أثناء زيارته العراق، تحدّث وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، عن عرض بلاده عقد اتفاق "عدم اعتداء" بينها وبين الدول الخليجية العربية، وعبّر عن رغبتها في بناء علاقات متوازنة مع كل الدول الخليجية، واستعداد بلاده لتلقي أي مبادرة تساعد على خفض التصعيد، وتكوين علاقات بنّاءة مع دول الجوار.
وهنا يثور التساؤل حول جدوى المقترح الإيراني، ومدى جديته وأهدافه. ولا شك في أن العرض الإيراني، جاء في سياق التحركات الدبلوماسية، التي نشط بها أخيراً جواد ظريف ومساعده عباس عراقجي في عدد من الدول الآسيوية، ثم الدول العربية كالعراق وباكستان، لمواجهة التصعيد الأميركي الأخير.
هذه ليست المرة الأولى، التي تتقدم فيها إيران بمقترح حول علاقتها بدول الخليج، لكن هذه المرة تأتي الدعوة مقتضبة، ومقتصرة على اتفاق "عدم اعتداء". سابقاً كانت تتضمن دعوات إيران للأمن والتعاون مع جيرانها محاور عدة تتراوح ما بين الاقتصادي والأمني والسياسي، تكررت المحاور نفسها مع مختلف الحكومات الإيرانية، متشددة كانت أم إصلاحية.
ففي عهد الرئيس الأسبق أحمدي نجاد، قدَّمت حكومته مقترحاً لإنشاء نظام أمني في الخليج، بما في ذلك وكالة للتعامل مع قضايا الأمن الإقليمي، ومجلس للتعاون الاقتصادي، لتوسيع العلاقات الاقتصادية. فقد طرح نجاد في خطابه إلى قمة دول مجلس التعاون الخليجي، التي عقدت في الدوحة ديسمبر (كانون الأول) 2007، فكرة تأسيس منظمة مشتركة بين إيران والدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، وقدَّم سلسلة من المقترحات للاقتصاد الجماعي والتعاون الأمني، ووضع أسس إطار معاهدة الدفاع الجماعي، وإنشاء نظام للأمن الإقليمي من خلال التعاون الجماعي المشترك بين دول المنطقة. كان هدف نجاد حينها إرسال تطمينات تتعلق بالمشروع النووي الإيراني، الذي أُعلن عنه خلال تلك الفترة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي بداية عهد الرئيس الحالي حسن روحاني، وفي أثناء محاولة إدارته تقديم وجه تعاوني انفتاحي على المنطقة والغرب لتشجيع رفع العقوبات وإتمام الاتفاق النووي، هذا الطرح كان قد قدّمه ظريف عام 2013، عبّر فيه عن مشروع للتعاون الإقليمي، أكد فيه ضرورة بناء إطار شامل للثقة والتعاون. كما جدد التصوّر الإيراني بأن أي ترتيبات إقليمية يجب أن تقتصر على الدول الخليجية الثماني، مؤكداً أن التعاون ليس على حساب أي طرف آخر، وأن إيران تنتوي العمل على توفير أكبر قدر من الأمن، إذ لديها إدراك كبير للمصالح المتنوعة، التي تنطوي عليها المنطقة.
الملاحظ، عدم وجود فرق بين محاور المشروعين الإيرانيين المقدمين من رئيسين ذوَي توجهات مختلفة، فكل منهما ركّز على التعاون الإقليمي، الذي يرتكز على التعاون الاقتصادي، الذي يعد هدفاً رئيسياً لإيران لتعزيز اقتصادها.
لكن، كانت تقابل دول الخليج الدعوات الإيرانية بحذر شديد، فما زال هناك كثير من القضايا العالقة بين الطرفين، التي تعكس نيات إيرانية تسعى إلى الهيمنة.
لكن، دعوة ظريف الأخيرة، التي تزامنت مع التحركات العسكرية الأميركية، جاءت كنوع من المناورة السياسية، والالتفاف على الضغط الأميركي، بإرسال تطمينات إلى دول الخليج. لكن الدعوة لم تكن جادة، وإلا كانت تشتمل على عدد من الأسس، التي تحوي تهدئة الأوضاع في المنطقة بشكل عام، خصوصاً الملفات المنخرطة بها إيران كاليمن، والتوقف عن استعراضات القوة، التي تقوم بها في الخليج عبر زوارق الحرس الثوري، وتقديم إخطار مسبق للدول الخليجية عند إجراء المناورات العسكرية والتدريبات أو اختبار إطلاق الصواريخ الباليستية.
إن أي دعوة إلى التعاون الأمني الإقليمي لا بد أن تقوم على احترام عدة مبادئ في بدايتها احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والتزام مبدأ حسن الجوار. فبداية من أجل إنشاء ترتيبات أمنية إقليمية فعالة، لا بد من بناء تدابير الثقة لتسوية النزاعات وردع الصراع، من أجل إيجاد سبيل للخروج من أزمات المنطقة، وإدماج إيران في علاقات طبيعية.