مجدداً عاد التوتر ليخيم على الحدود بين غزة وإسرائيل، وذلك إثر تصعيد متبادل شهدته الساعات الأخيرة، وصل لحد شن الطيران الحربي الإسرائيلي ليل السبت-الأحد 2 يناير (كانون الثاني) غارات، قال إنها استهدفت مواقع عسكرية لحركة "حماس" في جنوب القطاع، رداً على صاروخين أطلقا من غزة وسقطا في البحر قبالة ساحل تل أبيب.
وفيما يتوقع مراقبون ألا تتطور الأمور لتصل لحد تكرار مشاهد حرب مايو (أيار) الماضي، التي استمرت 11 يوماً، وتسببت في خسائر بشرية ومادية واسعة، أفادت مصادر مصرية لـ"اندبندنت عربية" بأن القاهرة كثفت جهودها مع الطرفين لاحتواء التصعيد ووقف إطلاق النار، مرجحة استعادة الهدوء مجدداً خلال الساعات المقبلة.
وفي حرب مايو الماضية، رعت القاهرة اتفاقاً لوقف إطلاق النار بين الطرفين، تم الوصول إليه بعد جولات مكوكية لمسؤولين أمنيين مصريين، وهو الدور الذي لطالما تقوم به مصر، طوال الحروب الأربع التي شهدها قطاع غزة منذ سيطرة "حماس" عليه في عام 2007.
استعادة مرتقبة للهدوء
وبحسب المصادر "دخلت القاهرة على خط الوساطة منذ صباح السبت، وذلك بعد إعلان السلطات الإسرائيلية، إطلاق صواريخ من القطاع وسقوطها باتجاه تل أبيب"، مضيفاً، "أخبرت الفصائل الوسطاء المصريين بأن الحادث عرضي، وعليه نقلت القاهرة الرسالة للإسرائيليين وطالبتهم بضرورة وقف التصعيد وتجميد الضربات العسكرية لمنع تفاقم الوضع بين الطرفين"، وهي الرسالة نفسها التي أرسلت لمسؤولي حركة "حماس"، "بضرورة ضبط النفس ومنع تصاعد الموقف".
ووفق مصدر مصري، فإن "تحرك القاهرة هدف إلى سرعة احتواء الموقف قبل خروج الأوضاع عن السيطرة، والعودة إلى وقف فوري وغير مشروط للتصعيد، وهو ما يلقى قبولاً من الأطراف ومن المرجح عودته خلال الساعات المقبلة".
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية، بأن مصر دخلت بين الإسرائيليين و"حماس" لمنع تدحرج الأوضاع الأمنية وخروجها عن السيطرة. ووفق ما ذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن مصادر عسكرية، فإن "إعلان إطلاق الصواريخ بسبب الظروف الجوية شأن لا يعنيه، وإن حادث إطلاق الصواريخ من القطاع نحو شواطئ تل أبيب حدث خطير وسيتم التصرف على هذا الأساس".
بدورها نقلت صحيفة "يديعوت أحرنوت" عن مصادر أمنية إسرائيلية لم تسمها، أن القاهرة "حاولت إقناع تل أبيب باحتواء حادث سقوط الصاروخين، كما حاولت كذلك إقناع الفصائل الفلسطينية بضبط النفس"، إلا أن إسرائيل وفق المصادر، "أرسلت رسالة للوسطاء المصريين مفادها بأنها تأخذ إطلاق الصواريخ من غزة على محمل الجد"، وهو الأمر الذي استدعى الرد وإن كان "محدوداً".
وفجر الأحد، شن الطيران الحربي الإسرائيلي غارات على مواقع عسكرية لحركة "حماس" في جنوب القطاع، ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر أمني فلسطيني، قوله إن "الطيران الإسرائيلي نفّذ عدواناً جديداً بعد منتصف الليل على قطاع غزة، إذ أطلق عشرة صواريخ على موقع القادسية (التابع لكتائب القسّام، الجناح العسكري لحماس) غرب خان يونس، أوقعت أضراراً مادية جسمية من دون إصابات بشرية"، مضيفاً أن المدفعية الإسرائيلية "استهدفت موقعين ميدانيين للرصد شمال غربي بلدة بيت لاهيا في شمال القطاع ما أحدث أضراراً أيضاً، من دون أن يبلغ عن وقوع إصابات".
وذكر شهود أن المضادات الأرضية أطلقت النار باتجاه الطائرات الإسرائيلية التي نفذت الغارات.
وجاءت تلك التطورات بعد أن أطلق صاروخان (لم تعلن أية جهة مسؤوليتها عنهما) من قطاع غزة يوم السبت، سقطا في البحر قبالة سواحل تل أبيب، بحسب الجيش الإسرائيلي، الذي أوضح في بيان أن صفارات الإنذار لم تنطلق ولم يتم تشغيل نظام التصدي للصواريخ.
وأصيب الأربعاء الماضي ثلاثة فلسطينيين جراء قصف مدفعي إسرائيلي استهدف مواقع فلسطينية، قرب الحدود الشرقية والشمالية لغزة، عقب إصابة مستوطن إسرائيلي جراء تعرضه لإطلاق نار من قبل فلسطينيين، شمال القطاع.
"رد محدود" أم تصعيد مرتقب؟
بحسب مراقبين وتقارير الصحافة الإسرائيلية، فإن الرد الإسرائيلي على صواريخ القطاع، حتى وإن كان ضرورياً من وجهة النظر العسكرية الإسرائيلية، إلا أنه سيكون محدوداً، لتفضيل تل أبيب في الوقت الراهن خيارات التهدئة وانشغالها بالملف النووي الإيراني.
ومستبعداً التصعيد، يقول أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس المفتوحة، "استهدف القصف الإسرائيلي مواقع خالية في القطاع، ما يشير أن الإسرائيليين غير معنيين بالتصعيد وخروج الأمور عن السيطرة، مع الأخذ في الاعتبار حرصهم على الرد حتى ولو بشكل محدود".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف الرقب، "جميع الأطراف تريد الحفاظ على الهدوء، لذلك لا أتوقع تصعيداً من كلا الطرفين، وقصف الجيش الإسرائيلي لقطاع غزة كان هدفه بالأساس تخفيف الضغط على حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت".
من جانبه، يرى إبراهيم المنشاوي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، أن "السياقات الإقليمية والاهتمام غير المسبوق من الجانب الإسرائيلي بالملف النووي الإيراني وتطوراته، يقود في النهاية لعدم رغبة الإسرائيليين في التصعيد مع قطاع غزة، أو تكرار حرب مايو الماضية"، وتابع "من وجهة النظر الإسرائيلية فإن التطورات الأخيرة مع غزة كانت تتطلب رداً، وإن كان محدوداً لحفظ ماء الوجه، مع الأخذ في الاعتبار عدم الانجرار لتصعيد غير محسوب التداعيات". في المقابل وبحسب المنشاوي، "لا تريد الفصائل تصعيداً في ظل الظروف الصعبة التي يعانيها القطاع، وكذلك حرص القاهرة على حلحلة أي توترات طارئة قد تنشب واستعادة الهدوء".
بدورها، ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أنه بعد الاجتماع الأمني الذي عقده رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي، السبت، لتقييم الوضع عقب إطلاق صاروخين من غزة سقطا في البحر قبالة تل أبيب، جرى النظر في شن هجوم على القطاع، مضيفة "خلال المناقشة بحث الضباط خيارات الهجوم رداً على ذلك".
وأضافت الصحيفة، أن "السلطات الإسرائيلية كانت بين خيارين: الأول تفضيل عدم الانجرار إلى التصعيد والحفاظ على وقف إطلاق النار، ومن ناحية أخرى عدم الاستمرار بضبط النفس خشية تكرار مثل تلك الحوادث الخطيرة وغير المقبولة، كما كان في حادثة إطلاق النار يوم الأربعاء". مشيرة إلى أن القادة الإسرائيليين توصلوا لضرورة الرد، حتى بعد تسلمهم رسائل من حركة "حماس" عبر الوسطاء المصريين، تفيد بأن إطلاق الصاروخين من قاذفة للحركة كان خطأ".
الحملة العسكرية الرابعة
وكانت غزة قد شهدت حملة عسكرية إسرائيلية في مايو الماضي كانت الرابعة منذ سيطرت "حماس" على السلطة فيها في 2007، وأسفرت عن مقتل أكثر من 250 فلسطينياً، وتدمير عديد من البنى التحتية في قطاع غزة المكتظ بالسكان. وفي يومها الـ11 تمكنت القاهرة من رعاية وقف لإطلاق النار والتوصل لهدنة أعلن عنها في 12 مايو، سمحت بموجبها إسرائيل بفتح جزئي لمعابر القطاع وإدخال الاحتياجات الإنسانية الأساسية مع الإبقاء على قيود واسعة على الواردات وعمليات التصدير.
وطوال الأشهر الماضية، لم تشن الطائرات الإسرائيلية هجمات على مواقع في غزة، سوى في السابع من سبتمبر (أيلول) الماضي، إثر ما أعلن الجيش الإسرائيلي حينها، رداً على إطلاق بالونات حارقة على مستوطنات وبلدات إسرائيلية. في المقابل، وبحسب التقرير السنوي للجيش الإسرائيلي المنشور في 29 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فإنه ومنذ وقف إطلاق النار الأخير، لم يطلق من قطاع غزة باتجاهها سوى خمسة صواريخ.