ارتفعت أسعار الفحم الحراري في الأسواق العالمية في الأيام الأخيرة مع فرض إندونيسيا، أكبر بلد يصدر الفحم في العالم، حظراً مؤقتاً على الصادرات. وكانت أستراليا، ثاني أكبر مصدر للفحم عالمياً، المستفيد الأكبر من الحظر الإندونيسي مع استمرار نمو الطلب على الفحم في آسيا. وتوقعت أستراليا أن تتحقق عائدات من صادرات الفحم والغاز تصل إلى 379 مليار دولار في العام المالي الحالي. لكن أسعار الفحم قد تشهد بعض الاستقرار بعد إعلان إندونيسيا أنها سترفع الحظر عن الصادرات بحلول يوم الثلاثاء. ففي مقابلة مع شبكة "سي أن بي سي" الأميركية الاثنين، قال الوزير الإندونيسي لوهوت باندجايتان إن "الطلب المحلي تمت تلبيته تماماً، بالتالي يمكن بدء رفع الحظر عن التصدير". وأضاف الوزير الإندونيسي "بنهاية اليوم أو غداً يمكننا السماح بتحرك بعض الناقلات". وكانت شركات مناجم الفحم تضغط على الحكومة الإندونيسية لوقف حظر التصدير لأنه يكبدها خسائر نتيجة فارق الأسعار بين الصادرات وبيع الفحم في السوق المحلية. لذا قال الوزير في مقابلته التلفزيونية إن الحكومة تعمل على إعداد نظام تسعيرجديد يجعل الشركات المحلية تشتري الفحم بأسعار التصدير للخارج.
الاعتماد على الفحم
ويعكس اضطراب السوق في الأيام الماضية مع حظر صادرات الفحم من إندونيسيا مدى زيادة اعتماد العالم على الفحم في توليد الكهرباء في ظل أزمة الطاقة الشديدة حالياً وارتفاع أسعار الغاز الطبيعي. على سبيل المثال، أدى حظر تصدير الفحم الإندونيسي إلى أزمة في الفيليبين التي تستورد 75 في المئة من حاجياتها من الفحم، في الأغلب من إندونيسيا وأستراليا. ولأن الفيليبين ليس لديها مخزون كبير من الفحم، كدول آسيوية غنية مثل اليابان وكوريا الجنوبية، فاعتمادها على الاستيراد من إندونيسيا كبير جداً، لرخص أسعار الفحم الإندونيسي عن الفحم من أستراليا أو روسيا. وتشتري الفيليبين من إندونيسيا ما يصل إلى 2.3 مليون طن من الفحم شهرياً حيث يمثل الفحم 60 في المئة من مصادر الطاقة في الفيليبين.
وتستحوذ إندونيسيا على نحو 30 في المئة من تجارة الفحم العالمية تليها أستراليا، وزادت صادراتها العام الماضي عن 400 مليون طن، أي ما يقارب ضعف صادرات أستراليا. وكانت الصين لجأت إلى استيراد الفحم من إندونيسيا بعد قرار بكين عدم استيراد الفحم من أستراليا نتيجة خلاف سياسي بين البلدين بسبب تعليقات رسمية أسترالية حول وباء كورونا في الصين.
وحاولت الصين على مدى العامين الماضيين مضاعفة إنتاجها من الفحم، لكنها ما زالت تحتاج إلى الاستيراد بكميات كبيرة لتلبية احتياجاتها لتشغيل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم. وفي الأسبوع الأخير من العام الماضي، افتتحت الصين أحدث محطات توليد الكهرباء بالفحم في شمال غربي البلاد قرب مناجم الفحم الرئيسية في إقليم "منغوليا الداخلية". وتنتج المحطة الجديدة 1 غيغاوات من الكهرباء تضاف إلى ما تنتجه محطات الطاقة بالفحم في الصين.
ارتفاع الأسعار
لا يقتصر الأمر على الصين وبقية دول آسيا، بل إن أزمة الطاقة في أوروبا اضطرت دول مثل ألمانيا وبريطانيا إلى إعادة تشغيل محطات طاقة تعمل بالفحم بعدما كانت على وشك إخراجها من الخدمة تنفيذاً لتعهداتها بالحد من الانبعاثات الكربونية. ومعروف أن الانبعاثات الكربونية من حرق الفحم لتوليد الطاقة تصل إلى ضعف تلك المنبعثة من الغاز ومشتقات النفط.
ولمعرفة الفارق بين الفحم والنفط والغاز، من حيث التأثير في التغيير المناخي نتيجة الانبعاثات الكربونية، نشير إلى أن إنتاج مليون وحدة حرارية بريطانية من الطاقة بحرق الفحم ينتج منه 103 كيلوغرامات من ثاني أوكسيد الكربون، بينما هذا الرقم بالنسبة لحرق الديزل أو زيت التدفئة (مشتقات النفط) هو 74 كيلوغراماً، وللبنزين عند 70 كيلوغراماً أما بالنسبة للغاز الطبيعي فهو 53 كيلوغراماً فقط.
وبحسب آخر تقرير لهيئة معلومات الطاقة الأميركية قبل أسابيع، قُدِّرت زيادة انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون من عمليات قطاع الطاقة في 2021 في الولايات المتحدة بنسبة 7 في المئة لتصل إلى 4.9 مليون طن متري، بعدما كانت الانبعاثات من هذا القطاع انخفضت بنسبة 11 في المئة في عام وباء كورونا 2020. وقدرت الهيئة ارتفاع انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون نتيجة استهلاك الفحم في توليد الطاقة بنسبة 17 في المئة، العام الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وذكرت وكالة الطاقة الدولية في تقرير لها عن سوق الفحم العالمي منتصف الشهر الماضي، أن زيادة إنتاج الطاقة من محطات تعمل بالفحم وصلت إلى نسبة 9 في المئة العام الماضي. وزاد الطلب العالمي على الفحم، بما في ذلك المستخدم في توفير الطاقة لصناعات الصلب والإسمنت، بنسبة 6 في المئة في عام 2021، ليصل إلى 8 مليارات طن من الفحم الحراري. وتوقعت الوكالة أن يواصل الطلب على الفحم النمو في 2022 ليصل إلى أعلى مستوى له.
ونتيجة زيادة الطلب ارتفعت أسعار الفحم، حتى وصل سعر طن الفحم الأسترالي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إلى 250 دولاراً. لكنه عاد للاستقرار عند نحو 170 دولاراً للطن في آسيا، بينما يصل سعر طن فحم نيوكاسل القياسي إلى 150 دولاراً حالياً.
ومع استمرار زيادة الطلب، بخاصة في آسيا وأوروبا يتوقع أن تواصل أسعار الفحم الارتفاع بعدما حققت زيادة بنسبة نحو 127 في المئة العام الماضي 2021. وهذا ما جعل ثاني أكبر مصدر للفحم في العالم، أستراليا، تتوقع أن تجني ما يزيد على ربع تريليون دولار من صادرات الفحم في السنوات المقبلة. كانت أستراليا تمكنت من تخفيف كل البنود المتعلقة بالفحم في القرارات النهائية لقمة المناخ العالمية التي استضافتها بريطانيا نهاية العام الماضي.