عثمان عبد الباسط، اسم لا تخطئه آذان محبي الأفلام المصرية القديمة، الرجل الذي يطلق كلماته بسرعة غير معتادة، ودوماً يقع في مواقف صعبة، ويتورط في أزمات لا يتوقعها أبداً، لكنه مخلص دوماً لأصدقائه ومعارفه.
العامل البسيط، والموظف خفيف الظل، الذي يسخر بذكاء ولطف من كل ما يقع تحت عينيه، لأن "شر البلية ما يضحك"، كان يتميز بسمات لافتة لا تشبه نجوم السينما في تلك الأيام، بينها اعتماده على مفارقات درامية كوميدية، قوامها لون بشرته الأسمر، وارتداؤه عمامة بشكل مميز فوق رأسه. لكن، هل كانت بشرة علي الكسار داكنة بالفعل؟ وهل حمل موهبته من الجنوب وجاء بها إلى القاهرة؟! وهل حقاً مات فقيراً؟
النوبي الأسمر المزيف
الخدعة الأبرز في سمات شخصية عثمان عبد الباسط، هي أن صاحبها نشأ في منطقة النوبة بمصر، وأنه داكن البشرة، ومن هنا جاءت طريقته المميزة في الحديث، إذ الأسلوب السريع في نطق الكلمات، حيث ربط الجمهور بين الدور على الشاشات وبين حياة الممثل على أرض الواقع.
لكن، هذا التماهي لم يكن بهذا الشكل أبداً، والحقيقة أن علي الكسار الذي تحل ذكرى وفاته الـ 65 اليوم، يوم 15 يناير (كانون الثاني)، كان لون بشرته فاتحاً، لكنه تميز بشخصية عثمان عبد الباسط على المسرح أولاً، وكان يستخدم مستحضراً لتلوين بشرته لتبدو متلائمة مع الدور الذي يمثل رجلاً من الجنوب بلكنة قريبة لأهل النوبة، لكنها عامية مصرية في الأساس. وظل الكسار يلجأ إلى هذا المكياج لتلوين بشرته خلال تقديمه أدواره في السينما، فقد أراد أن يحافظ على نجاح الشخصية بجميع تفاصيلها.
ولد الراحل في منطقة السيدة زينب في القاهرة، وإن كانت له أصول نوبية، كما اتخذ لقبه "الكسار" من عائلة والدته، فاسمه في الأوراق الرسمية علي خليل سالم. إذاً عثمان عبد الباسط شخصية مبتكرة في كل شيء، ولا تقترب كثيراً كما يعتقد البعض من شخصية علي الكسار الحقيقية.
"البربري الظريف" ينافس الريحاني
في فترة المراهقة، تعلم علي الكسار (مواليد 13 يوليو "تموز" 1987) الطبخ، وعمل مع خاله بعض الوقت، وتعلم من زملائه وقتها بعض الثقافة واللغة النوبية، لكن عشقه الأساسي كان للتمثيل، فبدأ وهو في الـ21 من عمره تجربة حظه على المسارح البسيطة، وأول مكان عمل فيه كان دار التمثيل الزينبي في شارع المواردي في القاهرة القديمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بعدها، ظل يعمل في المسارح الكبرى عشرين عاماً تقريباً، وكان منافساً قوياً لنجيب الريحاني، واستطاع أن يتفوق عليه جماهيرياً في أوقات كثيرة، فالأخير كان معروفاً بـ "كشكش بك"، والثاني كان يشار له بالبنان، نظراً إلى شعبية شخصيته عثمان عبد الباسط التي قدمها للمرة الأولى في مسرحية عرضت في أحد مسارح شارع عماد الدين حملت عنوان "حسن أبو علي سرق المعزة"، وفوجئ باستقبال الجمهور الحافل لها، إذ حفظ المشاهدون الألفاظ التي تأتي على لسانها، ومن هنا تمسك بها ووصفها بنفسه بأنها شخصية رجل "بربري ظريف".
وصل رصيد الكسار إلى 160 عملاً مسرحياً، ثم في الثلاثينيات فتحت له السينما ذراعيها، وحقق فيها نجاحاً قوياً، فقدم شخصيته الأثيرة أيضاً في أكثر من عشرة أفلام من بين أربعين فيلماً زينت مشواره، أبرزها "عثمان وعلي"، و"ألف ليلة وليلة"، و"سلفني 3 جنيه"، و"علي بابا والأربعين حرامي"، و"نور الدين والبحارة الثلاثة" و"أخلاق للبيع".
وعلى الرغم من أنه ظهر على شاشة الفن السابع في الأربعينيات من عمره، فإنه كان نجماً لامعاً، وصعد بسرعة في مصاف مشاهير الصف الأول، وكان من بين أعلى الممثلين أجراً، وأسهم في تقديم نجوم كثر، بينهم إسماعيل ياسين في بدايته.
ومثلما أحبه جمهور المسرح عشقه أيضاً رواد السينما، ونصّبوه كوميدياناً ونجماً غير معتاد، قبل أن يأتي إسماعيل ياسين بأفلام أكثر تنوعاً وطزاجة، ويستحوذ هو على عرش الضحك سنوات.
هل مات فقيرا؟
هنا يأتي التطرق للجدل المثار حول الراحل علي الكسار الذي توفي في السبعين من عمره، بأنه عاش سنواته الأخيرة فقيراً ومعدماً، ومات في غرفة متواضعة في مستشفى قصر العيني، إذ كان يعاني السرطان.
واللافت أن الراحل، بحسب ما يؤكد في تسجيل نادر قبيل أقل من عام على رحيله، أنه وإن كان لم يحقق ثروة ضخمة، لكنه يعيش "مستوراً"، وإنه لا يزال يعمل بشكل منتظم، ويقدم فقرات كوميدية في حفلات متنوعة في أماكن مختلفة.
وقال الكسار خلال اللقاء الإذاعي الذي كان يتحدث فيه بلغة عربية رصينة وواضحة وأسلوب بعيد تماماً عن شخصيته الشهيرة، إنه حقق طموحه وحلمه الذي رافقه منذ صغره، وهو أن يكون ممثلاً جيداً يُرضي الجمهور، ومشيراً أيضاً إلى أن المسرح في خلال العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين أفضل كثيراً من فترة الخمسينيات، وكان أقوى، بحسب رأيه، ويقدم أعمالاً لكبار الكتاب حققت مجداً لأبطالها.
وكان الراحل قد عرض له في عام وفاته (1957) آخر أفلامه، وهو "أنا وأمي" مع رشدي أباظة وتحية كاريوكا وإخراج عباس كامل، حيث جسد دور الجد، أي أنه كان مطلوباً حتى وإن قلت مساحات أدواره بعض الشيء.
كما أكد كثير من جيرانه في منطقة شبرا أن علي الكسار، كان يمتلك بناية كبيرة في المنطقة يسكن فيها مع أبنائه وأحفاده، وتوارثتها الأجيال الجديدة، إذ إن بعضهم يعيش فيها حتى الآن.
ورُزق الكسار بأربعة أبناء، وتزوج مرتين، الأولى من رفيقته في مشوار الفن الممثلة زكية إبراهيم، التي عرفت بدور حماته صعبة المراس، ثم زوجته الثانية التي رزق منها بأبنائه، التي كانت من أصول شامية.