مع إعلان سلطات كازاخستان "المستوى الأحمر" لما وصفته بالتهديد الإرهابي على أراضيها، تسود حالة توتر غير مسبوقة في أنحاء الدولة الأوراسية (تقع بين أوروبا وآسيا) بعد اندلاع احتجاجات شعبية وصفتها الحكومة بأنها "أعمال شغب"، وسط نزول قوات الجيش والأمن لفض تظاهرات مطالِبة بإسقاط النظام القائم.
وخرج الرئيس الكازاخي، قاسم جومارت توكاييف معلناً عن عمليات لمكافحة الإرهاب حتى القضاء على مَن وصفهم بـ"المتطرفين"، بعد تطورات غير مسبوقة في أحداث الساعات الـ48 الماضية، أسفرت عن اعتقال ثلاثة آلاف شخص.
ودخلت موسكو معترك الأحداث مباشرة في يوم الجمعة 7 يناير (كانون الثاني) الحالي، وسارعت إلى مساندة السلطات في العاصمة نور سلطان (أستانا) بإرسالها 12 طائرة عسكرية انطلقت من مطار تشكالوفسكي، على متنها جنود من وحدة حفظ السلام التابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي، حطت في مطارات كازاخية. وهو تحرك محسوب لروسيا التي تتقاسم مع كازاخستان حدوداً بطول 7500 كيلومتر، علاوة على المخاوف الروسية من نشوء دولة إسلامية متطرفة في حال تطورت الأحداث إلى تغيير للنظام.
وتضم قوات حفظ السلام تشكيلة من وحدات القوات المسلحة التابعة لروسيا وبيلاروسيا وأرمينيا وطاجيكستان وقيرغيزستان، وتهدف لحماية المنشآت الحكومية والعسكرية المهمة، ومساعدة قوات الأمن المحلية في العمل على تحقيق الاستقرار وفق بيان منظمة معاهدة الأمن الجماعي. كما يقطن ثلاثة ملايين ونصف المليون من المواطنين ذوي الأصول الروسية في كازاخستان، من أصل ما يقارب 20 مليون مواطن، ناهيك بالأطماع بغنى أراضي تلك الدولة بالنفط والغاز والثروة المعدنية من قبل دول الجوار، لا سيما روسيا وتركيا، ومن جهة ثانية أوروبا.
زعزعة الاستقرار
ويتفق السوريون بمختلف مشاربهم السياسية بشأن تطابق سيناريو الاضطرابات التي تعمّ العاصمة الكازاخية نور سلطان مع وقائع الأحداث التي جرت في سوريا قبل عقد من الزمن (في 2011)، فالموالون يلوّحون بورقة المسلحين الذين يهاجمون المقرات الحكومية ويحرقونها ويعبثون بها، بينما يجد المعارضون في ما يفعله هؤلاء حراكاً يحمل مطالب شعبية هدفها التغيير.
ويرى مراقبون محايدون أنه على الرغم من الاتفاق بين السوريين على أن ما يحدث في كازاخستان يُعتبر تكراراً لسيناريو ما جرى في بلدهم، لكن الانقسام في الشارع يبرز حول المطالبة بالتغيير والقمع المصاحب له. وبأي حال من الأحوال تعتقد أوساط مراقبة للمشهد، أنه سيؤدي بلا شك إلى إشغال الكرملين وانخراط قواته في ساحات قتالية تشتت جهوده وتركيزه، في وقت يخوض معاركه السياسية في أوكرانيا والميدانية في سوريا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما يرى مراقبون أن الاضطرابات الحاصلة تسبق المحادثات الروسية - الأميركية المزمَع عقدها في 10 يناير الحالي، وهذا باعتقادهم سيحرج موسكو الساعية للوقوف إلى جانب نظام يمتد حكمه إلى عقود تعود لزمن الاتحاد السوفياتي بل أكثر، حين كانت للقيصر الروسي قاعدته العسكرية في أستانا في عام 1810.
الحوار الساخن والمقر المحترق
في هذه الأثناء، يترقب السوريون مآل الأحداث الساخنة في بلد استضاف حوارهم لسنوات كان آخرها في 22 ديسمبر (كانون الأول) من العام المنصرم، للمرة الـ17 على التوالي. واستحوذ نبأ حرق المحتجين مقر المباحثات السورية اهتمام الشارع السوري وشكّل صدمة بالنسبة إليهم.
وكانت أستانا سعت إلى أن تتحول إلى ساحة حوار وسلام بين الفريقين المتنازعين، امتدت منذ يناير 2017، وهو العام الذي شهدت العاصمة الكازاخية فيه، انطلاق أوسع عملية سياسية لحل الأزمة السورية، بناءً على القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي.
ونجحت آنذاك مباحثات أستانا في العمل على تثبيت وتقوية وقف إطلاق النار ووضع آلية لمراقبة الالتزام الكامل به، لكن في المقابل، تسببت نتائج تلك المباحثات بانقسام حاد في صفوف المعارضة المسلحة، أسفر عن شرخ في صفوفها وانقسامات بعد رفض "جبهة فتح الشام" المقررات. وظهر فصيل عسكري جديد من المعارضين تحت اسم "هيئة تحرير الشام".
يصف متابعون لاجتماعات أستانا في النسخ اللاحقة أنها كانت باردة ولم تفضِ إلى نتائج مبشرة لطالما رغب الشعب السوري بكل أطيافه أن يصل إليها، ولم تحقق تقدماً على الأرض لا سيما في الاجتماعات الأخيرة. وأخذ الشارع السياسي السوري يكيل كل من جهته الاتهامات للدول الضامنة (روسيا وتركيا وإيران) بتعطيل التفاهم وفقاً لمصالحها على الأرض السورية.
لكن على الرغم من ذلك كانت العاصمة أستانا التي تغيّر اسمها إلى "نور سلطان"، نسبة إلى رئيسها السابق نور سلطان نزارباييف الذي حكم البلاد لمدة ثلاثة عقود، أسهمت في تبريد الأجواء الساخنة كلما اشتدت وتائر العنف والمعارك في سوريا وأصبحت أكثر ضراوة، لا سيما في مناطق خفض التصعيد في الشمال.
لغة الحوار
وفي وقت لم يصدر عن المعارضة السورية أي موقف بشأن ما يجري في أستانا، أعربت دمشق عن بالغ أسفها للأحداث وفق بيان وزارة الخارجية والمغتربين، داعية إلى اعتماد لغة الحوار في معالجة الوضع الراهن وإعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد.
وسرت أنباء عن وجود أجانب يسعون إلى تخريب المنشآت في كازاخستان، كان بينها مقر جلسات الحوار السوري.