يستضيف غاليري "أيام" في دبي معرضاً لأعمال الفنانة سامية حلبي تحت عنوان "اضطراب". يضم المعرض مجموعة متنوعة من أحدث إبداعات الفنانة الفلسطينية المهاجرة، التي ينظر إليها كرائدة في تيار التجريد العربي المعاصر، خلافاً لكونها رسامة طليعية ذات مكانة مرموقة في حركة الفن العالمي.
ولدت حلبي في القدس عام 1936 ونزحت مع عائلتها إلى بيروت عام 1948 إلى أن هاجرت العائلة إلى الولايات المتحدة في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي. تخرجت الفنانة في جامعة إنديانا بعد نيل درجة الماجستير في الفنون الجميلة، وبدأت مسيرتها الأكاديمية بالتدريس الجامعي، فكانت أول امرأة تشغل منصب أستاذ مشارك في كلية ييل الأميركية للفنون، واشتهرت بإدماج برنامجها الرائد لفن الاستوديو في المرحلة الجامعية الأولى في الكليات الأميركية.
تبدو اللوحة في أعمال حلبي كمشهد مربك تشكل على أثر عاصفة. فاللوحة عامرة بالحركة والتقاطعات اللونية والخطية، فالفرشاة تتحرك على سطح العمل في كل اتجاه وعلى نحو مربك، لتشكل طبقات من اللون، بعضها فوق بعض. تتعمد الفنانة تأكيد الحركة في أعمالها، وهي تفعل ذلك بدافع من رؤيتها الخاصة للطبيعة من حولها. تعيد صوغ العناصر من جديد، لتضع تصوراً مختلفاً لها بعد تفكيك بنيتها. في هذه الأعمال تختزل الفنانة تدريجياً جميع الأشكال إلى صورتها الأولى، مزيلة الحدود التي تفصل بينها، مع التركيز على الحركة والفراغ فقط، غير أنها تحافظ على الرغم من هذا الاختزال على حضور لافت للعمق والمسافة بين العناصر.
تكوينات لونية
تراوح التكوينات اللونية التي تنشئها الفنانة حلبي في أعمالها ما بين العضوي والهندسي، ما يخلق تبايناً بصرياً على سطح العمل ويؤكد أجواء التوتر والحركة المسيطرين. وهي تستلهم فلسفتها تلك كما تقول من قول الإمام أبي حامد الغزالي حول محدودية البصر والرؤية المباشرة للأشياء، وقدرة العقل على تجاوز هذه النقائص التي يتسم بها الحس. تضع حلبي هذه الرؤية الفلسفية أمام ناظريها حين تشرع في العمل، فتطلق العنان لحدسها، بينما تحول قريحتها هذا الحدس إلى رؤى بصرية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الأعمال التي تعرضها حلبي هنا تعكس نظرتها التأملية إلى التجريد، من كونه اختزالاً لمعنى الحركة، إلى الكيفية التي ترى بها الطبيعة وتتفاعل معها. فالفنان لا يبتكر الأشياء كما تقول، بل ينتقي من الطبيعة ما يناسب اهتمامه أو يتوافق مع ثقافته وفهمه. وترى حلبي أن بناء اللوحة يتأثر بكل الأفكار والتفاصيل المحيطة بالفنان أثناء العمل عليها. فالأعمال المعروضة هنا تجسد ما كان يدور من حولها كما تقول، من حركة واضطراب، وهي في طور الإعداد والتكوين داخل محترفها في الولايات المتحدة، من تفاصيل محيطة، إلى حركة الهواء وذرات الثلج المتطايرة عبر النافذة المطلة على الشارع. وتمثل الحركة هنا جزءاً رئيساً من تكوين اللوحة، فهي التي تشكل معالمها وتقود الفرشاة على سطح العمل، لتنمو وتتشكل مع الوقت كل هذه التفاصيل.
البناء الهندسي
مثلت فترة الستينيات مرحلة الاكتشاف في أعمال الفنانة سامية حلبي، فقد اعتمدت خلالها على أبعاد البناء الهندسي، وامتلأت أعمالها بالمربعات والدوائر. وفي السبعينيات تشكل شغفها بالأشكال والألوان، ثم انتقلت إلى اللوحات المليئة بالانحناءات المتداخلة، إلى أن بدأت الخطوط تتخذ هيئة طولية مع ألوان داكنة وفاتحة. وسجلت فترة الثمانينيات نقطة التحول في مسيرتها الفنية من حيث الشكل واللون. تطور هذا التجريد إلى أن وصل إلى الطبيعة التي أصبحت الملهم الرئيس لأعمالها. في مرحلة لاحقة بدأت أعمال حلبي تتحرر شيئاً فشيئاً من الأبعاد الثنائية وتتخذ منحى أكثر كثافة وتحرراً، لتنطلق بلا هوادة في مسارات مختلفة من التجريد والاختزال.
تعرض أعمال سامية حلبي ضمن مجموعات مؤسسات دولية، من بينها متحف غوغنهايم، وغاليري جامعة ييل الأميركية، ومعهد شيكاغو للفن ومعهد العالم العربي في باريس والمتحف البريطاني، وغيرها من المؤسسات الفنية الكبرى حول العالم.