المواطنين والمهنيين والمستثمرين".
وشدد العيادي على أن "الاستخدام الجيد للتكنولوجيات الحديثة والمنصات الرقمية وتطوير نظم الإدارة الإلكترونية، يسهمان في تخفيض النفقات العمومية للدولة، ويقللان من الاكتظاظ في الطرقات ومن استهلاك الوقود عند التنقل"، مضيفاً أن "الإدارة الإلكترونية بقدر ما تقلّص من الإجراءات وإهدار الوقت بقدر ما تعزز الثقة بين المواطن والإدارة".
وأضاف أنه "تم قطع خطوات مهمة في مجال إرساء الإدارة الإلكترونية، من خلال تطوير المنظومات والخدمات على الخط، على غرار تطوير منظومة الشراءات العمومية على الخط، التي تضم اليوم 1300 هيكل عمومي و12 ألف مزوّد، علاوة على خدمة متابعة غيابات ونتائج التلميذ عبر الإرساليات القصيرة، التي بدأت وزارة التربية باستخدامها".
نحو إدارة رقمية كاملة
وكان المدير العام لوحدة الإدارة الإلكترونية خالد السلامي أعلن في تصريحات صحافية أنه "تمت رقمنة حوالى 85 في المئة من الإدارة في تونس، إلّا أنه يتعيّن بذل مزيد من الجهود للحصول على إدارة رقمية بالكامل".
وأضاف أن "هناك مشاريع عدة قيد الإنجاز، على غرار مشروع الإدارة الإلكترونية للبورصات، الذي يسمح بتبادل المراسلات بين جميع الوزارات من خلال المنصة، مبيّناً أنه سيتم البدء بمرحلة التوقيع الإلكتروني".
وبخصوص الخدمات الإلكترونية المقدمة للمواطن، أوضح أن "تونس توفر 220 خدمة عبر الإنترنت، تغطي الضمان الاجتماعي ودفع الفواتير والتربية والتعليم العالي"، مشيراً إلى أن "المواطنين بغالبيتهم يفضلون التعامل المباشر مع الإدارة"، موصياً بجعل استخدام الخدمات عبر الإنترنت إلزامياً.