تسعى حركة "حماس" منذ سنوات لنيل ود عمان في إطار سياستها القائمة على تنويع خياراتها، وعلى الرغم من اتسام العلاقة بين الطرفين بحال من الجمود والفتور بعد أكثر من 20 عاماً على إغلاق مكاتب الحركة في العاصمة الأردنية، وطرد قادتها، ظلت الاتصالات قائمة عبر قنوات خلفية وبشكل متواضع وغلب عليها الطابع الشخصي والإنساني.
ومنذ نحو عامين، تحاول الحركة إحداث اختراق إيجابي في مستوى العلاقة مع الأردن بما يخدم مصالحها، ويصنف قادة "حماس" عمان على أنها واحدة من العواصم العربية الأكثر قرباً لمواقفها السياسية، بخاصة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، إذ يلتقي الطرفان على رفض "صفقة القرن" والعبث الإسرائيلي بالوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.
تمنع أردني وفيتو سياسي
في مقابل ذلك، يبدو التمنع الأردني واضحاً وجلياً أمام كل المحاولات التي تهدف لإنجاح زيارة رسمية ومعلنة لقادة الحركة إلى العاصمة الأردنية، وتفيد كل المعطيات بأن بوصلة الأردن لا تؤشر حتى الآن نحو انفتاح كبير على الحركة، على الرغم من الضغوط التي تمارسها تيارات محلية بهذا الاتجاه على قاعدة إعادة عمان خارطة تحالفاتها في المنطقة، واستخدامها كأداة ضغط على إسرائيل وتنويع الخيارات الاستراتيجية.
وتتصدر هذه المطالبات جماعة "الإخوان المسلمين" وكتلتها النيابية في البرلمان الأردني، لكن عمان تصر حتى اللحظة على اعتبار السلطة الفلسطينية الشريكة السياسية الأساسية في الأراضي الفلسطينية.
وباستثناء اتصال يتيم أجراه قبل أشهر مدير المخابرات الأردنية بزعيم "حماس" إسماعيل هنية، لا توجد اتصالات حقيقية بين الطرفين، الأمر الذي يؤكد اقتصار العلاقة حتى اللحظة على المستوى الأمني من دون المستوى السياسي الذي يجد صعوبة بالغة في إعادة المياه إلى مجاريها لمرحلة ما قبل 1999.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حتى المحاولة التي قامت بها الحركة لاستغلال زيارة إنسانية قام بها اثنان من قادتها وهما إسماعيل هنية وخالد مشعل إلى عمان قبل أشهر على هامش تشييع جثمان القيادي الأردني في الحركة المهندس إبراهيم غوشة، جوبهت بـ"فيتو" سياسي في الأردن ما زال قائماً حتى اللحظة.
ويبدو أن هذا الرفض الرسمي ينسحب على عموم الإسلاميين في فلسطين، إذ ترفض السلطات الأردنية منذ سنوات استقبال الشيخ رائد صلاح رئيس "الحركة الإسلامية" داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
ورقة الأسرى الأردنيين
في ظل هذه المعطيات، ورغبة الجانب الأردني في اقتصار العلاقة مع "حماس" على اتصالات محدودة، وجدت الحركة في صفقة تبادل الأسرى مع إسرائيل فرصة مواتية لخطب ود عمّان، عبر إدراج الأسرى الأردنيين على رأس قائمة الصفقة، وأطلقت الحركة وعوداً لشخصيات برلمانية وسياسية أردنية بشمول الأسرى الأردنيين في صفقتها المنتظرة مع إسرائيل.
وينظر إلى قضية الأسرى الأردنيين في السجون الإسرائيلية، باعتبارها ملفاً شائكاً ومحرجاً، بخاصة مع اتهامات الشارع الأردني الحكومة بالتقصير وعدم السعي الجاد لإطلاق سراحهم، وثمة 21 أسيراً أردنياً في سجون إسرائيل معظمهم محكومون بمدد طويلة ومؤبدة، بالإضافة إلى عشرات المفقودين منذ عام 1967.
طهران تعرقل التقارب
وفي مطلع عام 2020، رفضت عمان طلباً تقدم به رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية لزيارة المملكة، بعيد زيارته المثيرة للجدل إلى طهران، ومشاركته في تشييع قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.
وأبدى الأردن انزعاجه آنذاك من خطوة هنية، ومن عموم الموقف الذي أبدته حركة "حماس" تجاه مقتل سليماني، بخاصة أن الأخير متهم أردنياً بالضلوع في مخططات إرهابية عدة على أراضي المملكة.
وعلى الرغم من تأكيد الحركة مراراً حرصها على المصالح العليا للدولة الأردنية، ومحاولتها التماهي مع المواقف الأردنية السياسية، وإرسال برقيات الغزل تباعاً، لا يبدي الملك الأردني عبد الله الثاني حماساً لعموم حركات الإسلام السياسي، فلطالما انتقد في بلاده جماعة "الإخوان المسلمين"، ووصفها في أحد تصريحاته المثيرة عام 2013 بأنها "ذئاب في ثياب حملان".
وترتبط القطيعة بين الأردن و"حماس" بملف جماعة "الإخوان المسلمين"، إذ تخشى عمان من أن تؤدي إعادة العلاقة مع الحركة إلى عودة الجماعة إلى الواجهة مجدداً بعد تحجيمها وتفكيكها وحظرها عبر قرار قضائي قطعي في 2019.