طرحت الأخبار التي تحدثت عن أحكام أصدرتها المحكمة العسكرية تراوحت بين الإعدام والسجن المؤبد، علامات استفهام عدة لا سيما أمام غياب بيانات رسمية، وقد أعادت إلى الأذهان "صراع الأجنحة" الذي رافق الحراك الشعبي منذ فبراير (شباط) 2019 في الجزائر.
أحكام عسكرية
وذكرت وسائل إعلام جزائرية أن المحكمة العسكرية أصدرت حكماً بالإعدام ضد الضابط قرميط بونويرة، الذي شغل منصب سكرتير قائد أركان الجيش الراحل أحمد قايد صالح، وقد سلّمته تركيا السنة الماضية، وأيضاً بالسجن المؤبد ضد كل من قائد الدرك، الجنرال غالي بلقصير، الفار إلى الخارج والمطلوب لدى الشرطة الدولية، بعد إصدار قضاء بلاده مذكرة توقيف في حقه، بالإضافة إلى الموظف السابق بسفارة الجزائر في ليبيا، محمد العربي زيتوت، المستفيد من اللجوء السياسي ببريطانيا، وهو عضو في حركة "رشاد" التي أدرجتها السلطات ضمن قائمة الإرهاب.
ممارسة السيادة
وتعليقاً على الأحكام، يرى أستاذ الحقوق والقانون، عابد نعمان، أنها كانت منتظرة لخطورة التهم المتابعين بها، إذ إن طبيعة المنصب الذي كان يشغله المتهم الأول، قرميط بونويرة، على الرغم من أنه ينتمي لفئة ضابط صف، فإنه أمين سر قائد أركان الجيش، بمعنى أن مسؤولية حمل المعلومات الخطيرة تقيد سلوكه تقييداً يضمن سريتها وأمنها، والمتهم الثاني الذي يعتبر الرجل الأول في سلاح الدرك والموجود في حالة فرار، بينما المتهم الثالث، العربي زيتوت، المصنف إرهابياً، على اعتبار أنه قيادي في حركة "رشاد" التي تم وضعها في قائمة الإرهاب، أثبتت الوقائع علاقة العسكريين بهذا الموظف السابق في سفارة الجزائر بليبيا. وأشار إلى أن حركة "رشاد" هي المسماة حركة "الضباط الأحرار"، أي إنها كانت موجهة ضد المؤسسة العسكرية.
ويتابع نعمان، أنه "لا حاجة إلى إصدار بيان على مثل هذه الأحكام الصادرة عن محكمة عسكرية قانونية والموجهة إلى متهمين هم منتسبون إليها، ارتكبوا جرائم ضد أمن الدولة"، وقال إن إصدار البيان يكون أمام قضية غامضة يحتاج الرأي العام الداخلي إلى توضيحات بشأنها، و"لكن المسألة الحالية هي في إطار ممارسة السيادة، لا أعتقد أنها تحتاج إلى بيان". مضيفاً أن القضية لا تحتاج إلى استشارة شعبية أو رأي عام طالما أن الجيش يمارس مهامه الدستورية وفق مقتضيات القانون. وأوضح أن "البيان هو إعطاء قيمة لجهة معادية يفترض أن لا قيمة لها سوى أنها مصنفة في خانة الإرهاب والجريمة المنظمة"، حسب تعبيره.
صمت رسمي وتهم خطيرة
وأمام التداول الإعلامي الواسع للأحكام مقابل تجاهل سياسي مع ضعف النقاشات، يزيد غياب بيان رسمي يقدم توضيحات حول الأحداث، الغموضَ والضبابية.
ويواجه الثلاثة تهماً بـ"ارتكاب جنح تبييض وتبديد أموال عمومية، والتأثير في أعوان الدولة للحصول على منافع غير مستحقة، ومخالفة التشريع المتعلق بحركة رؤوس الأموال، والخيانة العظمى، وإفشاء أسرار من شأنها الإضرار بمصالح الدولة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
شراء جنسية... ودخول أنقرة على الخط
وأصدرت السلطات الجزائرية ضد الجنرال غالي بلقصير، أربع مذكرات توقيف دولية نهاية مارس (آذار) 2020، كما كشف موقع الفرنسي في سبتمبر (أيلول) 2020، عن أن أنقرة وضعت خطة لاستدراج بلقصير، للحصول على معلومات دقيقة وحساسة عن الجيش الجزائري لصالح الاستخبارات التركية، وأشار الموقع إلى أن هذا الأمر "هو ما دفع القضاء الجزائري إلى توجيه تهمة الخيانة العظمى لقائد الدرك وإصدار مذكرة توقيف دولية بحقه".
وكشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية أن دولة "فانواتو"، وهي أرخبيل جزر صغيرة يقع في المحيط الهادي، تبيع جواز سفرها إلى رجال أعمال ومسؤولين سياسيين ومطلوبين، مشيرة إلى أن نحو 2000 شخص اشتروا "جوازات السفر الذهبية". وقالت إن من بين الذين حصلوا على جنسية هذه الدولة، رئيس وزراء ليبيا السابق فايز السراج، وقائد الدرك الجزائري السابق الفار، غالي بلقصير، الذي كان أصدر قاضٍ عسكري جزائري أربعة أوامر بالقبض الدولي عليه بتهم عدة بينها تهمة "الخيانة العظمى".
أما قرميط بونويرة، الذي يوصف بـ"خزينة أسرار" قائد أركان الجيش السابق الراحل أحمد قايد صالح، فقد فر إلى تركيا بعد وقت قصير من وفاة الأخير في 23 ديسمبر (كانون الأول) 2019، وظل هناك لأشهر قبل أن تسلمه أنقرة السنة الماضية بطلب رسمي جزائري جاء بعد اتصال هاتفي بين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ونظيره التركي رجب طيب أردوغان.
تسويات منتظرة
وفي السياق، يعتبر الإعلامي المهتم بالشأن السياسي، حكيم مسعودي، أن التهم الموجهة إلى الضابط المقرب من قايد صالح تتعلق بـ"الخيانة" وإفشاء أسرار حيوية، وبالتالي يسري عليه قانون الإجراءات العسكرية. وبما أن الأمر يتعلق بقضايا عسكرية فإن الرأي العام المحلي غير مطلع على التفاصيل كونها تدخل ضمن أسرار الدولة، وفق المنظور السائد وفقه السياسيين والمشرعين في الجزائر. مضيفاً أن المتعارف عليه بشأن الضابط بونويرة، المحكوم عليه بالإعدام، هو ضلوعه في ما سمي بـ"اللعبة القذرة" التي مارسها النظام خلال الأشهر التي أعقبت بداية الحراك، إذ تداول اسمه أكثر من مرة في قضايا التحريض العنصري وإثارة النعرات ضد المكون الأمازيغي، كونه كان الذراع اليمنى للفريق أحمد قايد صالح، كما قاد معارك افتراضية ضد أطراف عدة في السلطة.
ويتابع مسعودي أن قضية الجنرال غالي بلقصير مرتبطة أكثر بالفساد حسب المتداول من الأدلة، بينما المتهم الآخر العربي زيتوت، فالأمر واضح ويدخل ضمن التصنيف الأخير لحركة "رشاد" على كونها منظمة إرهابية، مشدداً على أن هذه التسويات منتظرة وربما ستحصل تسويات أخرى في الأيام المقبلة، وهي صورة عن استغلال المناصب والنفوذ.