أراد المحامي النيويوركي أن يسألني شيئاً. كنا في مؤتمر عن أعمال الاحتيال في كامبريدج. كان يشارك في المناسبة بانتظام، وأنا أيضاً. فقد سافر ليلقي خطاباً ويلتقي أصدقاء قدامى. وأثناء احتسائنا القهوة، قال: "أنت تتابع قضية جيفري إبشتاين، أليس كذلك؟" قلت: "بالطبع، ألا يتابعها الجميع؟" ثم قال: "دعني أطرح عليك هذا السؤال: كيف كسب أمواله؟" هززت كتفي وأجبت بأن مصدرها إدارة الشؤون المالية لأصحاب الثروات الضخمة. علت السخرية وجهه وهز رأسه. "لا، إن كان الأمر كذلك، نحن لا نستطيع العثور على أي أثر. لا يوجد دليل يشير إلى حصوله على ما يكفي لتمويل أسلوب حياته، وإذا كان قد تمكن من إدارة نقود الآخرين فلا إشارة إلى ذلك. أين استثمرها؟ ماذا فعل بها؟ لا نعرف".
هذا واحد من أكثر جوانب قضية إبشتاين غرابة، لكنه شديد الدلالة. لقد عاش في قصر قرب سنترال بارك، وكان يملك جزيرة خاصة ومزرعة وممتلكات أخرى. وتنقل بطائرة خاصة. ورفه عن أثرياء ومشاهير وأقوياء. ولأنه فعل هذا كله، افترضنا أنه كان ثرياً على مذهل. هذا ما نفعله: نملأ البرامج التلفزيونية والمجلات ببنود مبالغ فيها عن "أصحاب المليارات" و"أصحاب الملايين" من دون أن نتحقق مما إذا كانوا حقاً كما يبدون.
وإذا ظهروا بالمظهر المناسب وامتلكوا الصفات المناسبة، نرغب في [نميل إلى] تصدقهم، وإذا لم يفعلوا، إذا قادوا سيارة منهكة وارتدوا بدلات رخيصة لكنهم زعموا أنهم يزدهرون، نشكك في كلامهم.
تعرفت إلى هذه الظاهرة للمرة الأولى قبل سنوات عديدة. قال لي زميل بارز في إحدى الصحف، إن محمد الفايد كان غنياً جداً. وحصل هذا في وقت اتُّهِم فيه الفايد، عن حق، بشراء "هارودز" بالاستعانة بأموال شخص آخر. وقال زميلي إنه عرف أن الفايد كان غنياً لأن المرء، "عندما يذهب إلى شقته في بارك لين، يخرج من المصعد وأينما ينظر، هناك رخام حقيقي".
لم أمتلك الشجاعة – كان الرجل واحداً من رؤسائي – لأسأل كيف علم أن الفايد كان مالك الشقة. وإذا كان الفايد مالكها، هل اشتراها بأمواله الخاصة؟ وكيف كان الرجل ليتعرف على الرخام الحقيقي في مقابل "الأثر الرخامي"، الذي كان مختلفاً تمام الاختلاف، ليس أقله في ما يخص السعر؟ كان من الممكن أن أثير عديداً من الأسئلة، لكن زميلي كان مستعداً ليقبل من دون تدقيق أن الفايد كان فاحش الثراء، بالتالي كان قادراً تماماً على العثور على الأموال اللازمة لشراء المحل الكبير الشهير.
كان جيمي كايني شخصاً ربما تمكن من تسليط بعض الضوء على الموارد المالية لإبشتاين وهو تُوفي هذا الأسبوع – صادف أنه الأسبوع نفسه الذي حكم فيه عليه غيلاين ماكسويل بإعداد فتيات دون السن ليسيء إبشتاين معاملتهن [استغلالهن]. كان الرئيس التنفيذي السابق لمصرف "بير ستيرنز" الذي انغمس في ألعاب البريدج ويقال إنه دخن الماريوانا.
وعمل إبشتاين هناك في الفترة بين عامي 1976 و1981 وظل عميلاً للمصرف حتى انهياره عام 2008 (أطلق السقوط الأزمة المصرفية العالمية). وكما هي الحال دائماً مع إبشتاين، تُحاط فترة عمله في "بير ستيرنز" وتعاملاته اللاحقة مع المصرف بالغموض. بل إن تمكنه من الحصول على وظيفة هناك كان أمراً غريباً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كان مدرساً للفيزياء والرياضيات في مدرسة دالتون في أبر إيست سايد بمانهاتن. وكانت دالتون، حيث تعلم أبناء الأثرياء في مانهاتن، بإدارة دونالد بار، والد ويليام، الذي أصبح وزير العدل في عهدي الرئيسين الأميركيين جورج بوش الأب ودونالد ترمب. ولم تكن لدى إبشتاين مؤهلات للتدريس. واستمر لسنتين تقريباً في المدرسة قبل فصله بسبب الأداء الضعيف. وفي وقت لاحق، زعم البعض أن إبشتاين أصبح "مقرباً أكثر مما ينبغي" من بعض تلاميذه، على الرغم من أن هذا لم يكن السبب وراء فصله.
وكان ألان غرينبرغ، الرئيس التنفيذي السابق لـ"بير ستيرنز"، والد أحد التلاميذ. وعرض على إبشتاين وظيفة في المصرف، كمساعد مبتدئ لمتعامل في البورصة. ولا رتبة أدنى من ذلك في الترتيب الهرمي المصرفي، لكن إبشتاين لم يكترث كثيراً لذلك. وكان صعوده سريعاً جداً – في غضون أربع سنوات أصبح تاجر عقود احتياط كاملاً، يعمل في قسم "المنتجات الخاصة" في المصرف، ثم مستشاراً لأغنى عملاء المصرف من القطاع الخاص.
وبعدما غادر المصرف في أوائل الثمانينيات بسبب انتهاك فني وأسس مصرفه الخاص، استمر إبشتاين في التعامل مع "بير ستيرنز". وتولى كايني، الذي أصبح الرئيس التنفيذي للمصرف عام 1993، شخصياً إدارة أعماله وأبلغ الموظفين بأنهم يجب أن "يعتنوا" بـإبشتاين.
وكان إبشتاين مستثمراً في صندوق التحوط ذي الرفع المالي [شراء الأصول بأموال مقترضة] المعزز باستراتيجيات ائتمان مهيكلة رفيعة الدرجة لدى "بير ستيرنز"، وهو صندوق استثمر في الأوراق المالية المدعومة بالرهون العقارية. وعام 2007، عندما كان قيد التحقيق في جرائم تتعلق بممارسة الجنس مع قُصر، سعى إبشتاين إلى سحب استثماره البالغ 57 مليون دولار أميركي. ولا يبدو هذا المبلغ ضخماً، لكن صندوق "بير ستيرنز" كان واقعاً تحت عبء مالي كبير – في مقابل كل دولار من الاستثمار كان يقترض أضعافاً عديدة من هذا المبلغ.
وكان من الضروري تصفية مواقع استثمارية لتلبية طلب إبشتاين. وخرجت الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري عن السيطرة، وبعد ثلاثة أشهر انهار الصندوق، وأعقبه "بير ستيرنز" ذاته.
من قبيل المبالغة القول إن إبشتاين أشعل شرارة الانهيار المصرفي عام 2008. فضلاً عن ذلك، كان هذا الصندوق يعمل فوق طاقته إلى حد جعل أي استرداد للمال – كانت هناك استردادات أخرى – كافياً لإسقاطه هو و"بير ستيرنز".
ولم يُكشَف حجم المبلغ الذي استرده إبشتاين. ونظراً إلى سرعة زوال الصندوق من المحتمل أنه خسر كثيراً.
كانوا عوامل تضليل: الصندوق، "بير ستيرنز"، المصارف الأخرى التي شهدت تعرضاً مماثلاً، المصرفيون، إبشتاين. وكانت هناك تحذيرات كثيرة في شأنهم جميعاً. لكن من المؤسف، كما هي الحال دائماً، أننا لم نر إلا ما كانوا يريدون لنا أن نراه.
© The Independent