أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أيام، عن حقبة جديدة في عمر القطاع الخاص المصري، بما يؤشر إلى اتجاه الحكومة المصرية نحو مضاعفة مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وأكد السيسي أن الدولة المصرية ترحب بالقطاع الخاص. وقال في كلمته خلال افتتاح مشروعات قومية عدة، إنه لو كان القطاع الخاص راغباً في المشاركة في إنشاء المصانع والمشاريع الجديدة فليتفضل، مؤكداً أنها المرة الرابعة التي يعبر فيها عن ترحيبه بالقطاع الخاص. وأضاف "نحن محتاجون للقطاع الخاص معنا. وأثبتنا أننا غير أكفاء في الإدارة على مدار 40 سنة التي مضت".
وعلى خلفية التوجهات الجديدة في مصر، اقترب نشاط القطاع الخاص غير النفطي في مصر من الاستقرار، بعدما انكمش بأبطأ وتيرة له خلال أربعة أشهر في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
ووفق مؤشر مديري المشتريات الصادر عن مؤسسة "آي إتش أس ماركيت"، يأتي تباطؤ معدل الانكماش مع تراجع الضغوط التضخمية، وزيادة إيرادات التصدير، والتحسن في قطاع السياحة الذي دعم الأعمال الجديدة، على الرغم من استمرار ضعف الطلب وانخفاض الإنتاج في التأثير على الشركات، ليسجل المؤشر 49.0 نقطة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، مقارنة بنحو 48.7 نقطة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وعلى الرغم من التحسن، لا يزال المؤشر أقل من مستوى 50 نقطة الذي يفصل بين النمو والانكماش. ويُعد هذا هو الشهر الثالث عشر على التوالي الذي يسجل فيه المؤشر انكماشاً.
انكماش مستمر وعنيف
وفي وقت سابق من العام الماضي، أظهرت بيانات رسمية، أن نشاط القطاع الخاص غير النفطي في مصر انكمش للشهر الحادي عشر على التوالي في أكتوبر (تشرين الأول)، بفعل تباطؤ الإنتاج جراء مشكلات سلاسل التوريد العالمية التي أثرت كذلك على توقعات الإنتاج المستقبلية. وتراجع مؤشر "آي إتش أس ماركت" إلى مستوى 48.7 نقطة، من 48.9 نقطة في سبتمبر (أيلول)، أي دون مستوى الخمسين نقطة الفاصل بين النمو والانكماش.
وقالت مؤسسة "آي إتش أس ماركت"، "كانت هناك مخاوف متنامية بين الشركات من اشتداد اضطراب الإمدادات في الأشهر المقبلة، ما قد يحد من التعافي الاقتصادي، الأمر الذي أدى إلى تراجع كبير في توقعات الإنتاج عن مستواها القياسي المرتفع في سبتمبر". وأضافت أن "صعوبة الحصول على مجموعة كبيرة من المواد الخام والمكونات أجبرت الشركات غير النفطية في مصر على خفض مستويات إنتاجها".
ومضت المؤسسة تقول، إن مخزون المدخلات هبط بأسرع وتيرة منذ يونيو (حزيران) 2020 مع سحب الشركات من المخزونات لدعم نشاط الأعمال. وانخفض المؤشر الفرعي لتوقعات الإنتاج المستقبلية بشدة إلى 65 من 85.7 في سبتمبر، في ظل مشكلات سلاسل التوريد التي لها تأثير كبير على الشركات في ما يبدو.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال ديفيد أوين الخبير الاقتصادي في "آي إتش أس ماركت"، "كان أكثر ما يثير قلق الشركات أن يؤدي التضخم المرتفع إلى تراجع الطلب وتحويل مسار الانتعاش الاقتصادي". وانخفض المؤشر الفرعي للطلبات الجديدة إلى 48.7 من 49.1 في سبتمبر، بينما انخفض المؤشر الفرعي للإنتاج إلى مستوى 47.5 مقابل نحو 48.9 نقطة.
التضخم في تكلفة المدخلات يتراجع
وشهد التضخم في كلفة المدخلات أكبر تباطؤ له منذ أكثر من 3 سنوات، بسبب تراجع الضغوط على الأسعار والزيادات الأقل نسبياً في تكاليف الشراء وأجور الموظفين، بحسب التقرير. وقال ديفيد أوين الخبير الاقتصادي لدى "آي إتش أس ماركيت"، أن "أحدث قراءة لمؤشر مديري المشتريات في مصر أعطت ثقة متزايدة بأن الضغوط التضخمية بلغت ذروتها في وقت سابق من الربع الرابع وبدأت الآن بالتراجع".
ولا يزال ضعف الطلب والزيادات في الأسعار الكلية يمثلان مشكلة. وظلت ضغوط الأسعار قوية بشكل عام، مما دفع الشركات إلى رفع أسعار البيع لديها. وكانت هذه الزيادات مسؤولة جزئياً عن تراجع الطلب من جانب العملاء، وفقاً للشركات التي شملتها الدراسة التي أجرتها "آي إتش أس ماركت". وواصلت الشركات تسجيل انكماش في الإنتاج والطلبات الجديدة منذ سبتمبر، على الرغم من أن معدلات الانخفاض كانت عند أدنى مستوى لها في ثلاثة أشهر.
ورجح التقرير أداءً جيداً للسياحة والصادرات خلال الشهر الحالي. وشهدت مصر تحسناً في النشاط السياحي خلال ديسمبر، مما أدى إلى دعم الأعمال الجديدة، في حين سجلت الأعمال غير النفطية أعلى طلبات تصدير لها منذ فبراير (شباط)، بحسب التقرير. وارتفعت الصادرات المصرية إلى مستويات قياسية في عام 2021، مسجلةً 31 مليار دولار، بحسب بيانات حكومية.
في الوقت نفسه، لا تزال الوظائف متراجعة، ولكن ليس كما كان في السابق. حيث أدى انخفاض المبيعات والارتفاع الطفيف نسبياً في الأعمال المتراكمة إلى مزيد من الانخفاض في معدلات التوظيف. ومع ذلك، فإن معدل تخفيض الوظائف كان أضعف مقارنةً مع الشهر السابق، إذ جاء مدفوعاً إلى حد كبير بقرارات عدم استبدال الموظفين الذين تركوا العمل طواعية.
أيضاً، لا تزال المشكلات التي تواجه سلاسل التوريد العالمية تؤثر على السوق المحلية. وازداد طول مواعيد التسليم للشهر الثاني على التوالي، إذ وجدت الشركات أن مشكلات الشحن العالمية تحول دون تحسن أداء الموردين. ومع ذلك، كان التدهور العام في سلاسل التوريد هامشياً، وأضعف قليلاً مما كان عليه خلال شهر نوفمبر. وذكرت بعض الشركات أنها تبذل جهوداً لزيادة مخزونها، على الرغم من تأخيرات الإمداد والطلبات المعلقة التي أدت إلى السحب من المخزون للشهر الخامس على التوالي.
لكن لا تزال التوقعات "متشائمة"، وسط المخاوف بشأن متحورة "أوميكرون" وتأثيره على ثقة الأعمال، التي سجلت ارتفاعاً طفيفاً عن أدنى مستوى لها خلال عام في نوفمبر. وقدم 23 في المئة من الشركات توقعات إيجابية، إذ تعارضت الآمال لدى تلك الشركات في التعافي من الجائحة، مع المخاوف بشأن المتحورة الجديدة من فيروس كورونا وتأثير ارتفاع الأسعار. وأشارت "آي إتش أس ماركت"، في تقريرها إلى زيادة متجددة في نشاط الشراء بنهاية العام.