أصدرت محكمة في موسكو الأربعاء 29 ديسمبر (كانون الأول)، قرار حظر هو الثاني خلال يومين ضد "ميموريال"، أبرز مجموعة حقوقية في روسيا، على الرغم من التنديدات الدولية.
وأمر القاضي ميخائيل كازاكوف بحل "مركز ميموريال لحقوق الإنسان"، الذي ينظّم حملات مناهضة لانتهاكات حقوق الإنسان في البلاد، بناءً على طلب الادعاء.
وفي وقت سابق الثلاثاء، قضت المحكمة الروسية العليا بإغلاق "ميموريال إنترناشونال"، الهيئة المركزية للمجموعة التي وثّقت عمليات التطهير التي ارتُكبت في عهد ستالين وتحتفظ بأرشيفات الشبكة الواسعة في موسكو.
وندد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ومسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، بحكم الثلاثاء الذي يتزامن مع ارتفاع مستوى التوتر بين روسيا وحلف شمال الأطلسي على خلفية النزاع في أوكرانيا.
وتأتي الأحكام في ختام عام بدأ بسجن موسكو لأليكسي نافالني، أبرز معارض للرئيس فلاديمير بوتين، وتطوي صحفة حقبة إرساء الديمقراطية في البلاد ما بعد الاتحاد السوفياتي، التي مرّ عليها 30 عاماً تماماً الشهر الحالي.
"القمع بنيوي"
واتهم الادعاء مركز "ميموريال" الحقوقي بعدم وضع علامة "عميل أجنبي" على منشوراته بناءً على ما يفرضه القانون على المنظمات التي تحصل على تمويل خارجي، وبتبرير الإرهاب والتطرف.
وتجمّع العشرات من أنصار الهيئة خارج مقر المحكمة وسط برد قارس. وتُعدّ "ميموريال" التي أسسها معارضون للحكم السوفياتي عام 1989، بينهم أندريه ساخاروف، الحائز على جائزة نوبل للسلام، أبرز منظمة حقوقية في روسيا.
وخلال جلسة الأربعاء، اتهم أحد ممثلي الادعاء "ميموريال" بدعم المنظمات "المتطرفة" وتلك المصنفة ضمن "العملاء الأجانب" بشكل "ناشط". وذكّر بأن "ميموريال" هي التي انتهكت حقوق الروس وحرياتهم، متهماً إياها بافتقاد الشفافية.
ويقول مراقبون سياسيون إن موسكو تستخدم تهم التطرف والإرهاب سلاحاً في وجه معارضي بوتين.
وقال في المحكمة، "على مدى العقود الثلاثة الماضية، كانت جميع أنشطتنا هادفة إلى حماية مواطني روسيا ومصالح الدولة الروسية". وتابع، "إذا تم إغلاقنا (المركز) لهذا السبب، فسيثبت ذلك بأن ملاحقة المواطنين لأسباب سياسية هي من بين العوامل البنيوية في حياتنا".
الماضي المأساوي
ورأى الادعاء الثلاثاء أن المنظمة الحقوقية "ترسم صورة زائفة للاتحاد السوفياتي كدولة إرهابية وتشوّه ذكرى الحرب العالمية الثانية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المدير التنفيذي لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" كينيث روث، قال بدوره الثلاثاء، إن "تحرّك الكرملين الآن لإغلاق ميموريال أمر يثير السخط". وأضاف، "إنه يعكس مخاوف الحكومة الروسية التي لم تعُد تتقبل محاسبة ميموريال الصادقة والموضوعية لأفعالها". وتابع، "إذا كانت الصورة في المرآة بغيضة إلى هذا الحد، فعلى الرد أن يكون تغيير السلوك لا تحطيم المرآة".
وتعهّدت "ميموريال" من جهتها استئناف القرار وإيجاد "وسائل قانونية" لمواصلة عملها.
وجاء في البيان أن "ميموريال ليست منظمة ولا حتى حركة اجتماعية". وأضاف أن "ميموريال تجسّد حاجة مواطني روسيا إلى معرفة الحقيقة عن ماضيها المأساوي ومصير ملايين الناس".
ودافع مركز "ميموريال" الحقوقي عن سجناء سياسيين ومهاجرين وغيرهم من الفئات المستضعفة، مسلّطاً الضوء على الانتهاكات، خصوصاً في منطقة شمال القوقاز التي تضم الشيشان.
كما جمع المركز قائمة للسجناء السياسيين تشمل نافالني وأفراد الأقليات المحظورة في روسيا، بما في ذلك شهود يهوه.
إلا أن بوتين انتقد عمل المركز واتهمه بالدفاع عن "المنظمات الإرهابية والمتطرفة".
تنديد دولي
وأثار قرار المحكمة بشأن "ميموريال إنترناشونال" تنديداً دولياً.
وقال وزير الخارجية الأميركي، "يستحق الشعب الروسي، وذكرى ملايين الأشخاص الذين عانوا من القمع إبان الحقبة السوفياتية، أفضل من ذلك".
بوريل رأى بدوره أن "النظر بعين ناقدة إلى الماضي أمر أساسي لتطور المجتمعات وتقدّمها بشكل صحي".
وعبّرت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس الأربعاء عن "قلق كبير" إزاء قرار القضاء الروسي، وكتبت على "تويتر"، "عملت موموريال من دون كلل لعقود لضمان عدم تناسي انتهاكات الحقبة السوفياتية. وإغلاقها يمثل ضربة مروعة أخرى لحرية التعبير في روسيا".
كما أسفت الأمم المتحدة بشدة للقرار الروسي، معتبرةً أن من شأنه أن يضعف أكثر "مجموعة الناشطين الحقوقيين المتضائلة" في البلد.
أما موقع "ميدوزا" الإخباري المستقل، فلفت في مقال إلى أنه "حتى بمعايير عام 2021، يُعدّ إغلاق ميموريال حدثاً استثنائياً ووحشياً".