يبدو أننا نتجه إلى شراكة "أميركية – روسية" جديدة لإيجاد حل سلمي بشأن الحرب السورية الممتدة منذ مارس (آذار) 2011، وشهدت تدخل الكثير من الأطراف وجبهات صراع عدة شملت، إضافة إلى واشنطن وموسكو، إيران وتركيا والأكراد، فضلاً عن الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها "داعش".
وأعلن جيم جيفري، المبعوث الأميركي الخاص لشؤون سوريا، اليوم الخميس، في تصريحات لصحافيين في أعقاب اجتماع مغلق لمجلس الأمن الدولي، أنّ الولايات المتحدة وروسيا تُجريان مباحثات حول "مسار محتمل للمضيّ قدماً" نحو حلّ الأزمة السورية، ما قد يُنهي عزلة سوريا الدولية في حال تمت الموافقة على سلسلة خطوات، من بينها وقف إطلاق النار في محافظة إدلب.
وأضاف، "موسكو وواشنطن تستكشفان مقاربة تدريجيّة، خطوةً بخطوة لإنهاء النزاع السوري المستمرّ منذ ثمانية أعوام، وهو ما يتطلّب اتّخاذ قرارات صعبة"، من دون أن يوضح القرارات المطلوبة ليس فقط من سوريا، لكن من موسكو وواشنطن أيضاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحذَّر المبعوث الأميركي أيضاً من أن هذا "مجرد مسار محتمل"، إذ أشار إلى غياب خطوات مهمة ممهدة للحل الدبلوماسي، مثل وقف إطلاق النار في آخر معقل يسيطر عليه المتمردون في إدلب، الذي تطالب به إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أو عقد لجنة لصياغة دستور جديد لسوريا على النحو المطلوب في خريطة الطريق، التي تعود إلى عام 2012.
ولفت جيفري إلى أن مثل هذه الخطوات "ستمنحنا الثقة بأن نظام الأسد يفهم بالفعل ما يجب عليه فعله للمساعدة في إنهاء هذا الصراع".
اتفاق جينيف 2012
وفي 30 يونيو (حزيران) 2012، تمت الموافقة على اتفاقية جينيف بشأن مخطط للسلام في سوريا من قبل ممثلي الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي وتركيا وجميع الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن، التي تتمتع بحق النقض (الفيتو)، الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وفرنسا، وبريطانيا.
وتدعو الاتفاقية إلى عملية سياسية بقيادة سوريا تبدأ من إنشاء هيئة حكم انتقالية تتمتع بسلطات تنفيذية كاملة، والانتقال إلى صياغة دستور جديد، والانتهاء إلى الانتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة.
وأيَّد مجلس الأمن بالإجماع الاتفاق الوارد في القرار 2254، الذي تم تبنيه في ديسمبر (كانون الأول) 2015، الذي حدد جدولاً زمنياً للمباحثات، ووقف إطلاق النار، الذي لم يتم الوفاء به بنظر واشنطن.
وتحدث جيفري عن اجتماع عقد في سوتشي بروسيا الشهر الحالي، ناقش فيه وزير الخارجيّة الأميركي مايك بومبيو الخطّة التي "تسمح لحكومة سوريا بأن تعود مجدّداً إلى كنف المجتمع الدولي".
وأوضح "تحدثنا عن الطريقة المحتملة للمضي قدماً لرؤية تنفيذ خطوة بخطوة لقرار الأمم المتحدة 2254 في مقابل خطوات من شأنها أن تسمح لحكومة سورية تلتزم بالقرار والعودة إلى المجتمع الدولي".
بقاء الأسد
ويبدو أن الولايات المتحدة تخلّت رسمياً عن طلبها الأولي بأن لا تشمل أي حكومة سورية مستقبلية الرئيس بشار الأسد. فحسب وكالة أسوشيتد برس، الأميركية، "لم يكن تعليق جيفري واضحاً بشأن ما إذا كان الأسد يمكن أن يظل في السلطة إذا التزم بالقرار 2254، وفاز في انتخابات خاضعة لمراقبة الأمم المتحدة".
ومن جانبه، أكد مبعوث الأمم المتحدة جير بيدرسون، أن "التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا أساسي للتوصل إلى اتفاق سلام سوري، لكن على حكومة دمشق أن تتعاون أيضاً".
وقال "من دون ذلك، فإننا نجازف بما أسميه سيناريو (لا حرب ولا سلام)، إذ ستستمر الأمور معقدة، ولن نرى سوريا تشكل جزءاً طبيعياً من المجتمع الدولي في المستقبل".
استمرار القتال في إدلب
تأتي تلك الجهود الدبلوماسية في الوقت، الذي يتصاعد فيه القتال في إدلب، الواقعة شمال غربي سوريا، إذ تُسيطر "هيئة تحرير الشام" على الجزء الأكبر من المحافظة، وتوجد مع فصائل مسلحة في أجزاء من محافظات مجاورة، وكثفت القوتان السورية والروسية هجماتهما على المحافظة، إذ تقول الحكومة السورية إنها ترد على هجمات يشنها متشددون على صلة بتنظيم القاعدة، وهو ما ردده نائب وزير الخارجيّة الروسي سيرغي فيرشينين، الذي سيعقد أيضاً اجتماعات في الأمم المتحدة هذا الأسبوع، في تعليقاته للمراسلين الصحافيّين قائلا "إنّ القوّات السوريّة المدعومة من روسيا تشنّ عمليّات موجّهة ضدّ الإرهابيين".
ومنذ العام الماضي حظيت إدلب بحماية جزئية بموجب اتفاق هدنة أبرمته روسيا وتركيا ينص على إقامة منطقة منزوعة السلاح، تفصل بين قوات النظام والفصائل المسلحة، لكن لم يتمّ استكمال تنفيذه.
ولفت المبعوث الأميركي إلى أن المباحثات "مع الروس لم تدل على أن الروس مستعدون لدعم هجوم واسع النطاق على إدلب".
وأضاف "يقولون لنا إن هذه مجرد مجموعة محدودة من العمليات العسكرية ضد إرهابيين بعينهم"، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة تبحث "مجموعة من الخطوات الاقتصادية والدبلوماسية التي ستواصل إبقاء النظام تحت الضغط".
وبينما كرر فيرشينين التزام موسكو بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه مع تركيا في إدلب، ففي الوقت نفسه، قال "من واجبنا، إن لم يكن الحق، أن نحارب الإرهابيين"، مضيفاً "جماعة تحرير الشام المرتبطة بتنظيم القاعدة تسيطر على 99% من المنطقة".