أنهى المؤيدون لأحدث مسح عالمي لـ"ماكينزي" حول الاقتصاد عاماً متفائلاً إلى حد كبير مع توقعات إيجابية في الغالب للعام الحالي 2022. وتأتي هذه التوقعات المتفائلة نسبياً، سواء بالنسبة للاقتصاد العالمي، أو لدول المستطلعين، على الرغم من تجدد المخاوف من عودة الإغلاقات على وقع تفشي متحورة "أوميكرون" في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأميركا الشمالية، حيث تم الإبلاغ عن ارتفاع أعداد الحالات منذ أوائل أكتوبر (تشرين الأول) 2021. وبحسب مسح "ماكينزي" يشكل التضخم تهديداً اقتصادياً مُلحّاً.
وتوقع غالبية المستجيبين لمسح ماكينزي (57 في المئة) تحسن الاقتصاد العالمي واقتصادات بلدانهم في الأشهر الستة المقبلة، على الرغم من انخفاض هذه النسبة منذ الصيف. وتتشابه حصص المستجيبين الذين توقعوا حدوث تحسن اقتصادي، على الصعيدين العالمي والمحلي، في الحجم مع تلك الواردة في استطلاع ديسمبر (كانون الأول) 2020 الذين توقعوا حدوث تحسن. المستجيبون في الهند والصين وآسيا والمحيط الهادي هم الأكثر تفاؤلاً، حيث إن أكثر من ثلاثة أرباع كل من هذه المناطق يتوقعون حدوث تحسن في بلدانهم، في حين 26 في المئة فقط في أميركا اللاتينية يقولون الشيء نفسه.
ولكن ماذا عن الشرق الأوسط، فهو جزء لا يتجزأ من العالم، وليس بمعزل عمّا يواجهه العالم اليوم من تحديات، وأبرزها متحورات كورونا، بخاصة مع عودة الإصابات بالوباء إلى الارتفاع في بلدان المنطقة، وإن كانت منخفضة جداً مقارنة بالأرقام القياسية المسجلة في دول أوروبية، مثل بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وكذلك في الولايات المتحدة. وهناك أيضاً تحديات جيوسياسية، وأخرى اقتصادية ترتبط بأزمة سلاسل الإمداد والشحن ومستقبل قطاع الطيران والسفر القاتم مع تنامي القلق من ولادة متحورات أكثراً فتكاً هذا العام.
أزمة الطاقة ستلقي بظلالها على المنطقة
يقول ديفيد بيرنز، رئيس مجلس إدارة مجلس الأعمال الإنجليزي في الإمارات، وهو مجلس يضم في عضويته مئات الشركات الإنجليزية النشطة في مختلف القطاعات التجارية والاقتصادية، لـ"اندبندنت عربية"، إن "المشكلة ليست في التحديات، فالعالم بأسره يواجه المشكلة نفسها، وهي فيروس كورونا ومتحوراته، وأزمة سلاسل التوريد وغيرها".
وأضاف بيرنز، أن "القضية تتعلق بكيفية مواجهة تلك التحديات"، لافتاً إلى أن "هناك أزمات سياسية في المنطقة، وأيضاً هناك أزمة بدأت تبرز في المنطقة، حيث تؤيد دول تعزيز التجارة مع إسرائيل، وهو ما ترفضه دول أخرى".
وتوقع أن هناك أيضاً نزاعات في المنطقة مرتبطة بتوزيع الثروات. كما أن أزمة الطاقة في أوروبا بخصوص إمدادات الغاز الروسية وارتفاع أسعار الطاقة في المملكة المتحدة سيكون لها بالتأكيد تداعيات. ويضيف بيرنز، أنه لا بد أن يكون هناك حوار على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتحديد كيفية المضي قدماً، وبالتأكيد يجب أن يتم ترتيب مؤتمر يناقش الطاقة والأزمات السياسية في المنطقة وكيفية استجابتها لجائحة كورونا ومتحوراتها.
وأضاف، "هناك تصور عالمي بأن هناك دولاً في المنطقة نجحت في التصدي للوباء، وهناك دول لم تبذل جهوداً كافية في مواجهة الجائحة لأن هذه الدول تفتقد الموارد".
وقال، "أعتقد أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ستمر بأوقات عصيبة هذا العام بسبب قضية تنويع الموارد في كل دولة، فالبعض يمتلكها، والبعض الآخر لا يمتلكها. هناك أيضاً قضية اللاجئين سيكون من الصعب السيطرة عليها وهناك قضية إيران والوضع القائم في العراق وليبيا واليمن. الوباء لم ينتهِ بعد، و(أوميكرون) ستكون مدمرة لبعض الدول في المنطقة، وليس كل الدول. أتوقع رؤية مزيد من المتحورات، و(أوميكرون) لن يكون آخرها، وقد نرى مزيداً من الإغلاقات، بالتالي المزيد من التطعيمات المعززة. المنطقة ستبقى صامدة في مواجهة هذه التحديات، ولكن لا بديل عن فتح باب الحوار لحل القضايا العالقة في المنطقة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المخاطر الجيوسياسية والتنمر الإيراني
من جانبه، رصد وضاح الطه، عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد "تشارترد للأوراق المالية والاستثمار"، أبرز التحديات السياسة والاقتصادية التي تواجه المنطقة، حيث قال: "هناك مخاطر جيوسياسية نحتاج إلى أن نراقبها في عام 2022، قسم منها ذات طبيعة إقليمية تتعلق بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والقسم الآخر دولي قد يكون له انعكاسات قوية أو متفاوتة على الدول المنطقة في حالة حدوثها". وأضاف: "أهم ملف كان له تأثير على المنطقة في نظري هو الملف النووي الإيراني، حيث يبقى النظام الإيراني متمرداً على كل العالم وعلى علاقات حسن الجوار وعلى العلاقات الدولية، وفي الحالتين، سواء تم التوصل إلى اتفاق بشأن برنامج إيران النووي أم لا، فإن هناك تداعيات سلبية. وفي حالة التوصل إلى اتفاق أعتقد أن ذلك لن يرضي إسرائيل، وقد يتسبب ذلك في مواجهة ستكون لها تداعيات على دول المنطقة، وفي حال عدم التوصل لاتفاق سيكون هناك مزيد من التنمر الإيراني، وسيضغط على المنطقة عبر وكلاء إيران المنتشرة في العراق ولبنان واليمن وسوريا".
ويضيف الطه، "الموضوع الآخر هو أزمة الليرة التركية، ففي حال خرج الموضوع عن السيطرة، فقد يؤدي ذلك إلى عدم استقرار سياسي في تركيا ستكون له تداعيات، بخاصة أن تركيا دولة محورية إقليمية في المنطقة، كما سيؤثر ذلك أيضاً على التبادلات التجارية بين تركيا ودول المنطقة".
أزمات ليبية عراقية وشبح "داعش"
وتحدث الطه عن تحدٍّ آخر يكمن في تشكيل حكومة في العراق قادرة على تسيير الأمور والقلق من استمرار رفض الخاسرين الموالين لإيران لخسارتهم في الانتخابات، على الرغم من صدور قرار من المحكمة الاتحادية العليا في العراق برفض الدعوى التي تقدم بها أحد الأطراف الخاسرة في الانتخابات. ويقول الطه إن "هناك قلقاً أيضاً من التدخلات الإيرانية في صياغة شكل الحكومة العراقية القادمة، وكذلك تحديات الاستقرار مع عودة ملامح تنظيم (داعش) للعراق، مما قد يعيد البلاد لحالة من الفوضى، وهو سيناريو لا يزال قائماً". ويضيف الطه، "هناك معضلة ليبيا أيضاً، وتداعيات تأجيل الانتخابات، والتي قد تقود للتصعيد والعنف الأهلي، وقد تؤثر على إنتاج النفط الليبي، حيث تراجع إنتاج النفط سيكون له تداعيات إقليمية إلى حد ما".
أزمات دولية
أما دولياً، فيتصدر التوتر القائم بين روسيا وأوكرانيا الأزمات الدولية. ويقول الطه إن "الحشد العسكري الروسي على الحدود الأوكرانية هو بمثابة درس أو (شدّة أُذن) للحكومة الأوكرانية، على الرغم من أن روسيا تزود أوكرانيا بالغاز عبر خط أنابيب، كما أبعدت روسيا خطي أنابيب (نورد ستريم) الشمالي والجنوبي عن أوكرانيا، فهما لا يمران عبر الأراضي الأوكرانية، بل عبر بحر البلطيق (تحت البحر)، وباستطاعة روسيا حرمان أوكرانيا من الغازالروسي، وجعلها في وضع في غاية السوء".
الملف الأميركي - الصيني
ويرى عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد "تشارترد للأوراق المالية والاستثمار"، أن الملف الأميركي الصيني من الملفات التي تحتاج للمراقبة هذا العام، ويقول: "تحت هذا العنوان هناك أكثر من ملف ساخن، حيث لا يزال ملف النزاع التجاري قائماً، وهناك ملف التوترات في تايوان وتزويد الولايات المتحدة لتايوان بالسلاح، والتوتر في بحر الصين الجنوبي ورغبة الصين في الهيمنة، حيث تعتبره بحراً داخلياً، وهو ما ترفضه الولايات المتحدة ودول الجوار، إضافة إلى ملف الإيغور وانتهاكات الصين لحقوق المسلمين الإيغور. ويرى الطه أن هذه الملفات مهمة وتحتاج إلى مراقبة حثيثة من قبل المستثمرين والمحللين في الفترة القادمة.
النفط و"أوبك+"
كل التحديات سيكون لها تأثير على أسعار النفط، لأن أطراف النزاعات تلك إما أنها دول منتجة للنفط أو دول مستهلكة له، بالتالي كمحصلة سيتأثر النفط والغاز في حالة تطور الصراع في أي من تلك الملفات التي ذكرتها. ويمكن أن يضبط تماسك "أوبك+" إيقاع الأسعار، ولكن حتى الآن المعطيات الأولية تشير إلى نقطة مهمة، وهي محدودية تأثير ذلك الذي يبقى الأسعار متماسكة، وقد رأينا الأسعار تنزلق قليلاً تحت الـ70 دولاراً للبرميل، ثم عادت للارتفاع. كما أن انخفاض الاستثمارات في البنية التحتية النفطية، أو ما يسمى أنشطة المنبع (أب ستريم)، والتي تتعلق بالاستكشاف والحفر والتطوير تؤدي إلى محدودية الإنتاج بشكل أو بآخر، فأي ارتفاع في الطلب قد يرفع أسعار النفط، ومن الممكن أن يصل برميل النفط إلى 100 دولار للبرميل خلال هذا العام.
دول الخليج النفطية استفادت من ارتفاع أسعار الطاقة
من جانبه، يقول طارق قاقيش، المدير العام لشركة "سولت" للاستشارات المالية، إنه بالنظر إلى الانتعاش المستمر في السياحة والتجارة واستقرار الأوضاع الجيوسياسية، والتي تشير إلى مستقبل أكثر إيجابية نعتقد أن الأسواق المالية ستستفيد من هذه العوامل، إلا أن استمرار الارتفاع بمعدلات التضخم في الأسواق العالمية سيؤدي إلى تشديد السياسة النقدية، بالإضافة إلى تحرك الاتحاد الفيدرالي إلى زيادة أسعار الفائدة الأميركية.
أيضاً، من المهم الإشارة إلى أن الأسواق استفادت من ارتفاع أسعار الطاقة، بخاصة الاقتصادات الخليجية المنتجة للنفط، حيث إن معظم التوقعات تشير إلى بلوغ متوسط سعر برنت 70 إلى 80 دولاراً أميركياً للبرميل في العام الحالي.