رفعت الحكومة الجزائرية الراية الحمراء تجاه التهرب الضريبي، وقالت إنه بلغ إلى جانب الغش "مستويات لا يمكن التغاضي عنها"، إذ تشير الأرقام إلى أن التهرب قدر بـ 100 مليار دولار، مقابل ارتفاع احتياجات التمويل للتكفل بمتطلبات ميزانية الدولة، في ظل تزايد أعداد سكان الجزائر.
وعلى هامش مناقشة موازنة عام 2022 أمام البرلمان الجزائري، انتقد الوزير الأول ووزير المالية، أيمن بن عبد الرحمن، في تصريحات إعلامية، مردودية الإنفاق الضريبي، الذي قال إنه يكلف الدولة مبالغ ضخمة سنوياً، معتبراً أنه ينبغي أن يقابل بخلق الثروة ومناصب الشغل.
هذا التصريح حيال المقدرات المالية الضائعة، ليس الأول من نوعه، فكل الحكومات السابقة منذ الاستقلال عام 1962 أقرت بوجود تهرب ضريبي، لكنها عجزت عن إيجاد حلول لما يصفه محللون ومتخصصون بـ "الآفة المالية"، إذ يشمل التهرب على وجه الخصوص، الضريبة على الأملاك والرسم على القيمة المضافة وأرباح الشركات والدخل الإجمالي العام والغرامات القضائية ومختلف أشكال التكليفات المفروضة في الجزائر.
تقرير حكومي
ووفق أحدث تقرير، برر مجلس المحاسبة وهو عبارة عن هيئة رقابية حكومية، ضعف الإيرادات المتأتية من الضرائب، على غرار الضريبة على أرباح الشركات والإيرادات العادية والضرائب على الأملاك، بالصعوبات التي تواجهها مصالح الوعاء في تحديد المادة الخاضعة للضريبة، كغياب تبادل المعلومات بين المؤسسات المالية ونقص المتابعات ضد الخاضعين للضريبة المسجلين في البطاقة الوطنية، والتحايل والغش من خلال استخدام أسماء مستعارة أو أسماء لأشخاص متوفين عن طريق التزوير، وذلك من دون ترك أملاك قابلة للحجز، كما أشارت تقارير إعلامية جزائرية.
وكشف التقرير عن لجوء بعض المكلفين لحيل خطيرة في الغش عبر تسجيل أنفسهم بأسماء موتى وأشخاص مفلسين للإفلات من إلزامية التسديد، في المقابل شهدت الإيرادات المتأتية من الضرائب على غرار الضريبة على أرباح الشركات والإيرادات العادية والضرائب على الأملاك ثغرات مخالفة بذلك لمبدأ العدالة الضريبية، بسبب الصعوبات التي تواجهها مصالح الوعاء الضريبي في تحديد المادة الخاضعة للضريبة.
شخصيات وهمية
وفي السياق قال المتخصص الاقتصادي، كاوبي محفوظ لـ "اندبندنت عربية" إن من بين أسباب ارتفاع قيمة التهرب الضريبي هي الشخصيات الوهمية التي كانت تعمل في الاستيراد والتصدير، إذ أنشأت شركات بأسماء مستعارة للحيلولة دون التعرف إلى هويتها، والعديد منهم قاموا بغلق المؤسسات بعد الاستفادة من مزايا هذه العملية التجارية، من دون دفع الأتعاب التي تقع على عاتقهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبرأي كاوبي، فإن الرقم الكبير للتهرب والذي يعود إلى عقود، يصعب تحصيله لأنه غير موجود أساساً، بالتالي يمكن تحصيل ما يعادل 15 أو 20 في المئة من الكتلة المالية التي أشارت إليها الحكومة، موضحاً "الحل في تطهير وتصفية الديون الضريبية، وإحصاء الضرائب التي يمكن تحصيلها والتي تمثل القيمة الصافية القابلة للاسترجاع".
ووفق المحلل الاقتصادي الجزائري، فإن إجراءات الرقمنة التي باشرتها الحكومة قبل نحو 4 سنوات، بدأت تظهر ثمارها ومكنت من تقليص التهرب الضريبي، لكن يبقى ذلك غير كاف والنظام الجبائي في الجزائر لا يزال بحاجة إلى المزيد من الإصلاحات، من خلال المرور إلى السرعة القصوى للوصول إلى المبتغى في تحقيق العدالة بين جميع المؤسسات الاقتصادية حتى تكون قابلة لدفع الضرائب في آجالها القانونية ووقف التعتيم في التعاطي مع النشاط التجاري، حتى لا تلجأ المؤسسات الجادة إلى الحيل والمناورة بسبب المعاملات التفضيلية.
ومن المشاكل الهيكلية التي لا تزال ترهق مصالح الضرائب الجزائرية انخفاض عدد مراكز الدفع وغياب الرقمنة على مستوى أدوات ووسائل التحصيل، وأيضاً ضعف المعلومة الضريبية، إضافة إلى التصريح الخاطئ وتواطؤ بعض الأعوان في مجاراة أصحاب شركات ومؤسسات لتخفيض الأرقام المصرح بها.
وبدأ اهتمام الحكومات الجزائرية المتعاقبة بالتحصيل الضريبي في أعقاب تراجع أسعار النفط في الأسواق الدولية وتقلص عائدات الجزائر من مداخيل المحروقات، وهو ما رفع من مستويات العجز في الميزانية.
وبلغ احتياطي الجزائر من النقد الأجنبي من دون احتساب الذهب، 44.7 مليار دولار بنهاية شهر سبتمبر (أيلول) 2021، في حين قدرت بنهاية العام الماضي حوالى 42 مليار دولار وفق بيانات البنك المركزي الجزائري.
وقبل أيام أعلن رئيس الوزراء الجزائري، أيمن بن عبد الرحمن، تحقيق فائض في التجارة الخارجية للمرة الأولى منذ سنوات، بلغ 1.04 مليار دولار بنهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وقدرت الاحتياطيات الأجنبية الجزائرية ذروتها عام 2014، حين بلغت 294 مليار دولار، لكنها تراجعت بحدة بسبب الصدمة النفطية، وعدم تمكن الحكومات المتعاقبة من كبح ارتفاع كبير في فاتورة الواردات.
وعقب وصوله إلى الحكم عام 2019، وعد الرئيس عبد المجيد تبون، بتنويع الاقتصاد وتعزيز الصادرات غير النفطية وإعادة الاحتياطات الأجنبية إلى النمو مجدداً، ضمن الوعود الـ 54 التي قطعها، في حين تعهد بأن عام 2022 سيكون للإقلاع الاقتصادي الذي لا يزال يعاني من تبعية مفرطة لقطاع المحروقات (النفط والغاز).