مع وصول المحادثات بين موسكو والغرب بشأن الأزمة الأوكرانية إلى "طريق مسدود"، وفق التعبير الروسي، وفشل المساعي الدولية لنزع فتيل الأزمة، تزداد يوماً بعد يوم تعقيدات ملف الجمهورية السوفياتية السابقة، بين الكرملين والغرب، وسط تصعيد في اللهجة العسكرية المتبادلة، لدرجة قال عنها مستشار البيت الأبيض للأمن القومي، جيك سوليفان، إن "خطر الغزو العسكري بات كبيراً".
وتصاعدت وتيرة التوتر الجمعة 14 يناير (كانون الثاني)، بعد أن تعرض عدد من المواقع الإلكترونية الحكومية في أوكرانيا لهجوم معلوماتي كبير، لم يحدد مصدره، حسبما أعلنت السلطات، في وقت تتجه الاتهامات إلى موسكو، وهو الأمر الذي تنفيه روسيا.
وتزامن ذلك مع إعلان الاستخبارات العسكرية الأوكرانية أن الأجهزة الروسية تعكف على إعداد "استفزازات" ضد جنود روس متمركزين في إقليم ترانسدنيستريا الانفصالي في مولدوفا بهدف اتهام أوكرانيا بالمسؤولية عنها.
ووسط كل هذه الأجواء الملبدة، يبدو بحسب مراقبين، إصرار الطرف الروسي والغربي على مواقفهم بشأن الأزمة الأوكرانية، وعدم قدرة المحادثات التي جرت في الأيام الأخيرة على حلحلتها، بأنه "نذير خطر" يتزايد معه احتمالات نشوب الحرب، التي قال عنها الخميس، وزير خارجية بولندا زبيغنيو راو، إن "خطر اندلاع حرب في أوروبا هو الأكبر منذ 30 عاماً".
وفيما وضعت روسيا مجموعة من الضمانات الأمنية، التي تريد الحصول عليها من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، من بينها منع انضمام كييف إلى عضوية الحلف، ووقف توسع "الناتو" في أوروبا، وهي مطالب وصفتها الولايات المتحدة بأنها "مستحيلة"، مؤكدة دعم أوكرانيا في مواجهة روسيا.
تصعيد "غير مسبوق" للتوتر
غداة إعلان مسؤولين غربيين وروس "عدم إحراز أي تقدم في محادثات فيينا" بشأن الأزمة في أوكرانيا، تعرض الجمعة عدد من المواقع الإلكترونية الحكومية في أوكرانيا لهجوم معلوماتي كبير.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأوكرانية، إن "المواقع الإلكترونية للوزارة وعدد من الهيئات الحكومية الأخرى معطلة بشكل مؤقت". وأضاف "خبراؤنا يعملون بشكل حثيث لاستعادة عمل الأنظمة المعلوماتية، وقد فتحت الشرطة تحقيقاً".
وفيما قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، إن الاتحاد يحشد "كافة موارده" لمساعدة أوكرانيا في أعقاب الهجوم المعلوماتي. مؤكداً أن ممثلي اللجنة السياسية والأمنية في الاتحاد الأوروبي سيعقدون اجتماعاً عاجلاً لمناقشة الهجوم الذي "يستحق الإدانة"، بحسب قوله.
وأعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، أن الحلف سيوقع مع أوكرانيا اتفاقاً، لتعزيز تعاونهما في مجال مكافحة الهجمات الإلكترونية، ما سيمنح كييف حق الوصول إلى خبرة الحلفاء في مكافحة "البرامج الخبيثة".
ولم تتبن أي جهة على الفور الهجوم الإلكتروني الذي حصل، ولم توجه السلطات أي اتهامات، غير أن مراقبين يتوقعون أن تكون روسيا هي التي تقف خلفه، وهو الأمر الذي تنفيه الأخيرة.
وفي غضون ذلك، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال مؤتمره الصحافي السنوي في موسكو الجمعة، إن الرد الروسي المحتمل في حالة فشل المحادثات الأمنية مع الغرب "قد ينطوي على نشر عتاد عسكري"، وذلك بعد يوم من إعلان مساعد وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، أن موسكو لا ترى سبباً لإجراء جولة جديدة من المحادثات مع الدول الغربية "في الأيام المقبلة" بشأن مطالبات موسكو بالحصول على ضمانات أمنية، وهو الأمر الذي قال عنه، ألكسندر لوكاشيفيتش، المبعوث الروسي لدى منظمة الأمن والتعاون في أوروبا خلال اجتماع للمنظمة، إن موسكو ستتحرك للدفاع عن أمنها القومي إذا لم تتلق "رداً إيجابياً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكتبت البعثة الروسية إلى منظمة الأمن والتعاون في أوروبا على "تويتر" نقلاً عن لوكاشيفيتش، "إذا لم نسمع رداً إيجابياً على مقترحاتنا خلال إطار زمني معقول، واستمر السلوك العدواني تجاه روسيا، فسيتعين علينا اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان التوازن الاستراتيجي والقضاء على التهديدات غير المقبولة لأمننا القومي".
من جهتها، جددت الولايات المتحدة الخميس التزامها تقديم "مساعدة دفاعية" للجيش الأوكراني، وقال المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي، إن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن تطرق خلال اتصال هاتفي مع نظيره الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف إلى "التعزيز غير المبرر للوضع العسكري الروسي في أوكرانيا وعلى حدودها". وأوضح كيربي أن الوزيرين لم يناقشا أسلحة محددة، لكن البنتاغون "أعاد تأكيد التزامنا مساعدة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها".
وزودت واشنطن كييف بأسلحة خفيفة وسفن دوريات وقاذفات صواريخ مضادة للدروع من طراز جافلين، لكن عديداً من أعضاء الكونغرس يطالبون البيت الأبيض بأن يفعل المزيد على هذا الصعيد.
وتمارس روسيا ضغوطاً شديدة على أوكرانيا منذ عام 2014، بعد ثورة أطاحت حكومة كانت منحازة إلى الكرملين ومناهضة للتقرب من أوروبا. ومنذ ذلك الحين، سيطرت روسيا على شبه جزيرة القرم الأوكرانية، وضمتها إلى أراضيها، كما تدعم تمرداً في شرق أوكرانيا قتل فيه حتى الآن أكثر من 13 ألف شخص.
هل أصبحت الحرب وشيكة؟
بحسب تحليل نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، تحت عنوان "ما الذي تحقق في محادثات أوكرانيا؟ وهل أصبحت الحرب وشيكة الآن؟"، كتب محرر الشؤون الدولية، جوليان بورغر، قائلاً إن احتمالات الحرب زادت في الجمهورية السوفياتية السابقة، مع تلاشي سبل حلحلة الأزمة. موضحاً أن الولايات المتحدة وحلفاءها ليسوا على استعداد للمراوغة بشأن عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي، مع الاعتراف بأن ذلك غير مرجح في المستقبل القريب، في المقابل يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "مستعد للاقتراب من حافة الحرب".
ووفق "الغارديان"، "من الواضح الآن أن روسيا لم تكن تستخدم حشد قواتها (نشرت أكثر من 100 ألف جندي على الحدود في نوفمبر "تشرين الثاني" الماضي)، ومطالباتها بشأن الناتو كخداع لتحقيق مكاسب في قضايا أخرى، إذ أتاحت الاجتماعات السياسية مع الغرب فرصاً لموسكو للخروج من مأزق، وإيجاد حل يحفظ ماء الوجه، بيد أنها لم تغتنم ذلك، ولم يعد هناك شك في أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يسعى إلى إحداث تغييرات في الأمن الأوروبي، مع تقليص وجود الناتو على طول حدود بلاده".
وتتابع، "كشفت المحادثات الأخيرة حجم اتساع الهوة بين ما كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها على استعداد للحديث بشأنه (الحد من الصواريخ، والتدريبات العسكرية، واتخاذ تدابير تهدف إلى بناء الثقة)، وما كانت تطالب به موسكو (ضمانات بأن أوكرانيا ودول الكتلة السوفياتية السابقة الأخرى لن تنضم أبداً إلى الناتو)". مضيفاً "يبدو أنه لم يعد لدى المسؤولين الروس رغبة في إجراء مزيد من المحادثات، وتبحث عن حل سريع".
ووفق "الغارديان"، فإنه في الوقت الذي من المقرر أن يعود الدبلوماسيون إلى بلادهم، لمناقشة الخطوات التالية، التي من بينها احتمالات عقد جولة مباحثات جديدة، تتجه الأنظار نحو موسكو وتحركات القوات والمدرعات الروسية في المنطقة المحيطة بأوكرانيا.
ماذا عن خيارات الحرب المحتملة؟
يرجح محللون عسكريون، نقلت عنهم تقارير أجنبية، بشأن احتمالات إقدام روسيا على عمل عسكري في أوكرانيا، أن تتراوح التقديرات بين هجمات صاروخية لأماكن محدودة إلى توغل محدود من شرق أو جنوب أوكرانيا، أو ربما غزو شامل مدعوم بهجوم سيبراني.
وبحسب ما نقلته صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، فإن البعض يذهب إلى القول إن روسيا قد تعيد سيناريو ضرباتها لجورجيا في عام 2008، وستعمل على التدخل في دونباس بداعي حماية الأقلية الروسية من الاعتداءات الأوكرانية. مشيرة إلى أن حجم العملية العسكرية سيتوقف على المدة التي ستستغرقها كييف لتعلن الاستسلام للمطالب الروسية.
ونقلت الصحيفة عن دارا ماسيكوت، الباحثة في "معهد راند" (مركز أبحاث أميركي متخصص في السياسة الدولية) قولها إن "روسيا قد تحقق تدميراً كبيراً للقدرات العسكرية الأوكرانية من خلال هجمات جوية على الخطوط الأمامية". مضيفة، "قد تنطلق عديد من صواريخ كروز والصواريخ الباليستية الأخرى من البحر الأسود أو من الأراضي الروسية، وذلك في وقت لن تتحمل الدفاعات الجوية الأوكرانية، مثل هذا الهجوم".
وتتابع الصحيفة قائلة، إن احتمالات الغزو الشامل، "ستمنح روسيا فرصة السيطرة على مساحات كبيرة قد تستخدمها في هجوم مضاد في منطقة دونباس. كما سيتماشى هذا مع فكرة بوتين أن المناطق الناطقة بالروسية في أوكرانيا، شرق نهر دنيبرو، هي أقاليم تاريخية تابعة لموسكو".
ووفق "فاينانشال تايمز"، "يعتبر المحللون أنه بعد نشر موسكو للوحدات الرئيسة والأسلحة المتطورة على الحدود مع أوكرانيا، فضلاً عن الخطاب الحاد من الرئيس بوتين، قد يؤدي ذلك إلى زيادة احتمالية تحويل الحرب بالوكالة التي تشتعل ببطء في منطقة دونباس الشرقية بأوكرانيا إلى صراع شامل".
من جانبها، ووفق ما كتبت صحيفة "التايمز"، فإنه يمكن لروسيا أن تلحق أضراراً جسيمة بالجيش الأوكراني من خلال الهجمات الجوية على الخطوط الأمامية والمنشآت العسكرية والبنية التحتية الحيوية.
وذكرت الصحيفة أنه على الرغم من "أن القوات الجوية الروسية لم تحلق ضد دفاع جوي معاد منذ الحرب الجورجية في عام 2008، إلا أن هناك كثيراً من صواريخ كروز والأخرى الباليستية التي يمكن أن تلعب هنا إما من البحر الأسود أو من روسيا، وسيواجه نظام الدفاع الجوي الأوكراني صعوبات لمواجهة هذه القدرات". مضيفة، "يعتقد الخبراء أن الضربة الروسية المحتملة يمكن أن تستخدم صواريخ محمولة جواً، وكذلك مدفعية ثقيلة وقاذفات لهب بعيدة المدى". مؤكدين أنها ستكون "مدمرة بشكل لا يصدق على القوة البرية الأوكرانية".
نفي روسي
وتنفي روسيا التخطيط لمهاجمة أوكرانيا، لكنها تقول إنها يمكن أن تتخذ إجراءً عسكرياً لم تحدده ما لم تُقبل مطالب قدمتها تتضمن وعداً بعدم قبول كييف عضواً في حلف شمال الأطلسي.
وقال لافروف الجمعة إن روسيا تأمل في استئناف المحادثات الأمنية مع الولايات المتحدة لكن هذا يعتمد على رد واشنطن على مطالبها.
وقال "لن نقبل مطلقاً ظهور حلف شمال الأطلسي على حدودنا مباشرة، خاصوصاً في ضوء النهج الراهن للقيادة الأوكرانية".
وسئل عما تقصده موسكو بالتهديد هذا الأسبوع باتخاذ "إجراء فني عسكري"، قال "إجراءات لنشر معدات عسكرية، هذا واضح. عندما نتخذ قرارات بمعدات عسكرية فإننا ندرك ما نعنيه وما نستعد له".