بمقاطعة كبرى الفصائل الفلسطينية، كـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" وحركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" وبعض الفصائل الصغيرة، يعقد المجلس المركزي الفلسطيني اجتماعه في رام الله مطلع الشهر المقبل، في ظل إصرار حركة "فتح" على التئام أعلى هيئة تشريعية للفلسطينيين في غياب المجلس الوطني، بمن حضر.
فالجبهة الشعبية التي تعتبر تاريخياً ثاني أكبر فصائل "منظمة التحرير" الفلسطينية، أعلنت مقاطعتها للاجتماع، وذلك استمراراً لمقاطعتها اجتماعات مؤسسات "منظمة التحرير" احتجاجاً على ما تصفه "بالتفرد" في اتخاذ القرارات من الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
اتهامات باعتماد "نهج الإقصاء"
ومع أن حركة "حماس" ليست عضواً في المجلس المركزي، وذلك بعد حل المحكمة الدستورية الفلسطينية المجلس التشريعي الذي كانت تحتفظ بعشرات المقاعد فيه، لكنها هاجمت عقد المجلس "من دون توافق وطني، وبرسم مسبق لمخرجاته"، بحسب نائب رئيسها في الخارج موسى أبو مرزوق، مضيفاً أن ذلك يظهر "نهج الإقصاء الذي تمارسه فتح، ومصادرتها لحق الشعب في اختيار قيادته".
كما أعلنت "الجبهة الشعبية" (القيادة العامة)، و"طلائع حرب التحرير الشعبية" (قوات الصاعقة) اللتان تتخذان من دمشق مقراً لهما، عدم حضورهما اجتماعات المجلس، في استمرار لسياستهما القاضية بمقاطعة اجتماعات "منظمة التحرير" منذ عام 1984.
لكن حركة "فتح" التي يتزعمها الرئيس محمود عباس، تسعى إلى عقد الاجتماع "بمن حضر" بعد تأمين النصاب العددي له، وذلك لاتخاذ قرارات "حاسمة ضد تنكر إسرائيل لحل الدولتين، ومواصلتها الاستيطان والجرائم"، وسد الشواغر في اللجنة التنفيذية لـ"منظمة التحرير"، وانتخاب رئيس جديد للمجلس الوطني الفلسطيني.
وبعد نحو 30 عاماً من ترؤسه المجلس الوطني، أعلن سليم الزعنون استقالته من منصبه بعمر 87 سنة، وحدد قبل دخول استقالته حيز التنفيذ موعداً لاجتماع المجلس المركزي في السادس من فبراير (شباط) المقبل في رام الله.
إقرار الترشيحات
ويبلغ عدد أعضاء المجلس المركزي 141، ويتكون من رؤساء الهيئات الشعبية والنقابات المهنية وأعضاء اللجنة التنفيذية، وقادة فصائل "منظمة التحرير"، وحصة محددة لكل فصيل، إضافة إلى رئاسة المجلس التشريعي ورؤساء اللجان والقوائم فيه، و40 شخصية مستقلة انتخبها المجلس الوطني في جلسته الأخيرة في رام الله.
وفي خطوة أثارت رفض فصائل فلسطينية، جددت اللجنة المركزية لحركة "فتح" ثقتها بالرئيس عباس رئيساً للجنة التنفيذية لـ "منظمة التحرير"، ورئيساً لدولة فلسطين، حيث يتولى المجلس المركزي في غياب المجلس الوطني، وانتخاب رئيس الدولة لرئاسة السلطة الفلسطينية.
كما انتخبت قيادة "فتح" حسين الشيخ أحد أقرب المقربين إلى الرئيس عباس، والمسؤول عن التواصل مع إسرائيل، مرشحاً للحركة في اللجنة التنفيذية بدلاً عن الراحل صائب عريقات، الذي كان يترأس أمانة سر اللجنة، إضافة إلى رئاسة دائرة شؤون المفاوضات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومنذ وفاة عريقات عام 2020، يقوم الشيخ بمهام عريقات في التواصل مع المسؤولين الإقليميين والدوليين من دون أن يتولى المنصب رسمياً.
كما اختارت حركة "فتح" روحي فتوح وبالإجماع مرشحاً لها لرئاسة المجلس الوطني الفلسطيني خلفاً للزعنون، وهو ما يحتاج إلى انتخاب المجلس المركزي.
ويُتوقع أن يُقر المجلس المركزي تلك الترشيحات بسبب تمتع حركة "فتح" بالغالبية في المجلس، إضافة إلى اختيار مجلس لإدارة الصندوق القومي الفلسطيني.
التفرد في اتخاذ القرارات؟
وفي دفاعه عن قرارات "فتح"، قال عضو اللجنتين التنفيذية والمركزية للحركة عزام الأحمد، "من حق أي فصيل أو عضو في المجلس الوطني أن يرشح نفسه لأي موقع في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية القيادية وفق أنظمتها وقوانينها".
ورفض الأحمد اتهام "فتح بالتفرد في اتخاذ القرارات عبر ترشيح قيادات منها في مؤسسات منظمة التحرير"، ودعا إلى "عدم التسرع، وتحمل المسؤولية الوطنية بعيداً من اللغة السلبية والاتهامات والتشويه، والالتزام بلغة الحوار الديمقراطي والمسؤول"، وأشار إلى أن فصائل "منظمة التحرير" ستشارك في اجتماع المجلس المركزي، وستحافظ على أعضائها في اللجنة التنفيذية من دون تغيير".
وتحتفظ حركة "فتح" بثلاثة من مقاعد اللجنة التنفيذية لـ "منظمة التحرير" البالغة 18، في حين تمتلك فصائل "منظمة التحرير" مقعداً واحداً لكل منها، إضافة إلى مقاعد مخصصة للشخصيات المستقلة.
وتعتبر اللجنة أعلى سلطة تنفيذية لـ "منظمة التحرير" وتكون دائمة الانعقاد، وتتولى تنفيذ السياسة والبرامج والمخططات التي يقررها المجلس الوطني، الذي فوّض قبل ثلاث سنوات مهامه إلى المجلس المركزي.
ومع أن المجلس المركزي قرر خلال اجتماعاته عام 2018 تعليق اعتراف دولة فلسطين بإسرائيل، وقطع العلاقات كافة معها بما فيها التنسيق الأمني، لكن تلك القرارات بقيت من دون تنفيذ ومجرد توصيات.
الالتزام بالقرارات
وقال عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة عن "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" تيسير خالد، إن العمل جارٍ على عقد اجتماع للمجلس المركزي يعمل على "الالتزام بالقرارات الصادرة عنه، ولا توضع في الأدراج"، مضيفاً أن "تلك مرحلة انتهت، لأنها تُلحق الأذى الكبير بمكانة منظمة التحرير، وبمصالح الشعب الفلسطيني".
واعتبر القيادي في "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" كايد الغول أن منهج "فتح" في الإقصاء والتفرد في القرار لم ينتهِ، مشيراً إلى أن ذلك "يتطلب توافر القناعة لمن يمارس الإقصاء في الإقلاع عن ذلك".
كما انتقد القيادي السابق في الحركة والمفصول من لجنتها المركزية ناصر القدوة، طريقة التحضير لاجتماع المجلس المركزي، مشيراً إلى أنها تشكل "تجاوزاً لكل الخطوط الحمر، وإصراراً على تعميق المأزق، وعلى الذهاب إلى ما يسمى مجلساً مركزياً بدلاً من استعادة قوانا بشكل جدي، والدعوة لحوارات حقيقية ومجلس وطني جديد وبرنامج سياسي"، وأَضاف القدوة أن ما يجري يعكس "غياب العمل المؤسساتي، وحالة الترهل والتمزق التي أصابت منظمة التحرير"، مؤكداً أن ذلك "يزيد من حالة الانقسام والتمزق وستكون له نتائج وخيمة".
ومع أن المجلس المركزي قرر عام 1993 إنشاء السلطة الفلسطينية بحسب اتفاق أوسلو مع إسرائيل، لكن الأخيرة أصبحت تهيمن على مؤسسات "منظمة التحرير"، في ظل تصاعد المطالبات بأن تتخذ المنظمة دورها كأعلى مرجعية للشعب الفلسطيني في كافة مناطق انتشاره.