يضم لفظ الأرابيسك أو الزخرفة العربية كل الزخارف الإسلامية في العمارة والفنون، كالرقش العربي والتوريق النباتي والخطوط العربية والتوشيح. ويعرف الأرابيسك على أنه تداخل أو تشابك الزخارف النباتية والهندسية والخطية بتوزيع مدروس وتناوب منظم وانسياب شاعري.
والرقش هو أحد نماذج التزيين المعقدة الذي يحوي زخارف متقاطعة ومتداخلة، تمثلها أشكال هندسية نباتية، وهو يميز الفن العربي الذي ظهر في العمارة الإسلامية. ويعرّف المعنى اللغوي لكلمة رقش في المعاجم العربية، بعبارة رَقِشَ الشيء أي كان به رُقشة، أَي لون فيه نُقوشٌ، ورَقَشَ اللوح أي نقشه وزخرفه وزينه.
الزخرفة العربية
بدأ هذا الفن بالانتشار في القرن الثاني الهجري وازدهر في القرن الرابع، وأنشئت مدرسة في دمشق أطلق عليها اسم "الزخرفة الفاطمية"، كما انتشر في المغرب والمشرق وشاع في إيطاليا وألمانيا وفرنسا وغيرها، ومارسه الفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي.
وانتشر بشكل أساسي في عمارة دمشق داخل البيوت السكنية الكبيرة، وشاع في زخارف الأبواب الخشبية ومشبكات حديد النوافذ والأبواب وقطع الأثاث، وفي الحشوات والرسومات التي تزين بها جدران القاعات وسقوفها ورخام البلاط.
ثلاثة عناصر زخرفية
وتعتمد الزخرفة الداخلية بكل أنواعها على ثلاثة أنواع من العناصر الزخرفية، الرقش الهندسي وهي زخرفة تعتمد على تقطيع السطح إلى أشكال هندسية متداخلة مشعة بشكل جابذ ونابذ، تبتدئ من النجمة وتنداح بأشكال مختلفة، لتشكل نجوماً أخرى لا تلبث أن تتداخل مع أشكال مشعة أخرى تسمى "الخيط"، يصورها الفنان بدقة ويلونها بألوان متنوعة منسجمة، وعلى الرغم من شكلها المجرد الذي يوحي بأنها بلا معنى عميق، إلا أنها تحمل بمجملها معاني صوفية وفلسفية.
والنوع الثاني هو الرقش اللين، وهو عبارة عن تأويل للأشكال النباتية بشكل يخرج عن معناه الأصلي إلى معان أخرى تعبر عن الارتباط بالملأ الأعلى. والنوع الثالث هو الخط العربي الجميل الذي يحمل آيات من القرآن أو أبيات من الشعر في المديح أو في الحكمة والتعبير عن مكارم الأخلاق وحسن الذوق.
ويعد البيت الشامي من الناحية الفنية مجالاً كاملاً للزخرفة والتزويق بكل أنواعه، ويعتمد على أنواع الزخرفة السابقة بشكل واضح.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الطابع الرمزي
وعن أهمية هذا الفن، يقول أوليغ غرابار، المؤرخ الفرنسي المتخصص في الفنون والعمارة الإسلامية، إن الرقش العربي ليس مجرد زخرفة، بل كانت له وظيفة رمزية، فيتبين لنا في جميع أشكال الرقش التي نراها في قصري الحير الشرقي والغربي وفي قصر المشتى أو خربة المفجر، سواء كان هندسياً أو نباتياً، أنه قد أخضع كلياً لمبادئ تجريدية هي في قمة جميع مراتب التعبير الجمالي الإسلامي. وهذا يعني أننا نقف أمام بنية متحركة وقالب يولّد جملة تكوينات متآلفة، فالعناصر الزخرفية لا يمكن وصفها كوحدات منفصلة.
ويضيف غرابار، أن الالتجاء إلى الرقش هو انتقال إلى مستوى القيمة الثقافية للعمل الفني، إذ يلغي العلاقة بين الشيء المرئي وبين دلالته المادية ومعناه المتداول.
ووراء الوظيفة الظاهرية للرقش، يبدو نسق كامل من الإشارات والطابع الرمزي الكامل الذي يفرض نفسه علينا، ولكنه يترك لنا حرية التفسير، ما يعطي الرقش قيمة تذوقية له.
النموذج الأول للرقش العربي
ويعتقد عفيف بهنسي، دكتوراه في تاريخ الفن ومؤرخ دمشقي، أن الزخارف التي كانت تزين الأواني المكتشفة ماري، تدعو إلى القول إنها النموذج الأول والأقدم لما نسميه اليوم بالرقش، حيث يبدو الرقش منقوشاً على جرة من حجر ستيتاتيت المعدني العازل للحرارة محفوظة في متحف حلب، وتعود إلى منتصف الألف الثالث قبل الميلاد. وتتألف الزخرفة من شريطين يتألف كل واحد منهما من حزامين متموجين مضفورين، مع أجسام أفاع تلتف بشكل مستمر حول الإناء، وقد طعمت النقوش الصغيرة بمواد ملونة وبالصدف والحجر الأسود والأخضر.
وهناك قطعة محفوظة في متحف دمشق عبارة عن جزء من وعاء حجر مزين سطحه بإفريزين من النقوش التشبيهية أو المجردة، التي تبدو على شكل شريط من النقوش المضفورة تحيط بها قاعدة الإناء، وهي تعود إلى العصر السابق نفسه وإلى معبد شماش في مدينة ماري.
المنشآت المعمارية
وبحسب كتاب "الشام الحضارة"، تجلى الرقش العربي إلى جانب التصوير التشبيهي في محاولات تزيين المنشآت المعمارية، المساجد والقصور. ونرى ذلك واضحاً منذ بداية الإسلام في مسجد بني أمية الكبير بدمشق، وقصر الحير الغربي، واستمر شائعاً حتى العصر الحديث، كما نراه متمثلاً على الأخشاب التي تزين جدران وسقوف القاعات.
ولقد خصصت الحشوات لتكون ألواحاً لصور ملونة نافرة أحياناً، بعضها يمثل زخرفات محورة مستوحاة من الغصون والأوراق والأزهار، وبعضها ذو تشكيلات هندسية جابذة ونابذة مركزها شكل مضلع أو نجمة، وتتفرع الخطوط إشعاعياً لتشكيل تكوين جذاب طريف، وثمة حشوات أخرى كانت ألواحاً لموضوعات تشبيهية.
وترى أمثلة هذه الألواح الزخرفية في أكثر البيوت الشامية التي ما تزال قائمة اليوم، ولعل أشهرها القاعة الشامية في المتحف الوطني في دمشق. وكان هذا التقليد الفني شائعاً في جميع البدان الشامية ويمتد من العصر العباسي، حيث عثر في الرصافة على أجزاء من تخشيبات مماثلة، وفي متحف الدولة ببرلين مخشبات صالة حلبية ترجع إلى عام 1600م.
وتتوالى هذه الشواهد ماثلة في قصر العظم في دمشق، وقصر العظم في حماة، عدا عن الدور الشهيرة مثل دار السباعي ودار المجلد ودار نظام ودار الجبري وغيرها من البيوت الكبيرة داخل السور في دمشق، ودار الدلال وبين آجقباش في حلب، والكيلانية في حماة.