في بداية عام 2021 استبشرت نساء غزة خيراً بزيادة تمثيلهن في الحياة السياسية والاقتصادية أو الاجتماعية، لكن مع نهاية السنة أدركن أنهن بقين في القاع، ولا زالت الجهات الحكومية لا تسمع مطالب المراكز النسوية التي تنادي برفع نسبة تمثل المرأة وضمان حصولها على حقوقها في القطاع المحافظ والذي يتوارث عاداته وتقاليده حتى اليوم.
واعتبرت الحركة النسوية أن العام الذي شارف على الانتهاء مجرد تتمة لسنوات عجاف ألقت بثقلها على نساء غزة، اللواتي لا زلن يعانين الاضطهاد المزدوج الناتج من تبعات الموروث الثقافي والاجتماعي، إذ سجل ما مجموعه 27 حالة قتل لنساء في الأراضي الفلسطينية، واستمرت ظاهرة الزواج المبكر للصغيرات فوصلت إلى 24 في المئة من إجمالي الفتيات اللواتي عقدن قرانهن، إضافة لفجوة مشاركتهن في الحياة السياسية والقوى العاملة.
تقول مدير طاقم شؤون المرأة نادية أبو نحلة إن 2021 كان عاماً صعباً على النساء، ولم يشهد تقدماً كبيراً في كثير من الملفات التي تنادي بها الحركة النسوية، إذ لا زلن يعانين سوء أوضاعهن الاجتماعية والاقتصادية بشكل أكبر مما كن عليه في السنوات الماضية، وتدهورت خلال هذه السنة حقوق النساء وسط تعرضهن للقتل والتعذيب.
تهميش سياسي
وتضيف، "كنا نتوقع تحقيق الانتخابات لنرى بشكل حقيقي نسبة مشاركة المرأة وقبولها في المجتمع السياسي، وسط غياب لمشاركة النساء في ترؤس مناصب عليا داخل الأحزاب والتنظيمات، الأمر الذي بات مؤكداً أن هذه الفصائل لم تؤمن بضرورة مشاركة المرأة".
في الواقع، لم تحقق النساء أي شيء من مطالبهن في الحياة السياسية، إذ طالبت المؤسسات المعنية بحقوقهن زيادة تمثيلهن في القوائم الانتخابية إلى الحد الأدنى بنسبة 30 في المئة بدلاً من 20، في وقت كان هناك حديث عن نية الذهاب إلى صناديق الاقتراع هذا العام، لكن القيادة الفلسطينية حاولت المراوغة معهن، فرفعت نسبة تمثيل المرأة في القوائم إلى 26 في المئة.
في المقابل، تقول مسؤولة مفوضية المرأة في حركة فتح نهى البحيصي إن هذه الـ "كوتا" جاءت مخيبة لآمال النساء ومخالفة للقوانين الفلسطينية، ومتضاربة مع اتفاق "سيداو" والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وتتعارض مع قرار المجلس المركزي (أعلى سلطة فلسطينية) وتخالف ميثاق الشرف الذي وقعت عليه الفصائل.
وكانت الحركة النسوية متوقعة استمرار تهميش المرأة في الحياة السياسية، بخاصة عندما رفض السياسيون إشراكهن في حوارات القاهرة المتعلقة بقضايا الانتخابات، وانعكس ذلك على البيانات الختامية التي لم تظهر فيها النساء إطلاقاً. وترى البحيصي أن القيادات السياسية هي السبب في عدم تبني وجهة نظر المرأة، لأن المجتمع لا يتقبل وجود المرأة في مواقع القيادة والتصدر.
وتضيف، "النساء غبن عن جميع ملفات الحوار الوطني والمصالحة ولم يشاركن فيها، والمشكلة لدى الأحزاب السياسية والقيادة الفلسطينية التي ما زالت تعتقد أن دور المرأة إنجابي فقط، على حساب مشاركتها السياسية والاجتماعية، لذلك نحن نعيش تحت هيمنة وسيطرة العقلية الذكورية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا زالت النساء تحرم من المشاركة في مراكز صنع القرار السياسي سواء على المستوى الرسمي أو الحركي، ووفقاً لبيانات جهاز الإحصاء الفلسطيني (مؤسسة حكومية) فإن النساء يشغلن فقط 5خمسة في المئة من أعضاء المجلس المركزي (أعلى سلطة فلسطينية)، و13 في المئة من مجلس الوزراء هن نساء، و11 في المئة نسبة السفيرات في السلك الدبلوماسي، كما أن هناك امرأة واحدة تشغل منصب محافظ.
تمييز اقتصادي
الأمر غير مقتصر بالنسبة إلى النساء على ضعف المشاركة السياسية وحسب، بل حتى واقعهن الاقتصادي سيء جداً، إذ انخفضت نسبة مشاركة المرأة في العمل إلى 16 في المئة خلال العام الذي نودع أيامه، في حين كانت 18 في المئة عام 2020.
وحتى العاملات من النساء يواجهن معضلة تدني الأجور، فبحسب جهاز الإحصاء الفلسطيني فإن ربع النسوة العاملات يتقاضين أجراً أقل من الحد الأدنى للأجور والمقدر بقيمة 500 دولار، ونحو 45 في المئة منهن يمارسن أعمالهن من دون عقد عمل تنتج منه حقوق مكفولة.
ضعف مشاركة المرأة في سوق العمل انعكس أيضاً على تمثيلها ومشاركتها في النقابات، إذ لم تتجاوز نسبتها تسعة في المئة من رؤساء وأعضاء منظمات نقابية مسجلة في وزارة العمل، وترجع النسوة السبب في عزوفهن عن الأعمال النقابية بسبب تدني الأجور وعدم تكافؤ الفرص وتعرضهن للعنف والتحرش، وعدم وجود خطط لتخفيف الأعباء عنهن.
وتقول الباحثة في معهد دراسات المرأة رولا أبو دحو إن فرص العمل باتت ضعيفة جداً في السوق الفلسطينية، بعد تدمير إسرائيل القطاعات التقليدية للعمل النسائي مثل الصناعة والزراعة، لذلك باتت النساء مكشوفات تماماً في مجالات العمل، وهن بلا حماية قانونية أو مجتمعية.
وتضيف، "خلال الفترة الأخيرة ارتفعت معدلات البطالة كثيراً حتى وصلت 75 في المئة، وباتت فرص العمل المعروضة قليلة جداً، وفي أغلب الأحيان يفضلن رؤساء العمل الرجال عن النسوة في تأدية المهمات المطلوبة منهن، وذلك لغياب قانون ينظم سوق العمل وآلياته".
قتل وعنف وغياب للقوانين
وفي مؤشر آخر، تواصل العنف ضد النساء، ففي عام 2021 قتلت 27 امرأة في الأراضي الفلسطينية، في ظل عجز قانوني وحقوقي رسمي لوقف هذه الظاهرة أو التقليل منها، ولا تخفي الحركة النسوية تخوفها من وقوع مزيد من العنف عليهن وسط غياب إرادة سياسية للتغير الحقيقي المرتكز على القوانين أساساً.
ورصدت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان تعرض 37 في المئة من النساء لمختلف أشكال العنف، ووفاة 10 في ظروف غامضة، وسبع حالات انتحار، و28 حالة تعذيب لسجينات في معتقلات السلطات الفلسطينية أثناء التحقيق معهن أو نتيجة مخالفتهن تعليمات السجن، إضافة إلى 48 شكوى متعلقة بالإهمال الطبي.
وتقول المحامية في مركز شؤون المرأة هنادي عكيلة، إن القانون يفتقر إلى نصوص تحمي المرأة من العنف، ولا يوجد نص واضح يعالج تلك الظاهرة، والقوانين الحالية جرت صياغتها في زمن الحكم العثماني، وباتت لا توفر حماية حقيقية للنساء ضحايا العنف والناجيات منه، وفيه يفلت الجاني من العقوبة خصوصاً في الجرائم التي تجري على خلفية الشرف".
وتوضح أنه "على الرغم من وجود مشروع قانون ينظم حماية الأسرة ويعاقب مرتكبي العنف، إلا أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لم يقره بعد، وهذا يعطي مزيداً من الوقت لوقوع ضحايا جدد من النساء للعنف، ليفلت المرتكب من العقاب".