بدأ الطريق الطويل لتنفيذ اتفاق العام الماضي العالمي، بشأن ضرائب الشركات، لكن النهج الفرنسي في دفع ما لا يقل عن 15 في المئة من معدل الضريبة الأدنى يواجه مقاومة في العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ومع مناقشة وزراء مالية الاتحاد للخطط، يوم الثلاثاء 18 يناير (كانون الثاني) الجاري، تسعى باريس إلى السير بأقصى قدر من السرعة في هذا الأمر قبل الانتخابات الرئاسية المُقررة في أبريل (نيسان) المقبل.
في غضون ذلك، وفي ستراسبورغ، انتخب البرلمان الأوروبي، روبرتا ميتسولا، السياسية الديمقراطية المسيحية من مالطا، رئيسةً له الثلاثاء، لفترة عامين ونصف العام، بدل الاشتراكي ديفيد ساسولي، الصحافي الإيطالي، الذي توفي أخيراً عن عمر يناهز 65 سنة، بحضور العديد من قادة الاتحاد الأوروبي، بمَن فيهم، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، فيما حوّلت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين مسارها، بعدما كانت متوجهة إلى ستراسبورغ بالسيارة، وذلك بعدما اكتشفت أن اختبار سائقها لـ"كوفيد-19" إيجابي بحسب صحيفة "فاينانشال تايمز".
وفي مدريد، استقبل رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، المستشار الألماني الجديد، زميله من عائلة يسار الوسط في أوروبا، أولاف شولتز. ولكن بغض النظر عن الانتماءات السياسية، لا يزال يتعين على مدريد انتظار برلين للسماح بإجراء تغييرات على القواعد المالية للاتحاد الأوروبي والتي من شأنها أن تعفي "الاستثمارات الخضراء" من حسابات العجز والديون.
ومع تولي فرنسا للرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي لستة أشهر، وإطلاقها خطاباً قوياً بشأن التجارة، فإننا اكتشفنا ما تعنيه "المعاملة بالمثل" في سياق الزراعة بعد أول مجلس زراعي عُقد أخيراً.
توقيت الضرائب
وكتب سام فليمنغ، رئيس مكتب بروكسل في "فاينانشيال تايمز" وجيمس شوتر الذي يغطي بولندا وجمهورية التشيك من وارسو للصحيفة، أن "اتفاق منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في العام الماضي الذي وافق على إطار عمل لفرض ضرائب على الشركات، لم يكن يُقصَد به أن يكون نهاية المعركة، فالمرحلة التالية هي تطبيق القوانين الوطنية، ومن المتوقع أن تكون العملية مشحونة سياسياً في كل من أوروبا والولايات المتحدة".
وللتذكير، فإن الصفقة العالمية الموقعة في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، تحتوي على "ركيزتين"، إحداهما تُجبر الشركات متعددة الجنسيات الكبرى على إعلان الأرباح ودفع المزيد في البلدان التي تُمارس فيها أعمالها التجارية، والثانية تتطلّب معدل ضريبة أدنى عالمياً بنسبة 15 في المئة.
وطرحت المفوضية الأوروبية في أواخر العام الماضي مسودة توجيه لتنفيذ الركيزه الثانية، والتي ستحتاج إلى موافقة الحكومات والبرلمان الأوروبي. من ناحية أخرى، فإن الاقتراحات التي تُدخِل الركيزة الأولى حيّز التنفيذ، لن تأتي إلا بعد اتفاقية متعددة الأطراف تحتوي على تفاصيل الترتيب، والتي تتوقعها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هذا الصيف.
ويقع على عاتق فرنسا، التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، دفع العملية إلى الأمام. في حين تولي باريس حرصاً كبيراً على إظهار أكبر قدر ممكن من التقدم في الحد الأدنى للضرائب بينما يستعد إيمانويل ماكرون لمحاولته المتوقعة لإعادة انتخابه رئيساً للبلاد في أبريل المقبل.
لقاء وزراء المالية
وسيعقد وزراء المالية في الاتحاد الأوروبي مناقشةً اليوم خلال مجلس الشؤون الاقتصادية والمالية الأوروبي (Ecofin) في بروكسل حول وضع الأمور، حيث تريد بعض الدول الأعضاء - من بينها المجر وبولندا وإستونيا - ربط تنفيذ الركيزتين بشكل وثيق معاً، بدل السماح لإحداهما بالتقدم على الأخرى. وتختلف أسباب كل دولة، لكن أحد الدوافع هو استمرار الضغط على الولايات المتحدة لدفعها لتطبيق كلا الجزأين من الاتفاقية وليس نصفها فقط.
ألمانيا وإصلاح القواعد
فمثلاً، هل ستسمح الحكومة الألمانية الجديدة بقيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي بأن تصبح القواعد المالية للاتحاد الأوروبي أكثر تسامحاً؟ المستشار الألماني الجديد أولاف شولتز أوضح تقديره لاتفاقية الاستقرار والنمو التي لا تحبها دول جنوب أوروبا كثيراً.
وفي بروكسل، قال وزير المالية الألماني الجديد كريستيان ليندنر، الذي ينحدر من الحزب الديمقراطي الحر ذي العقلية المقتصِدة، لوزراء منطقة اليورو أن "العودة إلى القواعد المالية للكتلة من شأنه أن يساعد في السيطرة على التضخم". وأضاف أن ألمانيا منفتحة على الاقتراحات حول كيفية تحسين الإطار، لكن "النقاش الحقيقي" بشأن إصلاح القواعد لن يبدأ إلا في يونيو (حزيران) المقبل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نبرة المراوغة في مدريد
من جهتها، اتخذت اسبانيا نبرةً مراوِغة، إذ أشادت باتفاقية الاستقرار باعتبارها "إطاراً" للتعاون الأوروبي وتجنب الالتزام بأي تخفيف لعجز الكتلة وقواعد الديون، إلا أنه ومع تحديد نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي التي تبلغ 120 في المئة، فإن إسبانيا حريصة بشكل خاص على مراجعة تلك اتفاقية، التي طالبت فرنسا وإيطاليا بالفعل بمراجعتها لصالح الديون التي يتم جمعها من أجل "الاستثمارات الضرورية".
وقال سانشيز إن القواعد "معقدة للغاية ويصعب الوفاء بها في سياق الوباء"، بحجة أنها بحاجة إلى إصلاح لتسهيل الاستثمارات في انتقال الطاقة والرقمنة.
وأعلن سانشيز أنه كان والمستشار الألماني، "في تناغم" وعبّرا عن طموحات مشتركة بشأن تعزيز الاتحاد الأوروبي، عبر "دفع أوروبا الاجتماعية إلى الأمام والدفاع عن قيمنا ومبادئنا الاشتراكية الديمقراطية" بحسب تصريحاته. وتعود الروابط بين "الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني" والاشتراكيين الإسبان إلى عقود مضت، لا سيما خلال مرحلة انتقال إسبانيا إلى الديمقراطية، عندما قدم الحزب الألماني يد المساعدة إلى نظيره الإسباني.
وبدا الاجتماع ودياً للغاية، حيث ألقى شولتز كلمات غنائية حول "أوروبا تسير جنباً إلى جنب"، وشجب سانشيز أي محاولة لتقسيم الاتحاد الأوروبي إلى معسكرَين متنافسَين. ولم يبد أي منهما تعاطفاً كبيراً مع نوفاك ديوكوفيتش، لاعب التنس غير الملقح الذي تم ترحيله للتو من أستراليا. وقال سانشيز، "يجب اتباع القواعد"، مشيراً من جهة أخرى إلى ملاحظة مختلفة قليلاً عن بحثه حول ميثاق الاستقرار.
حذر إستوني وشهية مجرية
من جهة أخرى، وفي حين كانت إستونيا حذرة بشأن صفقة الضرائب الدولية نظراً لخصوصيات نظامها الضريبي، فإن رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان يقترب من استحقاق انتخابي هذا الربيع، مما يزيد من شهيته للصراع مع بروكسل.
وتعارض كل من الرئاسة الفرنسية والمفوضية الأوروبية فكرة جعل تنفيذ جزء من الحزمة مشروطاً قانونياً بالجزء الآخر. وقال أحد مسؤولي الاتحاد الأوروبي، "نعتزم المضي قدماً بكلا الركيزتين في أسرع وقت ممكن". وحذر من أن "تعطيل التقدم في الركيزة الأولى من شأنه أن يعرّض خطط التنفيذ بحلول عام 2023 للخطر".
وعلى الرغم من مشاعر التفاؤل التي سادت دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي بشأن العملية الموازية في الولايات المتحدة، فإن التوقعات هناك مشكوك فيها بشكل متزايد. حيث تم إرفاق الحد الأدنى من الضريبة بالحزمة التشريعية "إعادة البناء بشكل أفضل" التي تم نسفها في أواخر العام الماضي. وتواجه الركيزة الأولى من الإتفاق طريقاً وعراً حيث تلوح انتخابات التجديد النصفي في الأفق في عام 2022.
المعاملة بالمثل للمزارعين
وكان وزير الزراعة الفرنسي جوليان دينورماندي حريصاً على إيصال رسالته إلى الوطن، بعدما ترأس أول مجلس لوزراء الزراعة هذا العام. وكرر كلمتَي Liberté، égalité وتعنيان الحرية والعدالة، 12 مرة على الأقل في مؤتمر صحافي عقده بعد الاجتماع حيث أوضح أولويات باريس للأشهر الستة المقبلة.
وعرّف المجلس، المعاملة بالمثل، على أنها ضمان "أن المنتجات الغذائية الزراعية المستوردة إلى أوروبا تلتزم بالمعايير البيئية والصحية للاتحاد الأوروبي، لا سيما في الاستخدام المستدام للمنتجات الصيدلانية النباتية".
ويشكو المزارعون من تكاليف الامتثال للمعايير الزراعية للاتحاد الأوروبي، بينما يقبل الاتحاد الواردات من البلدان ذات قواعد أقل صرامة. الموضوع ليس جديداً لكن الجدل تحوّل لصالح فرنسا أخيراً (كانت المملكة المتحدة خصماً كبيراً).
وقال دينورماندي للصحافيين بعد الاجتماع "كانت المعاملة بالمثل معسكراً - كنت ستُحرض نفسك ضد الآخرين الذين سيدافعون عن نهج أكثر ليبرالية". وأضاف أنه لم يعترض أي وزير على الفكرة.
وتريد باريس استخدام "البنود المعكوسة"، التي من شأنها أن تسمح بفرض حظر على المنتجات المنتجَة بمعايير أقل، بحجة أنها ستكون متوافقة مع منظمة التجارة العالمية.
ومع ذلك، فإن بعض الدول الأعضاء ومسؤولي المفوضية يختلفون ويخشون عدداً كبيراً من القضايا القانونية. كما تم إطلاع الوزراء على زيادة سنوية بنسبة 27 في المئة في أسعار المواد الغذائية العالمية في العام المنتهي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021. وقد يثبت حظر الواردات الرخيصة أنه من الصعب تسويقه بين الناخبين الذين يعانون من ضائقة مالية.