ملخص
منذ تأسيس جماعة "أنصار الله"، تمركزت "طالبان" الطاجيكية في شمال وشمال شرقي أفغانستان، بخاصة في بدخشان المتاخمة للحدود مع طاجيكستان. وقبل انهيار النظام الجمهوري في أفغانستان، كان أفراد هذه الجماعة ينشطون تحت إطار وحدات "طالبان" المسلحة بقيادة مولوي أمان الدين منصور، وقاري فصيح الدين فطرت.
جماعة "أنصار الله" المعروفة باسم "طالبان طاجيكستان" والتي تأسست قبل 18 عاماً، وعلى رغم قتالها إلى جانب حركة "طالبان" ضد الحكومة الأفغانية السابقة، فإنها اليوم يائسة من عدم قدرتها على تشكيل حكومتها المنشودة في طاجيكستان.
تأسست جماعة "أنصار الله طاجيكستان" في عام 2006 من قبل معارضي الحكومة، وجل أتباعها كانوا من الحركات الإسلامية المتطرفة الطاجيكية، بخاصة أولئك الذين لجأوا إلى أفغانستان وباكستان بعد الحرب الأهلية الطاجيكية (1992-1997).
وأول قادة هذه الجماعة هو أمر الدين طباروف، المعروف باسم الملا عبدالله الطاجيكي. إذ كان طباروف معارضاً للحكومة وأحد أهم القادة العسكريين الإسلاميين خلال الحرب الأهلية الطاجيكية. وبعد الحرب الأهلية وهزيمة الإسلاميين في طاجيكستان، ذهب طباروف إلى أفغانستان وواصل نشاطه من هناك.
وحاول زعيم ومؤسس جماعة "أنصار الله" أمر الدين طباروف أن يعزز صفوف جماعته بالعناصر الجدد وإنشاء حكومة إسلامية من خلال مواجهة الحكومة في طاجيكستان. إلا أنه قُتل في إحدى المواجهات مع قوات الأمن التابعة للحكومة الأفغانية السابقة في قندوز في عام 2015. وبعد ذلك تم اختيار مهدي أرسلان زعيماً لهذه الجماعة. ومنذ تأسيس جماعة "أنصار الله"، لم يتم الإعلان عن هيكلها العسكري وهوية أعضائها وعدد الأشخاص المنتمين لها. إذ نُشرت تقارير استخباراتية إحصائيات مختلفة عن عدد أفراد هذه الجماعة. وذكر بعض هذه التقارير بأن عدد أعضائها يتراوح بين 100 و200 عنصر.
وبعد انهيار النظام الجمهوري الأفغاني وعودة حركة "طالبان" إلى السلطة في كابول، حصل مهدي أرسلان على بعض الصلاحيات العسكرية في المدن الحدودية الأفغانية المحاذية لطاجيكستان. لكن الانتقادات الواسعة لحركة "طالبان" بسبب تعاونها مع الجماعات الإرهابية، والتي كانت تعارض التزام "طالبان" باتفاقية الدوحة للسلام، دفعت حركة "طالبان" الطاجيكية إلى الابتعاد عن المناطق الحدودية الحساسة.
وعلى رغم أن هناك ثلاثة تقارير لمراقبي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة نشرت خلال الأعوام 2022 و2023 و2024 وأكدت وجود جماعات إرهابية أجنبية، من بينها جماعة "أنصار الله" في أفغانستان، إلا أنه لا توجد معلومات دقيقة عن مصير قيادات هذه الجماعة ومن بينهم مهدي أرسلان.
وفي يناير (كانون الثاني) 2024، أفاد راديو "آزادي" طاجيكستان، نقلاً عن مصادره، أن مهدي أرسلان قد اختفى على الطريق الذي يربط بدخشان بكابول، وذلك عندما كان متوجهاً إلى العاصمة الأفغانية للقاء قادة "طالبان".
الغموض يلف "طالبان طاجيكستان"
ومنذ تأسيس جماعة "أنصار الله"، تمركزت "طالبان" الطاجيكية في شمال وشمال شرقي أفغانستان، بخاصة في بدخشان المتاخمة للحدود مع طاجيكستان. وقبل انهيار النظام الجمهوري في أفغانستان، كان أفراد هذه الجماعة ينشطون تحت إطار وحدات "طالبان" المسلحة بقيادة مولوي أمان الدين منصور، وقاري فصيح الدين فطرت. وبعد عودة "طالبان" إلى السلطة، تولى منصور منصب المحافظ في بدخشان وتولى قيادة للقوات الجوية لفترة وجيزة. وأما الآن، فهو قائد مقر 217 في قندوز. بينما فصيح الدين فطرت أصبح رئيساً لجيش "طالبان"، كما أنه أحد الشخصيات القوية غير البشتونية في صفوف "طالبان".
ويُعتبر جمعة خان فاتح، وهو أحد القادة الذي يعملون تحت قيادة فصيح الدين فطرت وأمان الدين منصور، من الشخصيات الأخرى في نظام "طالبان" في بدخشان، وتربطه علاقات وثيقة مع "طالبان" طاجيكستان. ووفقاً لمصادر مطلعة في بدخشان فإن بعض أعضاء جماعة "أنصار الله طاجيكستان" يتواجدون ضمن المجموعة التي تعمل تحت قيادة جمعة خان فاتح، لكن يحظر عليهم العمل على الحدود مع طاجيكستان. وفي يوليو (تموز) 2022، وبعد نشر تقارير حول نقل مسؤولية خمس مدن في محافظة بدخشان الواقعة على الحدود مع طاجيكستان إلى مهدي أرسلان، قال جمعة خان فاتح في مقطع فيديو إن أرسلان والأشخاص الذين تحت إمرته غير موجودين في بدخشان، ونظراً لأوامر زعيم "طالبان" لا يسمح لأحد بخلق تهديد ضد جيران أفغانستان. ووصف فاتح في هذه الرسالة مهدي أرسلان والأشخاص الذين تحت إمرته بـ "المجاهدين المهاجرين"، واستشهد بآية قرآنية بأن "المسلمين أمة واحدة".
ومع ذلك، في السنوات الثلاث الماضية، أعربت حكومة طاجيكستان في أكثر من مناسبة عن قلقها إزاء زيادة نشاط شبكات تهريب المخدرات على الحدود الأفغانية، لكن خلال هذه الفترة، أُبلغ عن اشتباك مسلح واحد فقط مع أعضاء جماعة "أنصار الله". وفي سبتمبر (أيلول) 2023، قالت لجنة الأمن القومي الطاجيكية إن أعضاء "أنصار الله" الثلاثة الذين دخلوا منطقة كوران الطاجيكية من أفغانستان بمعدات وذخائر عسكرية أميركية، قُتلوا في اشتباكات مع حرس الحدود الطاجيكي.
وتُعد طاجيكستان، الدولة الوحيدة في آسيا الوسطى وبين جيران أفغانستان، التي لا تتعامل بشكل علني مع حركة "طالبان"، ورفضت تسليمها السفارة الأفغانية. وكان رئيس جمهورية طاجيكستان إمام علي رحمان قال في الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ بداية عودة "طالبان" إلى السلطة إنه لن يعترف بالنظام الحاكم في كابول حتى يتم تشكيل حكومة شاملة وشرعية في أفغانستان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"طالبان طاجيكستان" على شبكة الإنترنت
وينشط العديد من أعضاء حركة "طالبان" الطاجيكية على تطبيق "تيليغرام". ومن خلال إنشاء قنوات ينشرون رسائل استفزازية ضد حكومة إمام علي رحمان. ونستشف من محتوى هذه القنوات أن عناصر جماعة "أنصار الله" الطاجيكية في حالة ضياع بين إمارة "طالبان" الأفغانية وتنظيم "داعش خراسان".
وتنشر محتويات هذه القنوات باللغة السيريلية، كما ينشر مبشرو جماعة "أنصار الله" رسائلهم باللغة الفارسية أيضاً. وأعادت هذه القنوات نشر مقاطع فيديو لمولوي عبيد الله متوكل، الوجه الملهم لأعضاء "داعش خراسان"، والذي قُتل في كابول بعد أسابيع قليلة من عودة حركة "طالبان" إلى السلطة في أفغانستان. وكان عبيد الله متوكل يدرس في كلية أصول الدين بجامعة كابول حتى عودة "طالبان" إلى السلطة. كما أنه اعتُقل وسُجن من قبل جهاز الأمن القومي السابق في أفغانستان بتهمة تجنيد العناصر لمصلحة "داعش". ودافع عبيد الله متوكل في خطاباته علناً عن تشكيل حكومة "على أساس إطار الخلافة الإسلامية"، وكان أحد منظري "داعش خراسان"، والذي لا تزال أشرطة الفيديو الخاصة به متداولة بين أفراد هذه الجماعة.
وكان ظاهر داعي أيضاً، أحد أساتذة كلية أصول الدين بجامعة كابول، إذ اعتقله الأمن القومي في الحكومة الأفغانية السابقة وسجنه بتهمة الدعاية لمصلحة "داعش خراسان". وفر ظاهر داعي من أفغانستان بعد سيطرة "طالبان" على أفغانستان، ولا توجد معلومات عن مكان وجوده خلال السنوات الثلاث الماضية. يذكر أن نشر مقاطع فيديو وخطابات مبشري تنظيم "داعش خراسان" المعروفين محظورة في وسائل إعلام نظام "طالبان"، إلا أن أعضاء جماعة "أنصار الله" ينشرون مقاطع الفيديو هذه بشكل متكرر.
وقال أحد أعضاء "أنصار الله" في مقطع فيديو نشره عبر قناته على الـ "تيليغرام": "إلى متى تنتظر هذه الأمة؟ لقد انتظرنا 30 عاماً وأخيراً أصبح الوضع أسوأ".
كما يتم تداول عشرات الفيديوهات على قنوات أعضاء جماعة "أنصار الله" للداعية المتشدد الطاجيكي قاري يوسف، والذي يدعو للقتال في طاجيكستان. ويظهر قاري يوسف بالزي العسكري في بعض مقاطع الفيديو وهو جالس على طاولة وخلفه رفوف من الكتب. ولا يُعرف المكان الذي يعيش فيه هذا المتطرف، لكنه ينشط بشكل حر على وسائل التواصل الاجتماعي مثل "يوتيوب" و"تيك توك" و"فيسبوك" و"إنستغرام" و"تيليغرام".
وفي أفغانستان، هناك مطالبات باتباع الملا هبة الله أخوند زادة الذي يعتبر نفسه "أمير المؤمنين" ويصر على استمرار الإمارة في الحكم إلى يوم القيامة. كما هناك مطالبات بدعم تعزيز الجهاد العالمي الذي يقوده تنظيم "داعش خراسان" ومحاربة عموم غير المسلمين.
وفي هذا السياق، وفقاً لتقرير مراقبي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، انضم العديد من أعضاء الجماعات الإرهابية الدولية المتمركزة في أفغانستان، بما في ذلك الحزب الإسلامي لتركستان الشرقية، والحركة الإسلامية في أوزبكستان، إلى تنظيم "داعش خراسان"، لكن الوضع بالنسبة لجماعة "أنصار الله" الطاجيكية غير واضح. وبناءً على ما يُعرض في قنوات هذه الجماعة تبين أن أعضاءها في حيرة من أمرهم. كما تقول المصادر في بدخشان إنه بسبب غموض مصير مهدي أرسلان المعتقل على ما يبدو لدى حركة "طالبان"، تفكك التنظيم العسكري لهذه الجماعة وأصبح بعض أعضائها يمارسون حياتهم اليومية في أفغانستان وينشطون في الأسواق المحلية.
وقال مصدر مطلع في مدينة نسى، إنه يعرف عدداً من أعضاء جماعة "أنصار الله" تزوجوا من نساء أفغانيات ومنشغلين حالياً بالعمل في الأسواق المحلية، إلا أن هناك عدداً آخر من أعضاء هذه الجماعة يواصلون الحديث عبر قنوات الـ "تيليغرام" عن استمرار الأنشطة المناهضة لحكومة إمام علي رحمان ويزعمون أن الحكومة في طاجيكستان ليست إسلامية.
نقلاً عن "اندبندنت فارسية"