Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ترمب من جديد

ولا أي رئيس أميركي سيخرج عن الخط العام القائم على الانحياز المطلق لإسرائيل

النظام الأميركي نظام رئاسي وعلى رغم التوازنات بين مؤسسات الدولة فإن موقع الرئيس يبقى متفرداً ومؤثراً في كل الأحوال (أ ف ب)

ملخص

يتوهم ترمب حالياً أن باستطاعته حل المشكلات الدولية والنزاعات الإقليمية بأيسر الطرق وهو أمر يدعو إلى الدهشة. ولكن إدارة الأمور أمر وحل الصراعات أمر آخر، وأظن أنه سيكون امتداداً للمدرسة الأميركية في إدارة الصراعات من دون حسمها.

يعود دونالد ترمب إلى البيت الأبيض على حصان أحمر كفرسان الأساطير، وقد سئلت في أحد البرامج التلفزيونية قبل الانتخابات الأميركية بأسبوعين أو أقل عن توقعي لاسم الرئيس القادم، هل هو ترمب أم كامالا هاريس نائبة الرئيس الذي سيرحل عن البيت الأبيض جون بايدن بكل ما له وما عليه، وكانت إجابتي سريعة وقاطعة أنني أظنه دونالد ترمب مرة أخرى.

يومها لمعت عينا المحاور أمامي بشيء من الشك ومزيد من الدهشة، ولم يكن ذلك بالطبع نتيجة ضرب الودع أو فتح المندل كما يقولون، إنما كانت حساباتي مبنية على عدد من العوامل التي رجحت كفة ذلك الأميركي الشرس نسبياً والجسور أحياناً لكي يعود إلى المكتب البيضاوي مرة ثانية بعد غياب أربعة أعوام، خسر فيها الانتخابات أمام جون بايدن عام 2020.

لقد لاحظت منذ أعوام أن الشخصية الجدلية التي ملأت الدنيا وشغلت الناس هي نموذج أميركي لصورة رعاة البقر في الأفلام القديمة، فالرجل لا يحترم القواعد ولا يلتزم الحدود ولكنه يتصرف وفقاً لمزاجه الحاد وشخصيته العنيفة، ولقد لاحظت أنك إذا شاهدت مجموعة من الأميركيين يتابعون مشاجرة بالأيدي بين شخصين فإنهم لا ينحازون إلى الأضعف المضروب، ولكن يتحمسون للضارب الشرس القوي ويصيحون "اضربه اضربه"، لأنهم يعتقدون أن القوة هي المظهر الحقيقي للنفس البشرية وليست العدالة ولا الشرعية بأي حال.

وترمب يرضي هذا النموذج الأميركي تماماً ويتوافق مع منطق القوة ولا يعنيه كثيراً مفهوم العدالة، ولذلك فإن شهيته مفتوحة لمصادر القوة المادية وتراكمات الثروة لدى الشعوب الأخرى، تحركه الأطماع ويقوده غرور السلطة واضعين في الاعتبار أن صلاحيات الرئيس الأميركي -أي رئيس- هي من أقوى الصلاحيات لحاكم على الأرض. فالنظام الأميركي نظام رئاسي وعلى رغم التوازنات بين مؤسسات الدولة فإن موقع الرئيس يبقى متفرداً ومؤثراً في كل الأحوال، ولعل ذلك كله يفسر الاهتمام الدولي على المستويين الرسمي والشعبي للانتخابات الرئاسية الأميركية، التي كانت أحد الشواغل ليس بين النخب فقط ولكن بين الاتجاهات الشعبوية أيضاً حول القادم الجديد إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية.

ومع ذلك كله فإنني أجتهد بالقول إن ترمب سيختلف هذه المرة عن فترة رئاسته الأولى لأسباب عدة يقع في مقدمها تزايد جرأته في مدة رئاسته الثانية عن الأولى، إذ لن يكون محتاجاً إلى التصويت عليه مرة أخرى في انتخابات رئاسية قادمة، كما أنه قد وعى الدرس وأدرك أن كثيراً من معاونيه في الرئاسة الأولى انقلبوا عليه ولم يناصروه في أزماته، بل أصدروا الكتب وأسرفوا في التصريحات عندما توهموا أنه لن يعود للسلطة مرة أخرى. ولعلي أطرح هنا بعض التوقعات -والتوقعات في علم السياسة مخاطرة محسوبة- لأن الخطوط العريضة للرئيس الأميركي دونالد ترمب في رئاسته القادمة ستدور حول عدد من المحاور ألخصها في ما يلي:

 أولاً، إن المقارنة بين ترمب وهاريس وأي مرشح أميركي آخر تجاه القضية الفلسطينية هي مغالطة كبرى، لأنه لا ترمب ولا بايدن ولا أي رئيس أميركي آخر سيخرج عن الخط العام القائم على الانحياز المطلق لإسرائيل، والذين يتحدثون عن بعض مواقف أيزنهاور وتصريحات جون كينيدي إنما يغفلون عامل الزمان وطبيعة الظروف في ظل الحرب الباردة وحركة الاستقطاب الدولي التي كانت واضحة في ذلك الزمان. فأيزنهاور كان يسعى إلى أن ترث الولايات المتحدة النفوذين البريطاني والفرنسي في الشرق الأوسط، لذلك رفع شعار مبدأ أيزنهاور وتحدث عن نظرية الفراغ، أما جون كينيدي فكان يتوهم أن باستطاعته حل الصراعات الكبرى بتصرفاته الهادئة وشعبيته الدولية الكبيرة، وكانت نتيجة ذلك رصاصات من بندقية بتليسكوب على موكبه من أحد المباني في مدينة تكساس.

ولذلك فإنني أقول صراحة إنه لن يأتي رئيس أميركي عادل يؤمن بالحقوق الفلسطينية إيماناً صادقاً، ولن يكون لأي منهم نظرة إيجابية للعرب إلا ما يتصل منها بأطماعهم في الثروة وحرصهم على الدفع بالادعاءات المتتالية لإرهاق نظم الحكم العربية -بحق أو بغير حق- حول قضايا الحرية والتجاوزات في حقوق الإنسان، بينما يغامر الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية بالعبث الدائم في الصراع العربي-الإسرائيلي، وأنا أقول هنا إنه لا فائدة من مواقف رسمية عادلة للدول الكبرى وفي مقدمها الولايات المتحدة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية ما دام التنظيم الدولي لا يزال على حاله محتمياً بحق الفيتو، إذ تظل نتائج الحرب العالمية الثانية سيفاً مصلتاً على المجتمع الدولي، من دون اهتمام بحقوق الشعوب التي تحررت والأمم التي استيقظت والإنسانية التي تعبر إلى مشارف عالم جديد مختلف تماماً، بينما لا يزال جوهر النظام الدولي على ما هو عليه!

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 ثانياً، يتوهم ترمب حالياً أن باستطاعته حل المشكلات الدولية والنزاعات الإقليمية بأيسر الطرق وهو أمر يدعو إلى الدهشة، إذ إن القادم للبيت الأبيض يتصور أن الحال الجديدة التي صنعها وصوله إلى كرسي الرئاسة الأميركية ستكون عوناً له في صنع كاريزما من نوع خاص تجعله قادراً على إدارة الأمور، وقد يكون هذا صحيحاً ولكن إدارة الأمور أمر وحل الصراعات أمر آخر، وأظن أنه سيكون امتداداً للمدرسة الأميركية في إدارة الصراعات من دون حسمها، وعلى سبيل المثال فإنني أتوقع عودته إلى مشروع "صفقة القرن" على رغم أن العرب والفلسطينيين خصوصاً رفضوه واعتبروه التفافاً حول حقوقهم، ومناورة مكشوفة لتصفية القضية الفلسطينية وإجهاض الزخم الدولي المناصر لها خصوصاً بعد الحرب على غزة والتدخل في لبنان وضرب الضاحية الجنوبية وما حولها.

وهنا لا بد أن أؤكد أن نيات إسرائيل أصبحت مكشوفة، فالبرنامج التاريخي لمشروع تيودور هرتزل الذي تجسد في مؤتمر بازل 1897 يجد الآن بيئة حاضنة لم تكن متاحة من قبل، ولعل الخريطة التي تباهى بها نتنياهو هي خير دليل على صحوة ذلك المشروع المكتوم للقضاء على الشعب الفلسطيني وسرقة وطنه، والعدوان على شعبه في عنصرية واضحة وإجرام لا يخفى على أحد.

ثالثاً، أحسب أن ترمب سيركز خلال هذه الفترة أكثر على الحرب الروسية-الأوكرانية باعتبارها خطراً أوروبياً كما أن علاجها وإيقاف الحرب فيها يفتح له أبواب عدد من العواصم وليس موسكو وحدها، إذ إن بكين وبيونغ يانغ وغيرهما يمكن أن تتجاوب مع جهوده في هذا الشأن وتسمح له بأن يقود مسيرة سلمية تحقق نجاحاً نسبياً خلال فترة رئاسته.

لذلك فإنني أتوقع أن الحرب الروسية-الأوكرانية مرشحة للحلحلة أكثر من الصراع الدامي في الشرق الأوسط الذي لم تلتئم جراحه ولم يتوقف نزف الدم فيه، وما زلنا نسمع صراخ الأطفال الذين استهدفهم جيش الاحتلال الإسرائيلي متعمداً القضاء على الأجيال القادمة على أرض فلسطين المسروقة والمحروقة أيضاً، وقد يغازل ترمب السلطة الفلسطينية ببعض العبارات المعسولة والوعود الكاذبة لتسكين الموقف وشراء فترات زمنية مقبلة تسمح له بأن يتحدث عن إنجازات وهمية ونجاحات غير منظورة.

إنني متأكد أن ترمب سيبيع الوهم خلال الـ100 يوم الأولى من رئاسته، ثم يكرس الأيام الباقية للمضي في تبرير ما يفعل وانتقاد من يعارض مع مزيد من التخويف الإسرائيلي والإرهاب الموروث لديهم تجاه الشعوب العربية، وفي مقدمها فلسطين.

هذه هواجس مشروعة نرددها بين أنفسنا حتى الآن حول سياسات الرئيس الجديد، لا نصادر عليه ولا نسبق الأحداث ولكننا نفتح قلوبنا وعقولنا لما هو قادم.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء