عندما يرفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية، فإنه عادةً ما يزيد من أسعار الفائدة في كل أنحاء الاقتصاد، ما يجعل الدولار أقوى، مما يهدد استقرار العملات الخليجية، وبخاصة أن دول التعاون ترتبط عملاتها بالدولار الأميركي باستثناء الكويت التي ترتبط بـ"سلة عملات" تميل هي الأخرى بشكل أكبر نحو الدولار. بالتالي لا تجد دول الخليج ودول أخرى بُدّاً سوى رفع الفائدة حين ترفعها الولايات المتحدة، وإن كان الرفع الخليجي للفائدة قد يكون متفاوتاً عن نظيره الأميركي تبعاً لمتطلبات اقتصادات دول مجلس التعاون.
كما أن العوائد المرتفعة لرأس المال الاستثماري تجذب المستثمرين الباحثين عن عوائد أعلى على السندات ومنتجات أسعار الفائدة، ما يهدد بهجرة الأموال الخليجية إلى الولايات المتحدة بسبب فرق سعر الفائدة، لذلك، فإن رفع الفائدة الأميركية قد تكون له آثار سلبية على عمليات التمويل في الخليج التي تعد من العوامل المهمة في نمو الاقتصادات الخليجية، ما يجعلنا نتساءل إن كان الوقت قد حان لولادة سياسات نقدية خليجية قادرة على تقليل تداعيات رفع الفائدة الأميركية؟
مستويات التضخم
وتستعد الولايات المتحدة لرفع سعر الفائدة لكبح الزيادات المخيفة في مستويات التضخم، ولكن بالمقارنة، فإن نسب التضخم في دول الخليج لا تزال صغيرة، وبحسب تقرير صادر عن المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون الخليجي، من المتوقع أن يبلغ معدل التضخم 1.8 في المئة و2.6 في المئة لعامي 2022 و2023 على التوالي، مقارنة بالتضخم الأميركي الذي وصل إلى 6.8 في المئة متجاوزاً هدف الفيدرالي اثنين في المئة، بالتالي فدول الخليج غير مضطرة لرفع سعر الفائدة، ولكن بسبب ارتباط عملاتها بالدولار، فليس أمامها خيار آخر في الوقت الراهن سوى ترقب توجهات الفائدة الأميركية، فهل هناك خيارات نقدية قادمة، نتساءل؟
قال وضاح الطه، عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد "تشارترد للأوراق المالية والاستثمار"، "من المهم جداً أن تراقب دول المنطقة، وبخاصة الدول التي ترتبط عملاتها بالدولار الأميركي، معدلات التضخم الأميركية والتوجهات لرفع الفائدة الأميركية". أضاف أن "نسبة التضخم المستهدفة في الولايات المتحدة هي اثنان في المئة، واليوم، وصلت إلى 6.8 في المئة، في حين توقعات التضخم لشهر ديسمبر (كانون الأول)، والتي يتوقع ظهورها، الأربعاء، 12 يناير (كانون الثاني)، ستكون بحدود سبعة في المئة، وهو مستوى مخيف بالنسبة لأكبر اقتصاد في العالم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع الطه أنه "لطالما أصر الاحتياطي الفيدرالي في بادئ الأمر على أن ارتفاع التضخم "مؤقت"، ولكن في حقيقة الأمر لم يعد كذلك، فمعدلات التضخم هي الأعلى منذ 40 عاماً، وقد وصلت عند مستويات مثيرة للقلق. أما بالنسبة لأداء الاقتصاد الأميركي، فبحسب التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الأميركي 5.6 في المئة في عام 2022، كما كان أداء الاقتصاد الأميركي جيداً في عام 2021 نتيجة للسياسات الأقل تشدداً والمرونة التي اتبعها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، فإن ذلك قد أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم بشكل واضح".
ورأى عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد "تشارترد للأوراق المالية والاستثمار"، أنه "ينبغي على الفيدرالي الأميركي اليوم أن يقوم باتباع سياسات نقدية متحفظة ومتشددة إلى حد ما، وبشكل تدريجي حتى لا تصدم السوق بقرارات مفاجئة"، مشيراً إلى أن الفيدرالي كان قد أعلن عن رفع متوقع لسعر الفائدة بنحو ثلاث مرات هذا العام. وقال الطه إن تقرير حديث لـ"غولدمان ساكس" قد توقع أن يكون هناك رفع لسعر الفائدة أربع مرات، وليس ثلاث مرات، وأيّد الطه ذلك قائلاً، "هذا التوجه يعني أنه ستكون هناك نقطة مئوية كاملة في كل رفع".
رفع الفائدة واستقرار العملات الخليجية
وعن تداعيات رفع الفيدرالي الأميركي المرتقب سعر الفائدة على اقتصادات المنطقة، قال الطه، "بما أن العملات الخليجية مرتبطة بالدولار الأميركي، فستضطر البنوك المركزية في الدول التي ترتبط عملاتها بالدولار مثل السعودية والإمارات على سبيل المثال، إلى رفع سعر الفائدة لديها بالنسب نفسها من أجل المحافظة على استقرار عملاتها، ولكن في الوقت نفسه، التضخم في تلك الدول لا يستدعي مثل هذا الرفع، بالتالي سيكون عامل رفع الفائدة في تلك الدول عامل ضاغط على عمليات الإقراض، التي هي جزء مهم من توسع النشاط الاقتصادي في تلك الدول".
ورأى أن موضوع رفع الفائدة لكبح معدلات التضخم موضوع يتطلب اهتماماً خاصاً من قبل البنوك المركزية الخليجية والعربية، ويدفع إلى ضرورة إيجاد حلول في السياسة النقدية للتقليل من آثار رفع الفائدة الأميركية على اقتصادات دول المنطقة المرتبطة بالدولار الأميركي، مضيفاً، "أما باقي الدول التي لا ترتبط عملاتها بالدولار الأميركي، فمن الممكن أن تحافظ على مستويات معينة من الفائدة، وأن تراقب عمليات الإقراض وتوازن الأدوات النقدية المتاحة لدى البنوك المركزية في محاولة التوصل إلى أفضل أداء تحفيزي ممكن في عام 2022". وختم الطه بأن "موضوع الفائدة والتضخم في غاية الأهمية، وباعتقادي، يجب أن يحتل المرتبة الأولى في أجندات البنوك المركزية التي ترتبط عملاتها بالدولار الأميركي".
التضخم المستورد
وتحدث الكاتب الكويتي والباحث في الشؤون الاقتصادية محمد رمضان، هو الآخر، عن تقرير "غولدمان ساكس" الذي صدر، الاثنين، 10 يناير (كانون الثاني)، وتوقع أربعة ارتفاعات في سعر الفائدة في عام 2022، وتحديداً في مارس (آذار)، ويونيو (حزيران)، وسبتمبر (أيلول)، وديسمبر (كانون الأول). وقال رمضان، "على هذا الأساس، هناك توقعات بأن تكون هناك ضغوط كبيرة على أسعار الفائدة في دول مجلس التعاون الخليجي، وأن ترتفع بشكل كبير هذا العام".
ورأى الكاتب الكويتي أنه، وبحكم ارتباط العملات الخليجية بشكل عام بالدولار الأميركي، فإن أي ارتفاعات في سعر الفائدة في الولايات المتحدة يتسبب في ضغط كبير على الاقتصادات الخليجية، التي تتجه هي الأخرى لرفع أسعار الفائدة، ولكن بنسب أقل عن نظيرتها الأميركية، أي بحسب حاجة الاقتصاد المحلي لهذا الرفع. وتابع قائلاً، "على سبيل المثال، نرى أن وضع التضخم في الكويت قد يكون مستورداً، أي إن التضخم الحاصل في أميركا وأوروبا سيجعلنا نستورد هذا التضخم بطبيعة الحال".
رفع الفائدة ضغط إضافي على الإنفاق الحكومي
ورأى محمد رمضان أن "رفع الفائدة قد لا يكون هو الحل المناسب بالنسبة لنا، ولكن لتجنب حدوث حال من عدم التوازن بأن تخرج أموال من دول مجلس التعاون الخليجي، وتذهب للولايات المتحدة الأميركية بسبب فرق سعر الفائدة ما قد يتسبب في رفع الفائدة، وقد يحدث ذلك ضغطاً إضافياً على الإنفاق الحكومي، وهي المشكلة الكبيرة التي قد تواجهنا في هذا الفترة، بالتالي، إذا قابل رفع الفائدة في الولايات المتحدة رفع الفائدة في المنطقة، فقد يتسبب ذلك في ضغوط كبيرة على الإنفاق الحكومي، بالتالي يجب تجنب دول المنطقة للآثار السلبية لرفع الفائدة الأميركية".