لا يمكن أن تمر تصريحات رئيس الجمهورية التونسي قيس سعيد التي أشار فيها إلى "رصد مكالمة هاتفية تضمنت مقترح ارتكاب جرائم اغتيال عدد من المسؤولين، وأن المكالمة تتحدث عن تحديد موعد الاغتيال"، مرور الكرام، ويبدو أن تداعياتها، حسب مراقبين ومهتمين بالشأن العام في تونس، ستكون وخيمة، في حال لم ترسل الرئاسة التونسية رسائل طمأنة تؤكد سيطرة السلطات المعنية على الوضع الأمني، لا سيما في ما يتعلق بالمسألة الأخيرة.
تبديل هيئة الدولة
يذكر أن النيابة العمومية لدى القطب القضائي لمكافحة الإرهاب في المحكمة الابتدائية في تونس، قررت فتح بحث تحقيقي، على خلفية ما ورد في تصريحات قيس سعيد، وأفاد مكتب الاتصال بالمحكمة الابتدائية، في بلاغ، بأنه "عُهد البحث في هذه القضية إلى قاضي التحقيق في القطب القضائي لمكافحة الإرهاب"، مضيفاً أن "الأبحاث ما تزال جارية".
كما أوضح البلاغ أن البحث التحقيقي فُتح ضد "كل من سيكشف عنه البحث، من أجل العزم المقترن بعمل تحضيري على قتل شخص وإحداث جروح وضرب وغير ذلك من أنواع العنف والإضرار بالممتلكات العامة والخاصة، وبالموارد الحيوية والبنية الأساسية وبالمرافق العمومية والانضمام عمداً، بأي عنوان كان، داخل تراب الجمهورية وخارجه، إلى تنظيم ووفاق إرهابي له علاقة بالجرائم الإرهابية وتلقي تدريبات، بأي عنوان كان داخل تراب الجمهورية وخارجه، بقصد ارتكاب إحدى الجرائم الإرهابية، وتكوين تنظيم ووفاق له علاقة بالجرائم الإرهابية، والتحريض على ذلك، واستعمال تراب الجمهورية لانتداب وتدريب شخص أو مجموعة من الأشخاص بقصد ارتكاب إحدى الجرائم الإرهابية، داخل تراب الجمهورية وخارجه، وارتكاب الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة أو حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضاً بالسلاح".
على كف عفريت
وفي سياق متصل، وصف الدبلوماسي السابق عبدالله العبيدي حال البلاد بأنها "على كف عفريت"، وقال إن "تصريحات الرئيس حول التهديدات والاغتيالات قد تزيد الطين بلة"، موضحاً، "المستثمرون لن يغامروا في الاستثمار في بلد غير مستقر ورئيسها مهدد في أي وقت بالاغتيال"، ورأى العبيدي أن "على رئيس الجمهورية طمأنة الرأي العام المحلي والعالمي من خلال الكشف عن التفاصيل"، وتابع أنه "كان على سعيد أن يقول إنهم سيطروا على الوضع حتى يشعر المواطنون بالأمن وإنهم في دولة قوية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ما خص الجانب الدبلوماسي، قال العبيدي، "عادة ما تراسل كل السفارات المعتمدة في تونس السلطات التونسية لطلب توضيحات واستفسارات حول هذه التصريحات الخطيرة"، مبيناً أن "هذه السفارات تقوم بتقارير ترسلها إلى بلدانها من أجل تحذير رعاياها والمحافظة على مصالحها الاقتصادية في تونس".
وكان رئيس الجمهورية قيس سعيد كشف خلال اجتماع مجلس الوزراء، الخميس، 23 ديسمبر (كانون الأول) في قصر قرطاج، أن "ما يدبر في تونس من مؤامرات"، اتهم فيها أطرافاً تونسية وأطرافاً أجنبية، "وصل حدود اقتراح بعضهم الاغتيال".
هيبة الدولة
ورأى المحلل السياسي، الكاتب الصحافي مراد علالة أن لا "مناص من التأكيد على مسائل جوهرية يحيلنا إليها حديث رئيس الجمهورية عن تهديدات تطال شخصه، وتطال مسؤولين في الدولة ومؤسساتها، وعلى رأسها هيبة الدولة وأمنها القومي والخطوات الواجب اتخاذها في مثل هذه الحالات"، مضيفاً أن "رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدتها والضامن استقلالها واستمراريتها وفق الدستور، بالتالي، فهو ملزم الحفاظ على هيبة الدولة وعدم الوقوع في ما قد يُفهم أنه "نشر غسيل" (إن جاز القول أمام الملأ)، وفي المباشر، بالحديث عن تهديدات متكررة بيُسر محبط للعزائم وللمعنويات وحمال لتأويلات وقراءات ومخاوف من وجود خلل ما أفضى إلى التكرار".
ورأى علالة أنه "لا بد من التأكيد على أن الأمر لا يتعلق بالأمن القومي فقط من خلال السلامة الجسدية للمسؤولين واستهدافهم، وإنما عبر ضرب الدولة من خلالهم وتهديد رموزها وكينونتها وأمنها واستقرارها، بالتالي فإن مقترفي جريمة التهديد والشروع في تنفيذه مارقون على القانون وخونة وأعداء يتوجب التعامل معهم على أساس هذه القاعدة".
وتابع المحلل السياسي والكاتب الصحافي، "لا يهم رد الفعل الشعبي فقط تعاطفاً أو تأييداً أو خوفاً أو قلقاً، بقدر ما يهم تعاطي مؤسسات الدولة المعنية بإنفاذ القانون وإقامة العدل، وحسناً فعلت المؤسسة القضائية بفتح تحقيق في ما ورد في تصريحات رئيس الجمهورية لدى إشرافه على مجلس الوزراء الأخير، على أمل أن يقع التسريع في إماطة اللثام عن الحقيقة ومصارحة الشعب بها، لأن تواتر الحديث عن التهديدات من دون الحسم في مرتكبيها قد يخلق حالاً من التراخي، والحال أن القاصي والداني يدرك حجم المخاطر والتحديات".
والأهم في تقدير علالة، الآن، أن "ما كشفه الرئيس هذه المرة تجاوز في خطورته وتفاصيله الدقيقة المرات السابقة، خصوصاً حين تكلم عن مكالمة هاتفية، بالتالي لا نخال أن التداعيات ستكون كالسابق إذا حسمنا الأمر واتجهنا نحو الحفاظ على هيبة الدولة، وصون أمنها القومي وطمأنة شعبها وكشف وجوه أعدائه".