يبدو أن إسرائيل مترددة أو على الأقل غير مقتنعة خلال الفترة الحالية في شأن الذهاب إلى صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس، إذ لا تزال تراوغ تل أبيب في هذا الملف، وتربطه مع السماح بإعادة إعمار غزة، كما تأخذ وقتاً طويلاً في أثناء الرد على المقترحات وخطط الطريق التي تصلها عبر الوسطاء، فضلاً عن أنها تحاول تبخيس الثمن المتعلق بعدد الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم حتى لا تقع في صدمة ثمن.
إسرائيل غير جاهزة
وتأكيداً على تردد وعدم جدية إسرائيل، استقال الضابط موشيه تال من منصبه، وهو المشرف على المفاوضات والاتصالات السرية التي تجري بواسطة مصرية مع "حماس"، بوصفه ممثل ملف الأسرى والمفقودين بالنيابة عن رئيس هيئة أركان الجيش أفيف كوخافي. وجاءت استقالة تال احتجاجاً على عدم اتخاذ المؤسسة الأمنية في تل أبيب خطوات جدية لإتمام صفقة التبادل.
يقول تال، "الحكومة الإسرائيلية تتصرف بلا حول ولا قوة، وتقف عاجزة في ملف الأسرى، كما لا تعمل بما فيه الكفاية باتجاه تحرير المفقودين الذين تحتجزهم حماس في غزة، ولا يوجد عند الجانب السياسي رغبة كبيرة كافية لإتمام ذلك".
وأوضح الضابط الإسرائيلي، "ظهر هذا في جولة المحادثات الأخيرة التي أجريناها في القاهرة، في حين كان الوسطاء جادين في إتمام الملف، فإن المستوى السياسي تائه ولا يمتلك رغبة كبيرة في شأن ذلك".
ويقول المتحدث باسم "حماس" مشير المصري، "المماطلة جزء من سياسة إسرائيل، وموقف تعمل عليه منذ زمن بعيد، لكنها في النهاية ستدفع ثمناً مناسباً ووازناً في الصفقة الجديدة، لأن جنودها لن يروا النور إلا عبر هذه البوابة".
وعلى نقيض إسرائيل فإن "حماس" تبدو جاهزة لإبرام صفقة تبادل، إذ أرسلت خريطة طريق عبر الوسطاء لقيادة تل أبيب، واستعدت كذلك للتفاوض غير المباشر مع مسؤولي ملف الأسرى والمفقودين.
ويؤكد نائب رئيس الحركة موسى أبو مرزوق أنهم "جاهزون لصفقة تبادل إذا كانت إسرائيل جاهزة، ونأمل بأن تكون سريعة".
خطف جنود
لكن تردد إسرائيل دفع "حماس" إلى الدخول في تحد مع تل أبيب لإجبارها على صفقة التبادل، وتنوي الحركة شن عمليات خطف جنود أخرى ترغم القيادة الأمنية والسياسية في مكتب رئيس الوزراء نفتالي بينيت على الموافقة على تحرير أسرى مقابل المحتجزين والرفات في غزة.
يضيف المصري، "تحرير الأسرى يعد ضمن الأولويات الحالية التي تعمل عليها الحركة بجميع الوسائل والسبل، وهذا لا يتوقف عند مجرد الأربعة الموجودين في الأسر، ومحاولة إسرائيل إخفاء ما في جعبة حماس لن يغير من الحقيقة". موضحاً أنهم يوظفون خبرتهم لـ "تنفيذ صفقة مشرفة" على الرغم من مراوغة تل أبيب.
يقول رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، "كتائب القسام تحتفظ بأربعة إسرائيليين داخل غزة، وإذا لم تقتنع تل أبيب بصفقة تبادل يكون بينها الأسرى الستة الذين فروا من سجن جلبوع، فسنجبرها بالقوة على ذلك وسنخطف مزيداً من الجنود عبر الأذرع الممتدة للحركة في كل مكان"، من دون أن يوضح ما هي هذه الأذرع الممتدة.
وهذه ليست المرة الأولى التي تهدد "حماس" بخطف الجنود، بل سبق أن كشفت قناة "كان" العبرية أن الحركة "هددت باستئناف عمليات أسر الإسرائيليين في حال فشل التوصل إلى صفقة".
وقال مسؤول "حماس" في الخارج خالد مشعل، "إذا رفضت إسرائيل إطلاق سجناء أوزانهم ثقيلة في الصفقة، فإننا قادرون على الحصول على مزيد من أوراق المساومة بطريقة تجبر إسرائيل على إطلاق الأسرى"، في إشارة إلى عمليات الخطف.
وفي هذا الإطار، فإن "حماس" تكون قد استعدت لخطف واحتجاز جنود إسرائيليين، سواء كان ذلك داخل قطاع غزة أم خارجه وبجميع الوسائل التي تمتلكها من طريق جر المنطقة إلى عملية عسكرية جديدة أو وسائل أخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تضييع فرصة 2018
وسبق أن اتهمت إسرائيل حركة حماس بأنها تحاول العمل عسكرياً في الضفة الغربية، كما تسعى إلى تأسيس أذرع عسكرية لها في مناطق أخرى، لكن المراقبين السياسيين يعتقدون أن حديث هنية مجرد وسيلة ضغط على تل أبيب، للقبول بصفقة التبادل المرتقبة، أو أنها فعلياً تمتلك وسائل لاحتجاز مزيد من الجنود الإسرائيليين.
وفي الواقع يأتي الضغط الحمساوي على إسرائيل بعدما رفضت تل أبيب محاولتين خلال السنوات الأخيرة لإبرام صفقة أسرى مع الحركة، على الرغم من وجود أدوات للتعامل مع القضية.
ويقول المتحدث السابق باسم الجيش الإسرائيلي رونين مانليس، "القيادة السياسية رفضت إنجاح صفقة وضعت بنودها عام 2018، والطرح كان يتضمن ورقة بها الأسماء لكن لم تنجح، على الرغم من أنه كان لدى رؤساء الجيش والموساد والشاباك اعتقاد بأن فرصة حقيقية لإعادة المحتجزين والرفات من غزة".
تفاصيل الصفقة
وعلى الرغم من حديث "حماس" وتلميح إسرائيل بأن محادثات صفقة التبادل "لم تنضج بعد"، فإن معلومات واردة تشير إلى أن ثمة أنباء مؤكدة لتوصل الأطراف إلى تصور لعملية التبادل.
وذكر موقع "روترنت" العبري أن العملية ستجري على ثلاث مراحل، الأولى بإفراج إسرائيل عن النساء والأطفال ونواب المجلس التشريعي، بإجمالي عدد 322، وفي المقابل تثبت "حماس" أن المحتجزين لديها على قيد الحياة في شريط مصور.
بينما تتضمن المرحلة الثانية الإفراج عن 488 أسيراً من ذوي الأحكام العالية في مقابل تسليم المحتجزين الإسرائيليين للوسيط، وتبدأ بعدها المرحلة الثالثة مباشرة، وخلالها تُفرج تل أبيب عن 1111 أسيراً بينهم عرب، وجميع المعتقلين من غزة وبعض قيادات الفصائل.
ويؤكد نائب رئيس حماس موسى أبو مرزوق أنهم يعملون على إنجاز صفقة يتحرر خلالها عدد كبير من الأسرى، ضمنهم المرضى وكبار السن والأطفال والنساء والمحتجزون العرب والرموز الوطنية وأولئك الذين حاولوا الفرار، مشيراً إلى أنه في الوقت ذاته لم يتم التوصل إلى استجابة إسرائيلية.
لكن حديث وسائل إعلام إسرائيل حول هذا الملف يأتي ضمن الخطوات التي يمكن أن تنبئ بإمكان قرب إبرام الصفقة.
وبحسب متحدث "حماس" مشير المصري، فإن حركته تدير ملف التفاوض بـ "حكمة واقتدار"، وهي واثقة بأن إسرائيل سوف "ترضخ في نهاية المطاف للشروط مهما حاولت التهرب من استحقاقات ذلك أو حاولت دفع أثمان زهيدة".